منتدى العمق

البرقية السرية لـ1978.. العدناني يكشف دور الجزائر الخفي في نزاع الصحراء وزعزعة استقرار مالي

استطاع الدكتور الجيلالي العدناني أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط، بكل حيادية وبشكل يعكس دور المؤرخ في اعادة فتح ودراسة بعض القضايا الشائكة، الجيوسياسية تحديدا. خصوصا عندما استطاع الوصول الى البرقية الصادرة عن “بيير كورنيه”، المكلف بالأعمال في السفارة الفرنسية بباماكو، إلى وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية.

الوثيقة تحمل طابعًا سريًا ومكتوبًة بتاريخ 24 مايو 1978 التي توضح تورط الجزائر في النزاع الصحراوي عبر دعم البوليساريو واستخدام الأراضي المالية كمنطقة للعمليات العسكرية. هذا الدعم يبين الدور الذي لعبته الجزائر في تعزيز نفوذها الإقليمي في منطقة الساحل والصحراء، من خلال دعم الحركات الانفصالية…

المقال يبرز تحليل دقيق لتاريخ التدخلات الجزائرية في مالي بصورة معقدة وطويلة الأمد من الصراعات الإقليمية التي نشأت نتيجة لتدخلات الجزائر العسكرية والسياسية في الشؤون المالية.

يبدأ المقال بإشارة إلى تقرير دبلوماسي فرنسي يعود إلى مايو 1978، حيث تم تسليط الضوء على تداعيات أولى العمليات التي قام بها البوليساريو تحت دعم مباشر من الجيش الجزائري في شمال مالي.

في ذلك الوقت، كان الهدف هو تعزيز وجود الحركة في المنطقة الصحراوية وزرع بذور التمرد والانفصال في بعض المناطق الماليّة عبر دعم القبائل الصحراوية، بما في ذلك التوارق.

يتعمق المقال في شرح كيفية استغلال الجزائر للموارد البشرية في المنطقة الصحراوية، حيث شملت هذه العمليات، ليس فقط الدعم العسكري للبوليساريو، بل أيضاً تغيير التوازن السكاني، وتوجيه استراتيجيات متقنة لاستقطاب وتجنيد أفراد من القبائل التوارقية، ونقلهم إلى مناطق معينة بالقرب من قواعد البوليساريو في الجزائر.

كما تطرق المقال إلى إنشاء معسكرات في المناطق الحدودية، والتي تم تقديمها في البداية على أنها “مخيمات للاجئين”، بينما كانت الهدف الحقيقي منها هو تمويل ودعم العمليات العسكرية للبوليساريو.

تجدر الإشارة إلى أن المقال لا يقتصر فقط على سرد الوقائع التاريخية، بل يعرض أيضاً التأثيرات المستمرة لهذه السياسة الجزائرية على الوضع الأمني والسياسي في المنطقة.

فبعد نحو أربعة عقود من هذه العمليات الأولى، يعيد الكاتب ربط هذه السياسات بالأحداث الحالية، موضحاً أن اتفاقيات الجزائر لعام 2015 قد أسهمت في تقويض وحدة مالي، وهو ما اعتبرته الحكومة المالية بمثابة “شرعنة” للبعض محاولات الانفصال.

من خلال هذا الاستعراض التاريخي، يبرز المقال الأبعاد الجيوسياسية لصراع مستمر لم يتوقف، حيث الجزائر لا تزال تلعب دورًا محوريًا في تغذية التوترات في مالي وفي المنطقة ككل.

في هذا السياق، يسلط الكاتب الضوء على محاولة المغرب لتعزيز وجوده في المنطقة عبر افتتاح سفارة في باماكو كجزء من استراتيجيته لمواجهة النفوذ الجزائري والبوليساريو، مبرزاً أن هذه الخطوة تعتبر جزءًا من رد سياسي ودبلوماسي على الوضع القائم.

في الختام، يمكن القول إن المقال يعكس صورة معقدة للغاية للصراعات التي دامت لأكثر من أربعة عقود، ويستعرض كيف أن التدخلات الجزائرية قد خلقت أزمة مستمرة في المنطقة، وهو ما يبرز الطابع الجيوسياسي العميق لهذا الصراع الذي لا يزال يشكل جزءًا من التحديات التي تواجه دول الساحل في الوقت الراهن.

* مهدي الخمال، باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *