وجهة نظر

الجامعة المغربية من تخريج النخب إلى تفريخ العنف‎

منذ سنة 2013 لم تطأ رجلي جامعة ابن زهر ،ولم تعد خاطري تميل إليها مذاك الحين.

ذلك أنني وأثناء زيارتي لها في تلك السنة صادفت مناوشات بين أفراد فصيلين داخل الحرم الجامعي. هؤلاء الأفراد الذين لم يتوانوا في استعمال مختلف الأسلحة البيضاء بكل ما أوتوا من قوة، ما أسفر عن تأثر البعض بجراح خفيفة وآخرين بجراح بليغة نقلوا على إثرها إلى المستعجلات.

وما زرع الرعب في قلبي أن رأيت أحد هؤلاء يضرب الآخر بسلاح أبيض دونما خوف أو تخوف ،فعجبت أهي شجاعة أم أن العقل مخدر وغائب عن وعيه؟

وبالرغم من أن الواقعة لم تسفر عن قتلى إلا أنها من أبسط ما يقع داخل الحرم الجامعي من إرهاب واستهتار بأرواح الطلبة الذين من المفروض أنا يبذلوا الغالي والنفيس من أجل طلب العلم والمعرفة داخل صرح يوفر الظروف الصحية والأمنية اللازمة لتحقق هذا الغرض،بيد أن الأمر لا يعدو أن يكون حلما طال ومع مرور السنون استحال.

جامعة أصبحت مسرحا للقتل والترهيب وتصفية الحسابات الأيديولوجية ولما لا العصبية-العنصرية- بين فصيل وآخر.

جامعة أمسى فيها طلب العلم جهادا والاقتتال بين الفصائل واجبا، لفرض الهيمنة وإحكام زمام الأمور .

جامعة صار فيها القتل عادة، والخوف عبادة،وعلى رأس كل سنة تسمع إفادة،بأن الإرهاب ينوي الإعادة، والموت يطلب زيادة.
جامعة صار فيها التفوق بحصد الأرواح، بعدما كان بطلب العلم وتحصيل النجاح،فبين أم مكلومة وأب يحصي الجراح،ما زال الجرح ينزف والقتل مستباح.

أي واقع هذا؟؟؟

وأي مصير هذا؟؟؟

واقع مر مرير،مر لأنه ليس بالسهل بما كان أن نختزل الأمر في توجهات ايديولوجية لا تساوي أمام حياة الإنسان شيئا،ومرير أن يتكرر الأمر سنة تلو الأخرى،فكلما مرت سنة اشتد الخناق وعظم الخطب،فكانت النتائج وخيمة.

مصير مبشر ونذير،مبشر بأن القادم أدهى وأمر، وأن الموت على الأبواب ينتظر.ونذير شؤم لجيل صاعد سيسحق بين خيار الانتماء وبين العصبية الجهلاء.

فمن ينتهج العنف في الجامعة؟ ولماذا لا يتم التفاعل بشكل جدي مع هذه الوقائع المؤسفة؟ولما التساهل مع هذه الأمور؟، كلها تساؤلات تتجاوز المحيط الجامعي لتسائل الجهات المسؤولة عن دورها في تحقيق الأمن داخل الجامعة وخارجها ولإعادة الجامعة لتأدية وظيفتها في إنتاج العلم والمعرفة وتخريج النخب.

وأضف إلى ذلك أن العنف الجامعي تقف من خلفه جهات معينة، وأن الشجاعة التي يتمتع بها الطلبة حين يلتجئون للعنف دونما استحضار للعواقب، دليل على أن لديهم ضمانات -من الجهات الموجهة-للافلات من العقاب.
فأصبحت الجامعة تعكس الانفصام الذي يعيشه المجتمع المغربي على المستوى الاثني وعلى مستوى الهوية، وهذا أمر خطير. لأن الطالب أصبح يؤمن بانعدام جدوى الإيديولوجية السياسية وعوض أن يدافع عن مبادئ الديمقراطية والحرية أصبح يدافع عن عرقه أو لغته”، يقول المحلل السياسي خالد الشيات مشيرا في الوقت نفسه إلى “التحول الخطير في دور الجامعة التي انتقلت من مكان لتخريج الكفاءات والنخب إلى مكان يلجأ له كل من انسدت أمامه جميع الأبواب”.

وأن الأمر يتجاوز مجرد تطاحن بين الفصائل داخل الجامعة، بل هي حسابات من خارج الجامعة،فما معنى أن يشارك عناصر “مجهولون”ليسو من الجامعة في أعمال العنف.
وهنانتساءل عن موقع الدولة في ما يحصل،والأمن المغربي الذي يتخذ موقف “الحياد الكاذب” في ما يتعلق بالعنف في الجامعات، عكس ما يحدث عندما يتعلق الأمر بمعارضة السلطة.

“عندما يتعلق الأمر بمعارضة السلطة فإن الأمن يخرق حرمة الجامعة ويعتقل الناس لأنهم يعارضون السلطة، وعندما يكون العنف بين الطلبة في ما بينهم فإن الأمن يتخذ موقف الحياد ويتركهم يقتلون بعضهم بعضا. والهدف في ذلك هو عزل الجامعة عن المجتمع”مقتبس.

رفع القلم واستقر وحيه. لشهب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *