رمضانيات

“من الوهابية إلى الإسلام” .. لشهب: هكذا تتصور الوهابية الله ﷻ (الحلقة 20)

ضمن هذا الشهر الكريم، نعرض عليكم متابعي جريدة “العمق” سلسلة جديدة مع الكاتب خالد لشهب يروي فيها تجربته من “اعتناق” مذهب بن عبد الوهاب إلى مخاض الخروج إلى رحابة الإسلام، بما يبشر به من قيم الجمال والتسامح والرحمة …

السلسلة هي في الأصل مشروع كتاب عنونه مؤلفه بـ «من الوهابية إلى الإسلام»، حيث يُحاول من خلال عرض تجربته بأسلوب يزاوج بين السرد والاسترجاع والنقد.

جريدة “العمق” ستعرض طيلة هذا الشهر الفضيل، الكتاب منجما في حلقات، يحاول من خلالها الكاتب نثر الإشارات التي قد تكون دافعا ووازعا لكثير من الشباب للخروج من ظلمة الوهابية إلى رحابة الإسلام عملا وظنا.

الحلقة 20: هكذا تتصور الوهابية الله

لقد سبق لي أن أشرت إلى أن الوهابية تدعي نسبتها لمنهج السلف، وسبق لي أن أشرت إلى أن السلفية ليست منهجا في الفهم يعتد به بما يحمله هذا المصطلح “منهج” من دلالات. فالحديث عن السلف هو حديث عن بيئة عربية يغلب عليها الأمية وتضعف فيها ثقافة الكتابة والتدوين، بينما القلة القليلة التي كانت حاملة لكتاب الله متعلمة كانت تتعامل مع نصوص الشرع بما توفر لها من طبيعة وسليقة عربية، فظهر إلى جانب هذا أمور أخرى على أساسها تفاضل الصحابة؛ وهو ما كان مقدمة لما سمي بعلوم الدين. فكان مصطلح الفقه قواعدا لفهم الأحكام بينما كان التفويض في العقائد غالبا على زمن السلف؛ قبل أن يدخل العجم ويكثر الكلام في ذات الله وصفاته فاستنبط الأشعري منهجا استدلاليا أصبح فيما بعد لازما لمنهج أهل السنة والجماعة.

والسلفي اليوم يقول لك: نحن على منهج السلف، وكأن علماء الشريعة في ما يربو عن تسعين في المائة ما ظهر لهم منهج السلفي فيتبعونه بدلا من إتباع مذهب أبي الحسن، وأن الشافعي ومالكا وجعفر الصادق وأبا حنيفة ما ظهر لهم منهج السلف فيتبعونه بدلا من إحداث هذا المسمى فقها. ولهذا فالسلفي يقول لك: نحن أمة دليل؛ ويقصد بالدليل النص سواء كان مظنونا أو مقطوعا، وهذا من الجهل البئيس الذي جعل السلفية في شقها الوهابي مدعاة للشفقة في التعامل مع النصوص.

وعندما دخل العجم في الإسلام كانوا يكثرون من السؤال؛ يريدون معرفة هذا الرب الذي سيعبدونه بدلا من أربابهم السابقين، فقام إليهم ناس جادلوهم وسموا أهل الكلام، بينما عجز آخرون عن تبرير هذا الدين ودعوا الداخلين للإسلام إلى التسليم وعدم السؤال، فسموا أهل الحديث والأثر. يقول إمامنا النووي: “اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين: أحدهما: وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم. والقول الثاني: وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم”.

ومثل هذا القوم معلوم منثور في كثير من كتب أئمة المسلمين، ولا ينكر هذا إلا جاهل أو حاقد، فمذهب التأويل دان به من أهل السنة الأشعرية وأصحاب أبي منصور والزيدية والإباضية والشيعة بينما عرف عن أهل الحديث: أمروها كما جاءت.

ومرد هذا إلى أن مبدأ التفويض لن يكون مقنعا لمن شاء أن يستعمل عقله، وهذا مأمور به ومدعو له في الكتاب؛ بل هو طبيعة بشرية، فكان أهل السنة والجماعة مجبرين على الدفاع عن عقيدة السلف في مواجهة خصومهم من الذين استفاضوا في تفصيلات العقل من المعتزلة وغيرهم بعد انصرام عهد السلف، وعليه كانت الغلبة إلى اليوم في مشارق الأرض ومغاربها إلى أهل التأويل، بل أنه لم يعرف عن غالب العلماء المحققين المعتبرين إلا التأويل.

وإذا كان الإمام أحمد قد توفق إلى حد ما في النأي عن نفسه عن الخوض في ذات الله وصفاته حتى نسب إليه مذهب التفويض يقول الإمام الغزالي في المنقذ: (وأحمد ابن حنبل أبعد الناس عن التأويل) فإن غالب أتباع مذهبه على قلتهم عرفوا بالتجسيم والتشبيه، مما اضطر عالما كبيرا من أعلامهم الذي هو ابن الجوزي إلى الرد عليهم تبرئة لذمة الإمام أحمد يقول: “اعلم وفقك الله تعالى أني لما تتبعت مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى رأيته رجلا كبير القدر في العلوم، قد بالغ رحمة الله عليه في النظر في علوم الفقه ومذاهب القدماء، حتى لا تأتي مسألة إلا وله فيها نص أو تنبيه إلا أنه على طريق السلف، فلم يصنف إلا المنقول، فرأيت مذهبه خالياً من التصانيف التي كثر جنسها عند الخصوم، ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبو عبد الله بن حامد وصاحبه القاضي، وابن الزاغوني فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس. فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهواتٍ وأضراساً ويدين وأصابعَ وكفاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين. وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس. وقالوا: يجوز أن يُمس وَيمس، ويدني العبد من ذاته. وقال بعضهم: ويتنفس. ثم يرضون العوام بقولهم: لا كما يعقل…ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه. وقد تبعهم خلق من العوام. فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم: يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط: “كيف أقول ما لم يقل”. فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه… فلو أنكم قلتم: نقرأ الأحاديث ونسكت ما أنكر عليكم أحد، إنما حمْلكم إياها على الظاهر قبيح، فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه. ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً حتى صار لا يقال حنبلي إلا مجسم”، انتهى كلامه رحمه الله”.

لقد عرف الحنابلة بالتجسيم بعد الإمام حتى قال بعضهم زيادة على ما قال الإمام: “إن الله إذا انتهى من الخلق وضع رجلا على رجل مستويا على العرش”، وقالوا بقعود النبي يوم البعث جنب الله على العرش، فأثبتوا لله اليد والأعين بل والذيل، ووصل الأمر ببعضهم إلى تصديق رواية أن الله شاب أمرد. وهذا الغلو والجهل ونبذ التأويل وذمه هو الذي كان سببا في خروج جملة من الشباب من الإسلام ظنا منهم أن مذهب ابن عبد الوهاب هو نفسه مذهب أهل السنة والجماعة.

وقصتي مع ذات الله سبحانه قصة طويلة، قضيت فيها سنوات من الشك والنظر حتى كاد حبلي من الإسلام ينصرم لولا فضل من الله، حيث إن تلك المقولات التي كانت تتردد في أسماعي وأنا صغير مثل أن الله خلق آدم على صورته وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وغيرهما كثير، هذه الأمور بعد انشغالي بالعلم والفلسفة كانت تحدث في نفسي نزوعا نوح الإلحاد؛ لأني أستطيع أن أتصور الله جسما ولكنه جسم ليس كمثله جسم، وهذا هو الذي عليه الوهابية اليوم وهو الداعي لسرعة تحلق العامة وميلهم نحو التدين الوهابي، وهو الداعي لنفاذ الشباب المتعلم من الإسلام، فالقول بأن الله ليس كمثله شيء ثم نثبت له اليد والساق والجارحة هو لا يتعدى القول مثلا: إن منزلي مستطيل ولكن ليس كمثله مستطيل، فالاختلاف في العرض لا يقتضي الاختلاف في الجواهر، فالمستطيل هو في النهاية مستطيل، وساق الله ويده وعينه هي في النهاية عين وإن كانت ليست كمثلها ساق ولا عين. وهذا ما نبه إليه أئمتنا من أهل السنة والجماعة من ضرورة التأويل كي لا نسقط في التجسيم وأن مذهب التفويض يقتضي فقط حمل السيف على الناس وإجبارهم عن عدم استعمال عقولهم ليبقوا مسلمين، وإلا فمع الحرية سيخرج الناس من الدين أفواجا وقد بدأ . يقول إمامنا الغزالي في المنقذ متحدثا عن ضرورة التأويل: “ما من فريق من أهل الإسلام إلا وهو مضطر إليه”، ثم ساق اضطرار الإمام أحمد لتأويل أحاديث الأصبعين وقلب المؤمن. وحديث الحجر الأسود يمين الله في الأرض. وحديث إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمين.

فالسلفية اليوم في نسختها الوهابية_ وليس كلها، فقد نجد من هو سلفي ولكن ليس وهابيا وهو نادر جدا_ تثبت لله الحيز والمكان وتثبت أن العرش مادة ليس كمثلها مادة كما يقول ابن عثيمبن في شرح العقيدة الواسطية (والعرش؛ هو ذلك السقف المحيط بالمخلوقات، ولا نعلم مادة هذا العرش؛ لأنه لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث صحيح يبين من أين خلق هذا العرش، لكننا نعلم أنه أكبر المخلوقات التي نعرفها) ويقول: أما أدلة نفاة الرؤية العقلية؛ فقالوا: لو كان الله يرى لزم أن يكون جسماً والجسم ممتنع على الله تعالى لأنه يستلزم التشبيه والتمثيل.

والرد عليهم: أنه إن كان يلزم رؤية الله تعالى أن يكون جسماً فليكن ذلك, لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يماثل أجسام المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}… هذا وغيره كثير جدا مما هو منثور في كتبه وفي تسجيلاته على اليوتوب. بل إنه لا يتسع المجال هنا لنقل كل ما قالوه بهذا الخصوص تحت ذريعة ليس كمثله شيء، هذا الحق الذي أريد به باطل، بل إنه مجمل ما قاله ابن الجوزي في الرد على متقدميهم من الحنابلة المشبهة حيث قال: ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس. فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهواتٍ وأضراساً..ويدين وأصابعَ وكفاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين. وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس. وقالوا: يجوز أن يُمس وَيمس، ويدني العبد من ذاته. وقال بعضهم: ويتنفس. ثم يرضون العوام بقولهم: لا كما يعقل…ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه…)

فهذه أمور معلومة لن أضيع الوقت في سردها في زمن المعلومة، فيكفي أن يكتب الشاب هذا على اليوتوب أو في مواقع البحث لنظر في ذلك الردود بذكر المصادر والشرح من علماء السنة وغيرهم من المذاهب التي تنفي عن الله الجسمية. فما يهمني الإشارة إليه هنا هو أن الوهابية وخاصة في شقها الوعظي قد وافقت العامة في هواهم فصوروا الله في صورة آدمي كبير موقر يعلوا السماء وتحمله الملائك، وهو على هذه الصورة ليس كمثله شيء، فصوروا الله كبشر يغضب ويتأثر وينهزم وينحاز، بل إنهم تشنعوا في تصويره كارها للحب والجمال، محبا للقتل والدمار وغيرها من الصفات التي تخص السقمة من المخلوقين، فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

إن المسلم ملزم في صلاته بقول: الله أكبر، وهذه المعاني الجليلة تقتضي تنزيه الله لا تشبيهه، حتى رأينا من جعل هذه العبارة العرفانية دافعا لإدخال الرهبة في قلوب العالمين بجعل الله جسما خصيما لأعدائهم، والحقيق أن العقل الذي تزدريه الوهابية وتنقص منه هو الذي يقودنا إلى معرفة كم هذا الكون كبير ودقيق وعظيم أيضا، هو العقل نفسه الذي يقودنا إلى إدراك أن خالق هذا الكون هو الأكبر فلا تتعلق القلوب بعدها بشيء ما دمنا ندرك أن مادون الله أصغر، فهو أكبر بعلمه وقدرته لا في جسمه كما يتصور العامة الله، ليس هذا الرب الذي يعادي العقل والعلم والجمال ويتصرف كأنه بشر بجسم كبير يقف في كبد السماء متوعدا الناس بالعذاب الأليم فقط لأنهم لم يؤمنوا به، أو أنهم تجرؤوا على استعمال ملكاتهم العقلية، ولهذا عندما يسمع الوهابي أن عالم فيزياء يؤمن بالخالق يعتقد أنه يؤمن بنفس الرب الذي يؤمن به هو؛ وهذا من الجهل، فأقول لهم: فجرب أن تسأل عالم فيزياء مؤمن واحك له عن إلهك الذي ظلت عليك عاكفا ثم انظر بم يرجع المرسلون. فالإله كما يتصوره عالم الفيزياء والعلماء بالله من العارفين؛ هو نفسه الذي يدركون عظمته المبهرة غير المتناهية في دقة الكون، في سكونه وحركاته وحساباته، فمتى كان رب يخلق هذا الفسيح العظيم الدقيق المبهر لا يرضى عنك إلا إذا كنت جاهلا عامي البصر والبصيرة على سيرة الوهابية اليوم الذين أصبحوا علامة على الجهل وكل قبيح، فلا حسنت أخلاقهم ولا حسنت دنياهم، وإنما هم في كل معيشتهم عالة على غيرهم من الكفار. قال لي واحد منهم: إن المملكة أرض التوحيد، فقلت له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فأين المملكة من الأخلاق بين الأمم، وما فائدة التوحيد حين تفرض على المسلمين الجزية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *