وجهة نظر

معارضة الدولة أم الحكومة؟

((لا يمكن تغيير السياسة ولا آلياتها، الوحيد الذي يتغير هو رجل السياسة نفسه)) يوسف بناش

يبدو أن الضياع السياسي الذي يعيشه البعض، يكمن في استعماله للمصطلحات السياسية بطريقة عبثية وبشكل مقصود، للدفاع عن وضعية سياسية معينة، لا يستسيغها نفسيا، لاسيما إذا كانت هذه الوضعية هي أصلا معركة خاسرة، فكل الحكومات ليست نجاحا سياسيا، بل وجود البعض منها في حد ذاته ورطة سياسية، وربما هذا ما ينطبق على خطاب الأغلبية مؤخرا، حيث أمست تقود معركة حامية الوسيط في مواجهة ما يسميه أنصارها ب “الدولة”، معلنة أنها تساند الحكومة وتعارض الدولة.

والحقيقة إن هذا الخلط المقصود في الفصل بين الاثنين “الحكومة والدولة”، يثير أكثر من تساؤل، خاصة وأن الحكومة هي التي تملك السلطة التنفيذية، و هي جزء أساسي في قرار إدارة الشأن العام الذي هو من مهام الدولة، وبالتالي تبقى الحكومة هي المسؤولة عن إدارة دواليب الدولة في جزءها الكبير، باستثناء الأمور التي تعلو الحكومة وترتبط أصلا باختصاصات رئيس الدولة وفقا للمهام التي منحه إياها الدستور. وعليه، لماذا تتوجه الأغلبية البرلمانية بمعارضتها نحو الدولة؟ أليست الحكومة جزء من الدولة؟.

أما أحزاب المعارضة التي تعارض الحكومة فأمام هذا الخلط باتت تطرح السؤال الكبير كالتالي: إذا كانت الأغلبية تعارض الدولة فلماذا نحن في المعارضة نعارض الحكومة؟ لماذا نعارض نحن الجزء فقط مادامت الأغلبية قررت أن تعارض الكل؟ فلا مبرر إذن أن تكون هناك معارضة للحكومة، لأنها معارضة لجزء فقط من مكونات الدولة، أما الدولة برمتها فتعارضها الأغلبية.

إن الوضع السياسي للبلاد يتطلب في المرحلة الراهنة وضوحا أكثر، فإما أن نكون دستوريين ومنطقيين، ونتحمل مسؤولية إدارة الشأن العام الذي هو إدارة الدولة، أو نمارس المعارضة صراحة ونعارض الحكومة، أما هذا الخليط السياسي بين مساندة الحكومة ومعارضة الدولة، فهو مخالف لمفهوم الديمقراطية، وتنصل من المسؤولية، وعبث سياسي لا يخدم مطلقا بناء المؤسسات، ولا يحترم ذلك المبدأ الدستوري الذي حملته الأغلبية كشعار، وهو إقرار ربط المسؤولية بالمحاسبة، لأن الأغلبية حينما تعارض الدولة في خطابها السياسي البرلماني، فهي تعفي الحكومة ضمنيا من المسؤولية والمسائلة اتجاه القضايا الطارئة التي تهم الشأن العام.

فأمام هذه الحالة السريالية، أصبحنا نجد أنفسنا أمام مأزق سياسي، مفاده هل هذه الأغلبية كائن معارض للدولة؟ ومن تم بأي حق تتحكم الأغلبية في الحكومة التي هي من يملك مفاتيح إدارة الدولة إلا أن نفس هذه الأغلبية تصرح بمعارضتها للدولة من خلال نقذها المباشر والعنيف؟.

يبدو أن هذه الأغلبية أصيبت بأزمة خطاب، فانتقلت إلى السلطة حاملة معها خطاب المعارضة ولم تجد مكانا تقوم بتصريف فيه ذلك الخطاب إلا في انتقادها للدولة وفي نفس الوقت دفاعها عن الحكومة. فمن الصعب أن نقنع المواطن بأن حزبا أغلبي يسير حكومة بكاملها، هو عاجز على خلق خطاب للدفاع عنها بدل معارضة الدولة، لكون مساندة الأغلبية للحكومة هو جزء لا يتجزأ من المسؤولية السياسية لأحزابها الناجمة عن القبول بنتائج الانتخابات، التي تبوأ الأحزاب مكانة إدارة الشأن العام أو تجعلهم في المعارضة.

لذلك من المستحيل أن تكون الأحزاب حاكمة ومعارضة في نفس الوقت، إلا إذا كانت هذه الطريقة وسيلة مثلى لإخفاء العجز والهروب من المسؤولية. فالديمقراطية الحقة تنبني على احترام المؤسسات، وعلى لعب أدوار محددة دستوريا بين من يوجد ضمن الأغلبية ومن يوجد داخل المعارضة، ولا يمكن أن نصنع ديمقراطية هلامية مع الأغلبية وضدها، فإدارة الدولة تستند على إدارة الحكومة، وهذه الأخيرة تبنى أساسا على النزاهة في تحمل المسؤولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *