وجهة نظر

ابن بطوطة واليوغا

بمناسبة اليوم العالمي لليوغا 21 يونيو:

ضمن الملاحظات التي روى ابن بطوطة محمد بن عبد الله الطنجي 1304-1377 عن رياضة اليوغا ومعايشته لها أثناء مقامه بالهند 1333-1344، والتي تعود إلى 5000 سنة، وإن أول ظهور لها كان في ملحمة ” المابها بهارتا “. وهي رياضة عقلية وجسدية كان ينسب في القديم لممارسيها قدرات خارقة، و يتميز اليوغي بنبذ العنف و بالإخلاص والبعد عن الجشع ولا تؤمن رياضة اليوغا بالطائفية أو الأعراق – وفي هذا تختلف عن الهندوسية ذات الطابع الطبقي أو الطائفي – أو الزمان أو المكان وكان الأستاذ بتنجالي هو أول من وضع أسسها التي عُرفت فيما بعد في الهند وفي العالم.

وأفعال اليوغي توجب ممارسة النظافة والرضا وتنقية الذات من خلال الاستسلام الروحي، وهدفها تحرير العقل الواعي من الهويات المزيفة وانعكاسات الحواس الشهوانية لتنبني من جديد على ذات صادقة و لتحقيق ذلك هناك ثلاث قدرات أو مراحل:

– قوة العمل، ملكة المعرفة، الإيمان.
فالتحرر يوجب استخدام طاقة العمل من اجل تقوية الروح إلى درجة التوازن النفساني للوصول إلى الإيمان أو اليقين وذلك من خلال الاستسلام للخالق، بلا شك فان الطرق الصوفية الإسلامية تأثرت ببعض تعاليم اليوغا من خلال تأثرها بالعوائد والأفكار الهندوسية: الموسيقى، التأمل، الجدب، السماع، اللباس، وحدة الوجود …
هناك قصيدة قصيرة قد تختصر نسبيا اليوغا، فتقول:
كــــل قليــلا ** واشرب قليلا
تحدث قليلا ** و نــــم قليلا
امزح قليلا ** وتحرك قليلا
اعمل قليلا ** واسترح قليلا
ادرس قليلا ** و تعبد قليلا
كن جيدا قم بالخير
كن لطيفا كن رحيما
اسأل : من أنا ؟
اعرف ذاتك، وكن حرا

وفي معرض حديث ابن بطوطة عن اليوغا و الذين لقبهم الجوكية (= اليوجي ) وهو تحريف دأب عليه الرحالة الذي لم يكن يستسيغ المصطلحات الهندوسية، ( مثلما أشار إلى “كريشنا ” باسم ” كساي ” وتجاهل مصطلح ” الساتي “) وأكد انه شاهد ممارسي أو متعلمي اليوغا “… تحفر لهم حفر تحت الأرض وتبنى عليهم، فلا يترك له إلا موضع يدخل منه الهواء..”وفي مدينة منجلور – كما تعرف حاليا – رأى “.. رجلا من المسلمين ممن يتعلم منهم قد رفعت له طبلة أقام بأعلاها لا يأكل ولا يشرب مدة 25 يوما..”، وعزا الرحالة هذه القدرة كما سمع إلى كون الجوكية أو ممارسي اليوغا “.. يصنعون حبوبا يأكلون الحبة منها لأيام معلومة.. ” واليوغا كما هو معروف رياضة بدنية و عقلية تحارب الشهوات الجسدية وتؤهل الفرد من الناحيتين العقلية و الجسدية لينسجم مع الطبيعة، فهي ” علم ” داخلي يشمل مجموعة من الوسائل التي من خلالها يستطيع الإنسان تحقيق التوازن و السيطرة على نفسه، وقد لاحظ الرحالة الذي تمتع بفكر ثاقب وملاحظات ذكية أن اليوغا مجرد رياضة فقال: “.. والظاهر من حالهم – أي ممارسي اليوغا – أنهم عودوا أنفسهم الرياضة ولا حاجة لهم في الدنيا وزينتها ..” وتعتبر ملاحظات وإشارات الرحالة إلى اليوغا في الهند أول كتابة عنها في مصدر غير هندي في التاريخ، فهو أول من نبه إلى اليوغا من خارج الهند واعتبرها مجرد رياضة.

لا يعرف تاريخ بداية اليوغا بالتحديد، فالبعض يرجع بداية هذه الرياضة إلى فجر التاريخ الإنساني والبعض إلى 5000 سنة، والبعض الآخر إلى 2500 سنة، إلا أننا عندما نعود للمحلمة الهندية (المابهابهارتا) والتي تروي قصة صراع عائلتين ملكيتين على السلطة على شمال الهند، نجد أن رياضة اليوغا ذكرت في هذه الملحمة التي تعتبر أطول ملاحم العالم، وتعود إلى ماقبل الميلاد، وبذلك تكون اليوغا قديمة بكل المقاييس.
واليوغا رياضة الجميع، فلا تستند إلى عقيدة معينة رغم أن بدايتها كانت في الهند الهندوسية، ويمكن ممارستها في كل مكان وزمان ومن مختلف الأعمار، ولا تتوفر على رموز دينية، ولها جانبان: الجانب العقلي أو النفسي، والجانب الرياضي و الجسدي،،،،،،،ولها أهداف سامية من خلال ممارستها، فهي تهدف إلى النظافة والنقاء الروحي، والتلاحم بين الإنسان والطبيعة ومحيطه العائلي والاجتماعي، لأنها تحارب الجشع و الأنانية، وتهدف إلى تحرر الإنسان من الأمراض النفسية و الاجتماعية والصراع على الملذات التي لا تزيد الإنسان إلا شقاء وتنقية الجسم من السموم النفسية والجسدية.

ومصطلح اليوغا يمكن ترجمته إلى العربية بمعنى التحكم ، فاليوغي من خلال الممارسة العقلية النفسية والجسدية يصل إلى السعادة العقلية و الفهم و المعرفة وإدراك اليقين أو الإيمان، وبالتالي يصل إلى الدرجة الأسمى للتحرر من خلال الاستسلام المعرفي بالفهم العميق والعمل الجاد للخالق.

إن الإخلاص والصدق ونكران الذات وضرورة العمل البناء للوصول إلى التحرر النفسي و الجسدي من المبادئ الأساسية لليوغا لأننا منحنا هذا الجسد وهذا العقل للقيام بالأعمال و الأفعال الخالية من الأنانية .

*باحث صدر له :
 ابن بطوطة في الهند والمالديف
 الـــــعـــالـــــم الأســـــــيــــــوي
 الإسـلام و المسلمون في الهند
 الــســــيـــنـــمـــا الهــــــنــديـة
 ابـن بطوطـة في سـلطنة دلهي
 الـــمــــنــتحر و الانــتــحــاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *