وجهة نظر

جيل Z212: من الحراك الاجتماعي إلى المشاركة السياسية

رئيسة منظمة النساء الحركيات، خديجة الكور

شهدت عدة مدن مغربية احتجاجات اجتماعية نظمها جيل Z212، مطالبا بالحق في الشغل والصحة والتعليم الجيد و العدالة الاجتماعية و الكرامة. وقد أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في عدد كبير من خطبه على وجوب حماية حقوق للشباب وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في التنمية الوطنية وصنع القرار.

كما تضمن دستور 2011 عدة مقتضيات تلزم الدولة بضمان حقوق الشباب بشكل شامل، بما في ذلك الحق في التعليم والتكوين، الحق في العمل، الحق في الصحة، الحق في الكرامة، الحق في المشاركة الفعالة في الحياة العامة، والحق في العدالة الاجتماعية ونص على احداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي كآلية دستورية لتسهيل التعبير عن آراء الشباب ومشاركتهم في صياغة السياسات العمومية واتخاذ القرارات التي تمس مستقبلهم.

وعلى الرغم من الإرادة الملكية السامية و المقتضيات الدستورية التي تكفل حقوق الشباب، تظل السياسات العمومية الموجهة إليهم ضعيفة ومجزأة وغير قادرة على الاستجابة لانتظاراتهم .

وتعرف وضعية الشباب في المغرب واقعا مزريا يعكس إخفاق السياسات العمومية الموجهة إليهم فحسب تقارير المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لعام 2024، يبلغ عدد الشباب حوالي 8 ملايين شخص، من بينهم 4 ملايين شاب لا يدرسون ولا يعملون ولا يتلقون أي تكوين (NEET). كما بلغ عدد الشباب العاطل عن العمل 1,64 مليون شاب مع معدل بطالة 13,3٪، منها 48,4٪ في المناطق الحضرية. أما في المجال التعليمي، فإن نحو 750 ألف شاب يعانون من الهدر المدرسي. وتشير الدراسات إلى أن 15٪ من الشباب الحضريين يستهلكون المخدرات. كما يشارك أكثر من 120 ألف شاب في افعال إجرامية أو يقبعون في السجون و تحاول كل سنة نحو 200 ألف شاب الهجرة، غالباً بطريقة غير قانونية، نحو أوروبا.
ان الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدها المغرب مؤخراً ليست حراكا عابرا للشباب، بل هي صرخة جيل يحمل رؤيته الخاصة للعالم، له منظومة قيم جديدة و يعبر عن مواقفه في الفضاء الرقمي ويقارن وضعيته بشباب العالم و يتوفر على المعلومة حول كل شيء عبر الذكاء الاصطناعي.

نحن أمام جيل رسخنا في ذاكرته أن السياسة ترمز إلى كل ماهو قذر و أن كل السياسيين فاسدين من خلال الترويج للفضائح السياسية المرتبطة بهدر المال العام و تضارب المصالح و استعمال النفود و الزبونية و الرشوة مما رسخ أزمة ثقة عميقة في الأحزاب السياسية حيث لا يتجاوز معدل انخراطهم في الأحزاب نسبة1,6% و لا تتعدى نسبة مشاركتهم في الانتخابات 24,3.

و لا بد لمواجهة التحديات الكبرى التي يعيشها الشباب المغربي و التجاوب بجدية وفعالية مع مطالبه من اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتكاملة والمستعجلة على مستوى التشغيل والتعليم والصحة والحياة السياسية والمشاركة المدنية.

– الاسراع باخراج المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي الى حيز الوجود

– – بلورة سياسة وطنية مندمجة للشباب

– اعتماد توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، خصوصا ما يتعلق بالشباب غير المتمدرس وغير المندمج في سوق الشغل، من خلال إرساء برامج مخصصة للتكوين، المتابعة، الإدماج المهني، وتكامل الجهود بين مختلف المتدخلين، بما يسمح بإعطاء جيل جديد من الشباب فرصة استعادة الثقة والأمل في المستقبل.

– فتح آفاق جديدة أمام الشباب عبر الاستثمار في القطاعات الواعدة مثل الاقتصاد الرقمي، الطاقات المتجددة، الفلاحة العصرية، السياحة، الرياضة، الثقافة، النقل، والتجارة الإلكترونية.
– تعزيز ولوج الشباب إلى برامج التكوين المهني والتقني وربطها بسوق الشغل، مع اعتماد آليات ناجعة لدعم المقاولات الناشئة وتبسيط مساطر التمويل والإجراءات الإدارية، حتى يتمكنوا من الإبداع والابتكار في بيئة مهيأة وواعدة.

– فيما يخص الشباب في العالم القروي، ا قرار سياسات خاصة تركز على تشجيع المقاولات الزراعية الحديثة والمستدامة، وفتح آفاق للاستثمار والابتكار في الفلاحة، وربطهم بسوق الشغل مع تعزيز البنية التحتية من طرق وكهرباء واتصال بالإنترنت لضمان ولوجهم إلى المعرفة والأسواق. كما يجب إتاحة فضاءات ثقافية ورياضية وتنمية المبادرات الجمعوية المحلية، بما يعزز روح الانتماء ويحول طاقاتهم إلى مشاريع ملموسة تسهم في تنمية قراهم ورفعة الوطن.

– استثمار فرصة تنظيم كأس العالم وكأس إفريقيا للأمم لخلق آلاف مناصب الشغل المرتبطة بالرياضة، اللوجستيك، والتنظيم.

– رفع جودة المنظومة التربوية وضمان تكافؤ الفرص من خلال تحسين المناهج، إدماج اللغات والمهارات الرقمية، وتوسيع عرض التكوين المهني، مع ربط المدرسة بسوق الشغل وبالمجتمع عبر برامج حديثة وملائمة.

– ضمان تغطية صحية ملائمة للشباب و توسيع الولوج إلى خدمات العلاج والوقاية، وإطلاق برامج خاصة بالصحة النفسية للشباب وتخصيص آليات دعم مباشرة للشباب العاطل عن العمل، على غرار أنظمة التعويض عن البطالة أو برامج الإدماج الاجتماعي. وبالنسبة للحياة السياسية، فإن تجديد الثقة يمر عبر تحديث الأحزاب السياسية من خلال تجديد خطابها، تقوية هياكلها الموازية، خاصة منظمات الشباب والنساء، والانفتاح على الوسائط الرقمية للتفاعل المباشر مع الجيل الجديد. وإلى جانب ذلك، فإن مأسسة مدونات أخلاقية وآليات صارمة للشفافية والنزاهة من شأنها أن تساهم في مأسسة تخليق الحياة العامة وإعادة الثقة المفقودة في المؤسسات السياسية والتمثيلية.

وفي الوقت نفسه، على هؤلاء الشباب الذين عبّروا عن احتجاجاتهم ومطالبهم أن ينتقلوا من مرحلة الاحتجاج إلى مرحلة الفعل السياسي الفعّال. يجب عليهم أن يجدوا آليات لتنظيم أنفسهم، سواء عبر الانخراط في الجمعيات، أو المساهمة في الأحزاب السياسية، أو المشاركة في المبادرات المجتمعية، بحيث تتحول طاقاتهم وتطلعاتهم إلى مشاريع ملموسة تساهم في تطوير البلاد. إن الانتقال من الاحتجاج إلى الفعل يعكس نضج الجيل، ويضمن أن صوتهم لن يقتصر على الشارع فقط، بل سيكون فاعلا في صياغة السياسات وصنع القرار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *