منوعات، وجهة نظر

هل العلاقات المغربية السعودية في أزمة!

الحسبان السياسي الصحيح يشبه- إلى حد كبير- الحسبان الرياضي؛ لأنه يتطلب جمع المكونات السياسية، ومعالجتها -مجتمعة-كمعادلة أو مصفوفة رياضية بأوزان متباينة، في ضوء إضافتها المباشرة وغير المباشرة للمخرج النهائي، وبدون هذه الدقة والصرامةففي لحظة رمادية ربما تفتقدالقدرة على تقدير أهمية بعض الأمور التي تبدو صغيرة، ولكن إضافتها أو فاقدها كبير، وربما أكبر ممايمكن احتماله. السياسية المغربية تطبق مصفوفتها باحترافية عالية؛ مما أكسبها -مع مرور الزمن- احتراماً دولياً قوياً.

السياسة هي فن إدراك المكونات السياسية المهمة، ثم طرح الأسئلة الصعبة حولها؛ للوصول إلى إجابات ومواقف متماسكة وراسخة تسمح باتخاذ قرارات صحيحة، وبناء على هذا المبدأ نسأل: هل العلاقات السعودية المغربية في أزمة؟ وحتى نصل إلى إجابة صحيحة لا بد من تحديد تفاصيل العلاقات السياسة والاقتصادية والاجتماعية ومعالجتها مجتمعة.

تعود العلاقات السياسية بين الدولتين إلى أكثر من 60 عاماً، زار خلالها ملوك المملكة العربية السعودية المغرب ابتداء من زيارة قام بها الملك سعود رحمه الله في عام 1957م، ومنذ ذلك الحين والعلاقة تتطور تطوراً راسخاً ومتوازناً على مستوى البلدين وعلى المستوى العربي والإسلامي والدولي، فعندما استضافت السعودية قمة المؤتمر الإسلامي في عام 1975م، أسندت رئاسة لجنة القدس للمغرب، واستمرت رئاستها إلى يومنا هذا، وعندما تعرضت المغرب للعدوان، كانت السعودية بجانبها، ولم تستكين حتى تم بناء أكبر جدار عازل بالألغام في جنوبها الغربي، وعندما غزا العراق الكويت، كانت المغرب أول بلد يعلن رفضه الصريح لهذا العدوان في خطاب تلفزيوني للملك الحسن الثاني، وشارك بفاعلية في تحريرها، وعندما بدأت حركات الربيع العربي، دعي المغرب على عجل للانضمام إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي، وعندما لم يقبل، بادر المجلس بوضع صندوق لدعمه بـ 2.5 بليون دولار، وجعل المغرب شريكاً استراتيجياً لدول مجلس التعاون الخليجي، ودعي الملك محمد السادس لحضور قمته، وتبنى المجلس مغربية الصحراء على أنها قضية مجلس التعاون الخليجي، كما اشترك الطرفان في بناء علاقات قوية مع الدول الأفريقية، خاصة دول الصحراء وغرب وشرق أفريقيا، كما أن المغرب شريك فاعل في عاصفة الحزم التي شنتها السعودية لتحرير اليمن من الإيرانيين الممثلين بالحوثيين، الذين انقلبوا على السلطة الشرعية في اليمن، وهذا غيض من فيض سياسة متسلسلة ومتماسكة بين البلدين.

أما العلاقات الاقتصادية فتستمد قوتها ومتانتها من قوة العلاقات السياسية، ومن أبرز مظاهرها: إنشاء لجنة من الدولتين ترعى المشروعات المشتركة؛ ونتج عنها إنشاء المجلس السعودي المغربي المشترك لرجال الأعمال. 49% من صادرات المغرب لدول الخليج تذهب إلى السعودية، و79% من واردات المغرب من دول الخليج تأتي من السعودية، وذلك وفقاً لإحصاءات 2015م، وتعد السعودية الشريك السادس للمغرب تجارياً والثالث استثمارياً، ومن المشروعات الاستثمارية المشتركة بين الدولتين: مشروع “نور” لتوليد الطاقة الشمسية، وهو أكبر مشروع في العالم، ومشروع “جبل صندوق”، و 13 شركة، و 15 مشروع زراعي، ويرتبط البلدان بخط بحري مباشر. كما تم إنشاء صندوق استثماري مشترك لدعم القطاع الصناعي بقيمة 500 مليون دولار، ويعمل في السعودية 30 ألف مغربي تمثل تحويلاتهم 50% من مجموع العاملين في دول الخليج الذين يمثلون ثاني مصدر للتحويلات للمغرب بعد المهاجرين في قارة أوربا بأكملها.

أما العلاقات الاجتماعية فهي علاقات عميقة ومتجذرة تاريخياً، وأقوى من أن تنال منها الظروف العابرة وغيرها؛ ففي السعودية آلاف الأسر من أصول مغربية، وآلاف الأسر المشتركة (أحد الأبوين مغربي)، ويفد إلى السعودية 30 ألف حاج سنوياً، ويتجاوز هذا العدد من يفد لأداء العمرة على مدار العام، وفي المقابل يزور المغرب 30 ألف سائح سعودي، وبين البلدين اتفاقيات كثيرة للتبادل الثقافي والتعليمي والقضائي والإداري. العلاقات الاجتماعية بين البلدين حميمة وقوية، وذات بعد إنساني رفيع، ويرمز إلى ذلك ما حدث في بداية التسعينات حين انقلبت حاملة نفط إيرانية أمام السواحل المغربية، حيث بادرت السعودية بدفع 50 مليون دولار للتغلب على هذه الكارثة البيئية والإنسانية، وبلطف الله حركت الرياح النفط بعيداً عن السواحل، ولكن السعودية لم تسترد المبلغ لانتفاء الحاجة، وإنما اتفقت قيادة البلدين على استثماره في تأسيس جامعة في المغرب، أطلق عليها اسم: “جامعة الأخوين”.

في ضوء هذه الشواهد وغيرها نعيد طرح السؤال: هل بين (الأخوين) أزمة؟ الجواب هو أن الشواهد التاريخية مجتمعة أكدت أن علاقة البلدين علاقة حضارية، تتكئ على مرجعيات صحيحة، ومتفق عليها، وتستجيب بمرونة رائعة للتحديات الظرفية المختلفة؛ بما يجعل التباين في المواقف مقبولاً، وعابراً في مدته وتأثيره. إذن نطرح السؤال الآخر: لماذا لم تصوت السعودية لاستضافة كأس العالم في المغرب؟ والجواب هو أن تصويتها لم يكن ليجدي نفعاً للمغرب، فبين المغرب والفوز بالاستضافة مسافة بعيدة جداً، ولو كان تصويتها لصالح المغرب سيجعله يفوز بالاستضافة لصوتت له بلا تردد، وقد صوتت السعودية لصالح استضافة الدول الثلاث في أمريكا الشمالية لأن ظروف السعودية صعبة؛ فهي تقود معركة لحماية الجزء الشرقي للعالم العربي من إيران التي تسعى بصراحة وبلا هودة للاستيلاء عليه، فالسعودية تعمل على تحرير اليمن من براثنهم، وتقود السعودية معركة أخرى في سوريا، وتعاني من تحديات صعبة في الأردن، وأصعب منها في العراق، وأصعب من ذلك كله مع معاناة الفلسطينيين؛ ونتيجة لذلك هي في حاجة إلى مساعدة ودعم حليفها الأمريكي، والتصويت على استضافة كأس العالم هو فرصة “علاقات عامة هامشية” ربما تفيد السعودية، وهي بالتأكيد لا تضر المغرب الشقيق، وأعرف جيداً أن المملكة المغربية حكومة وشعباً لا ترضى أن تخسر السعودية فرصة العلاقات العامة هذه بلا مقابل،وأعرف جيداً أنه لو كان تصويت السعودية لصالح المغرب سيجعلها تفوز بالاستضافة لصوتت لها بلا تردد. السعودية صوتت باستقلالية وواقعية إيماناً بأن مصفوفة المغرب الدقيقة ستقرأ حقيقة المواقف السعودي بدقة، ولن تنتج مصفوفتها –كما عودتنا- إلا حسابات ومواقف مغربية صحيحة؛ فالمغرب كان سباقاً في دعم “كل قضايا الأمة العربية”، والمغرب حمى ويحمي الحدود العربية الغربية طوال تاريخه، والسعودية كذلك حمت وتحمي الحدود العربية الشرقية، ومن لا شرق له لا غرب له، والعكس صحيح؛ إذن لماذا هذه التصريحات من الطرفين؟ وأجيب على السؤال بسؤال ومن مصدر هذه التصريحات؟ وهل يجوز أن تؤخذ المواقف السياسية للحكومة السعودية أو الحكومة المغربية من غير المؤسسة الملكية أو وزير الخارجية في البلدين؟ العرف السياسي الدولي يقول إن هذين هما المصدران الرسميان المعبران عن المواقف السياسية؛ وبناءً على ذلك كل ما نسمعه أو سنسمعه من سواهما يعد ضجيجاً بلا جدوى، سواء كان مصدره رياضياً رسمياً، أو ممن يرغب في أن يعبث بعلاقات البلدين العصية على عبثه. وقد حدث مثل هذا الضجيج عندما نشأت المشكلة الخليجية الحالية، وأرسل المغرب طارئرة مساعدات لقطر، وفهم البعض هذا الموقف على أنه قبول لفرضية الحصار ورفض لفرضية المقاطعة في خضم جدل سياسي وقانوني محتدم، كما أخذ هذا على أنه موقف وخطاب سياسي وإعلامي غير متسق مع الحياد المغربي المتوازن، إلا أن القيادة السياسية للمملكة العربية السعودية التزمت بالتفسير السياسي الصادر عن القيادة السياسية المغربية القائم على الحياد، ولم تلتفت أبداً للتحليلات والتأويلات والتصريحات الأخرى.

لهذا، بل لبعض هذا نقول إن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والمغرب قوية وعصية على كل الظروف العابرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *