وجهة نظر

“محنة التاريخ “في الإعلام العمومي

في لحظة منفلثة من هذا الزمن الرديء، لا أعرف كيف وجدت نفسي هذه الليلة وسط كومة من الجرائد القديمة لعلني أعثر على ما يشفي غليلي، فاستقرت عيناي على عدد قديم من جريدة “الحياة الجديدة”، فأثارني الحوار الذي أجرته هذه الأخيرة مع المخرج شفيق السحيمي صاحب رائعة “وجع التراب”.

 

لكن حز في نفسي مصير هذا الفنان، المرتبط بقضايا شعبه وتاريخه وحضارته، الذي قال مقولته الشهيرة:” سأنظم مسيرة من البيضاء إلى الرباط مشيا على الأقدام لأقول لا لبصرنة التلفزيون المغربي….” ، تأملت في صمت كل ما صرح به هذا الفنان المحبوب المتشبث بمغربتيه حتى النخاع، و بقدر ما اقتنعت بكلامه بقدر ما تأثرت كثيرا لحالة الدراما المغربية التي وصلت إلى الحضيض، لم أقف عند محنة فيلم ” شوك السدرة” قبل عرضه ذات رمضان فائت بعد نضال طويل …الأمر يتجاوز ذلك بكثير …

السؤال الذي خطر على بالي، لماذا هذا التجاهل من طرف الإعلام العمومي خاصة القنوات التلفزية الرسمية لكل ماله علاقة بتاريخنا العتيد؟ نحن شعب له تاريخ مشرف رغم الكثير من البياضات والفراغات، ما أحوجنا نحن جيل ما بعد الاستقلال إلى معرفة هذه الصفحات المشرقة …جيل الضمأ لتاريخه في إعلام يمول من دافع الضرائب، أليست الصورة أحسن وسيلة لكي نلقن الشباب الدروس والعبر من ماض مجيد؟، أليس التاريخ محفزا للأجيال في وقت تأتينا الضربات من الأصدقاء قبل الأعداء؟ ألسنا الأمة التي كانت تمتد من الأندلس شمالا إلى ما وراء نهر السينغال جنوبا؟ لماذا هذا الإجحاف في حق أعلامنا وشخصياتنا؟

هل معركة وادي المخازن؟ هل معركة الزلاقة؟ هل المسيرة الخضراء؟ ملحمة موحى وحمو الزياني وبطولات عبد الكريم الخطابي؟ لا تستحق أن تكون أعمال درامية عملاقة تشحذ الهمم وتقوي العزائم، عوض أفلام تركية ومكسيكية مدبلجة ركيكة فاقدة للمعنى، هل تعوزنا النصوص أم الإمكانيات المادية؟ أم نخاف من ترك مساحات للحرية؟ هل يزعجنا الصوت المخالف والفكر المخالف ونكتفي بترديد التاريخ الرسمي الذي فيه الكثير من الزيف وتزوير الحقائق ؟ ألسنا الدولة التي تصرف الملايير على برامج تافهة سطحية تميع الذوق وتنشر الجهل تحت بدعة تسمى برامج الواقع، وإن كان بينها وبين الواقع سنوات ضوئية عديدة؟.

نتساءل بحسرة كبيرة :لماذا نشجع الأعمال التافهة ونحارب الأعمال الجيدة؟ أليس لنا الحق في تلفزة مغربية تليق بتاريخنا وحضارتنا وتنوعنا واختلافاتنا الحضارية والإثنية والثقافية؟ لماذا الخوف من نور الكاميرا؟ لماذا الخوف من تاريخ العامة والتطبيل للتاريخ الرسمي حد التخمة؟ لماذا نحن في علاقة ملتبسة مع ثراثنا الغني بتنوعه؟.

أعتقد حان الوقت للإلتفاف إلى هذا الموضوع،  ظني الوطنية ليست مجرد أعياد للذكرى، ولا رايات ترفرف فوق المؤسسات، ولا أناشيد يصدح بها التلاميذ في الساحات في الصباحات الباردة، الوطنية تاريخ يجب أن يحترم ويلقن للأجيال القادمة، بكل زواياه المعتمة والمضيئة، لأن الأمة التي لا تهتم بتاريخها تموت، فهل من آذان صاغية؟ لكن أعلم أن صمت القبور، هو رد فعل مسؤولينا في وطننا العزيز!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *