وجهة نظر

دستور 2011 بأي حال عدت ..

((ينبغي أن يكون الدستور قصيراً ومبهماً)) نابليون بونابرت

مر فاتح يوليوز، وكأن شيء لم يكن، يبدو أننا لم نعد نريد أن نتذكر الأشياء الجميلة في بلدنا.

أيها السادة: فاتح يوليوز 2011 هو تاريخ تصويت الشعب المغربي على الدستور، كنت أتمنى أن نعقد ندوات ولقاءات لنقيم فيها سبع سنوات من إعمال هذا الدستور، لنضع أصبعنا على عناصر التجديد فيه، وعلى مواقع التوتر الفكري، لعلنا نرفع من مستوى حركيتنا السياسية، لكن يتضح أن لا أحد تذكره، ولا أحد تحدث عنه، كأننا نريد أن ننساه و نتناساه، أو كأننا نشعر بغيض اتجاهه.

في الحقيقة إن الدستور كيفما كان موقفنا منه، سواء برغبة البعض في تحجيمه، أو تمديد دلالاته إلى درجة الوهم من طرف البعض الآخر، فإنه يبقى وثيقة تحلقنا حولها، وقررنا أن نبني على أساسها المستقبل، نعم تارة اختلفنا في دلالته، واتفقنا في معانيه تارة أخرى، ولكننا تحلقنا حوله سواء بخلافاتنا عليه، أو حتى بقبوله ، المهم كان وثيقة جامعة للحوار الوطني.

حينما صوت الشعب المغربي على دستور 2011، بنى الكثيرون آمالا عريضة حوله، بل في الحقيقة جميعنا ظلت تشدنا ومضات حقوقية إليه، ورغم اختلاف فهم كل واحد للدستور، إلا أن هذه الوثيقة ظلت الأمل في الرفع من أداء المؤسسات والسلط، لينتهي بنا السؤال بعد سبع سنوات من التصويت على هذا الدستور بدلالاته الجميلة، وبعد سبع سنوات من التطبيق والممارسة والتفعيل، هل هذا هو الدستور الذي صوتنا عليه؟ أم أن هناك دستور آخر يكرسه الواقع وتهدده التراجعات في الحقيقة هو الدستور الذي أمسينا نبتلى به؟.

وكيفما كان الحال فالدستور ما يزال يثير فينا مشاعر مختلفة، لكونه نظامنا السياسي ووثيقتنا الأسمى، يدافع عنه البعض من خلال منطق التحفظ، والبعض ينازعه بدعوى التأويل الديمقراطي للنص، والبعض الآخر يلوي عنقه لخدمة حدث أو ظرفية أو موجة سياسية معينة، غير أنه حينما تهدأ الأمور ونصبح في لحظة المسؤولية، علينا أن نتعامل مع النص كما هو، لا كما نريده أن يكون، أو حتى لا يكون. فهل إغفال تذكر تاريخ ميلاده يعد دفنا لهذه الوثيقة وللآمال التي جاءت بها؟.

في الحقيقة لا يجوز لنا مطلقا أن ندير ظهرنا لهذه الوثيقة، لأنها تعاقد سياسي ينظم علاقات المؤسسات والأفراد، ولأنها أسمى قانون فهي ليست بالمزحة ولا بالنزعة الفكرية أو حتى الترف الفكري. فحينما نرفع شعار التشبث بالقانون وحتى تطبيقه، لا يجب أن نخرج من هذا القانون نص الدستور، فهو أم القوانين الوطنية، وضابط العملية السياسية، بشكلها العمودي والأفقي، ولا أحد يملك شرعية تفسيره بشكل ذاتي، كلنا نبدي برأينا وفهمنا له، ومهما اختلفنا في تأويله، تبقى الحركية السياسية وتطور العملية الديمقراطية هي من تمنح الدلالة السياسية لنص الدستور.

إن الدستور هو المجال الوحيد المشاع بعد الوطن، فالمغاربة جميعهم فيه بدون استثناء، يملكونه روحه على الشياع، قد يكون عدم احتفالنا بذكرى فاتح يوليوز 2011 هو تعبير عن خجل يسكن في ذواتنا، أو لأننا فشلنا في الدفاع عنه، أو حتى ربما لم نستطع أن نقوم بإعماله كما ينبغي، غير أنه في نهاية المطاف تبقى هذه الوثيقة التزام هذا الجيل بكامله، وإذا قدر الله و فشل هذا الجيل في احترام وتفعيل مضمون الدستور، فماذا سنقول للذي يأتي بعدنا، أكيد سيحاكموننا بقسوة لا تقل عن قسوة اختلاف الدستور المكتوب مع واقعنا السياسي المعيشي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *