مجتمع

الاستئناف يؤيد سجن ناشط عاما نافذا بسبب دعوته لـ”جمهورية درعة”

أيدت محكمة الاستئناف بالرشيدية، أمس الإثنين، الحكم الابتدائي القاضي بإدانة ناشط فيسبوكي دعا لتنظيم استفتاء بجهة درعة تافيلالت من أجل الاستقلال ضمن جمهورية، وذلك بالسجن سنة نافذة وغرامة مالية، فيما وصفت عائلته الحكم بـ”الجائر” معلنة “فقدان الأمل في القضاء المغربي”.

وبذلك تكون محكمة الاستئناف قد أيدت قرار المحكمة الابتدائية بالرشيدية بإدانة الناشط عبد الحي النجاري، بسنة حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة تقدر بمليوني سنتيم، وذلك بتهمة “التحريض ضد الوحدة الترابية للمملكة بواسطة الوسائل الإلكترونية”، في حين أوضح المتهم أنه لم تكن له أي نية للانفصال.

“حكم قاسي”

لالة حسناء المدني، زوجة الناشط عبد الحي النجاري، اعتبرت أن زوجها تعرض “للظلم والخذلان”، موضحة أنه كتب تلك التدوينة تحت ضغط المعاناة والأزمة النفسية التي كان يمر بها أثناء اعتقاله بدولة الإمارات، مشيرة إلى أن استئناف الأسرة للحكم كان بهدف إعادة النظر في الملف ودراسته من جديد، “لأن التهمة المتابع بها غير موجودة بتاتا في التدوينة المنشورة ولا في الفكرة المطروحة”.

وقالت في تصريح لجريدة “العمق”: “تقدمنا بالاستئناف في الملف لأن الحكم الابتدائي كان جائرا في حق زوجي، فهو لم يرتكب أي جريمة ليعاقب عليها بذاك الحكم القاسي، وزوجي عبر عن فكرة في عالم افتراضي وتحت ظروف اجتماعية قاسية كان يمر منها، كما أنه وفي التعبير عن فكرته لم يجبر ولم يضغط على أي أحد لتبني فكرته أو المصادقة عليها”.

وتابعت بالقول: “فعل التحريض، وهي التهمة المتابع بها، غير موجود إطلاقا، فهو لم يحرض أحدا ولم يجبر أحدا ولم يقم بحلقيات ولا تجمعات. فكيف يكون الفعل تحريضا والركن المادي في التهمة منعدم تماما؟”، داعية إلى إعادة النظر في الأحكام التي تصدر في حق الشباب بتهم افتراضية وفي أمور صادق عليها الدستور، وفق تعبيرها.

وأضاف أنها كانت متفائلة وتنتظر إلغاء الحكم الابتدائي وبراءة زوجها من المنسوب إليه، خصوصا أن محامية النجاري أشارت في المرافعة إلى مجموعة من الخروقات التي شابت الحكم، وأوردت مجموعة من النصوص بالقانون الجنائي الذي ينص على حرية التعبير وحرية تقرير المصير، على حد قولها.

وتساءلت قائلة: “كيف يتابع زوجي بشيء صادق عليه الدستور وسطرته مجموعة من النصوص القانونية؟ بهذا التناقض فقدتُ الأمل في القضاء المغربي وتيقنت بأن الكل مأمور وأنهم يحكمون وينطقون بلسان الغير، والدليل أنه قضى بتأييد الحكم ولم يعطي لنفسه شرف الاطلاع على حيثيات القضية والدفوعات المثارة”، على حد وصفها.

“دعوة للانفصال”

وكانت جريدة “العمق” قد اطلعت على نسخة من منطوق الحكم الابتدائي الذي أيدته المحكمة الاستئنافية، حيث تشير المعلومات إلى أن النجاري الذي كان يعمل حارس أمن خاص بدولة الإمارات، نشر على صفحته بموقع فيسبوك بتاريخ 30 يوليوز 2017، تدوينة دعا من خلالها أصدقاءه إلى التوقيع على عريضة إلكترونية دولية بموقع “أفاز” العالمي للعرائض، موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة باستفتاء تقرير المصير بجهة درعة تافيلالت.

الناشط المذكور الذي عنون تدوينته بالقول: “جمهورية درعة تافيلالت”، برر دعوته لتقرير المصير بكون جهة درعة “أفقر جهة بالمغرب” وسكانها يعانون “الفقر والتهميش”، حيث ينص الاستفتاء على الاختيار بين “البقاء تحت حكم الرباط أو الاستقلال السياسي والاقتصادي لجمهورية درعة تافيلالت”، بينما أرفق التدوينة بخريطة وعلم الجمهورية المزعومة، مع رابط العريضة على الموقع المذكور.

المحكمة أوضحت أن النجاري اعترف بنشر التدوينة “بغية إيصالها لأكبر عدد من المغاربة لجمع توقيعات الأشخاص المساندين للفكرة، وذلك بهدف توجيهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بعدما بلغ إلى علمه أن العرائض التي تحصل على عدد كبير من التوقيعات يتم فعلا توجيهها إلى الأمين المذكور من طرف مسير موقع أفاز”.

غير أن الناشط كشف للشرطة القضائية بعد اعتقاله، أن ما قام به كان تحت تأثير الغربة والطرد من العمل الذي تعرض له في الإمارات، مضيفا أنه يعاني مرضا نفسيا بسبب الأدوية التي كان يتناولها بالقوة في مستشفى الأمراض العقلية الإماراتي، ولا يعاني أي خلل عقلي، حيث التمس دفاعه تبرئته، واحتياطيا تمتيعه بظروف التخفيف، بينما دعت النيابة العامة إلى إدانته طبقا للفقرة الثانية من الفصل 5-267 من القانون الجنائي.

المحكمة أوضحت أنها أصدرت حكمها بعد “تمتيع المتهم بظروف التخفيف نظرا لظروفه الاجتماعية ولكون الجزاء المقرر لهذه الجريمة قاس بالنظر لخطورة الفعل ودرجة إجرام المتهم”، وفق منطوق الحكم.

“تنكر له الجميع”

وكان لقمان النجاري، شقيق الناشط عبد الحي النجاري، قد اعتبر في تصريح سابق لجريدة “العمق”، أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الابتدائية بالرشيدية في حق شقيقه، “جائرة وظالم”، مشيرا إلى أن أخاه كان يعاني من “الحكرة” والظلم في دولة الإمارات بعد توقيفه عن العمل وتجميد راتبه ثم اعتقاله بعد ذلك، دون تدخل السلطات المغربية لمساندته.

وأوضح لقمان أن شقيقه نشر تلك التدوينة من أجل لفت أنظار الدولة إلى معاناته بالإمارات، في ظل التجاهل التام لملفه، مشددا على أنه لم يكتب تلك التدوينة اقتناها، بل كتبها من أجل توجيه رسالة إلى الدولة للتدخل لحل مشكلته بالإمارات، خاصة وأنه كان محروما من رؤية أهله لعامين، ولم يحضر جنازة والدته.

وتابع قوله: “مسألة عبد الحي تبقى كلها افتراضية لأن الملف بُني على تدوينة فيسبوكية، وأنا أعرف نشطاء كانوا معنا بالحي الجامعي يعلنون علانية أنهم مع الانفصال، ولا أحد اعتقلهم، كما أن الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر تجول المغرب دون أن تُعتقل رغم دعمها لجبهة البوليساريو”، معتبرا أن اعتقال شقيقه هي رسالة مفادها “خليونا نربيواه”، وفق تعبيره.

وكانت السلطات الإماراتية قد قامت منذ مطلع شهر يناير الماضي، بإيداع عبد الحي النجاري مصحة نفسية، وذلك بسبب نشر الأخير مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يشكو من خلالها حالته المزرية التي يعيشها بدولة الإمارات منذ أن التحق للعمل فيها منذ 2016 كحارس أمن، بعدما تخلى عن مهنته كأستاذ للتعليم الابتدائي بإحدى القرى النائبة بالمغرب.

واتهمت أسرة عبد الحي السلطات الإماراتية بمعاملته في المصحة النفسية بـ”طريقة لاإنسانية ماسة بكرامة الإنسان، حيث يجبر جبرا على تناول الأدوية التي يكون لها انعكاسا على صحته”، موضحة أن سبب احتجاج عبد الحي النجاري على أوضاعه بالإمارات يعود إلى خلف مشغّله لكل وعوده التي أعطاها له قبل التحاقه، وخاصة فيما يتعلق بالأجر وساعات العمل.

“معاناة” الإمارات

وأوضح شقيقه لقمان، أن عبد الحي توجه لدولة الإمارات بواسطة عقد عمل تم توقيعه في المغرب ويتضمن العمل لمدة 8 ساعات يوميا بالإضافة إلى أجر محدد وسكن لائق، غير أن الضحية تفاجأ عند وصوله للإمارات بأنه ملزم بالعمل لـ 12 ساعة دون انقطاع، وتعويض شهري أقل مما وقع عليه بالمغرب.

كما تفاجأ النجاري، وفق شقيقه، بتوطينه في مسكن يُمسى (icad) وهو عبارة عن مجمع سكني يقطن فيه العمال، حيث ينام في الغرفة الواحدة 10 أشخاص، ومما يزيد الأمر سوءً هو وجود الحشرات والصراصير والبق والروائح العفنة والطعام الفاسد بالمسكن، بالإضافة إلى عدة مشاكل أخرى في العمل، الذي هو عبارة عن حارس أمن.

وأبرز المصدر ذاته، أنه بعد التحايل الذي تعرض له شقيقه، قام بتسجيل فيديو عن الظلم الذي يتعرض له حراس الأمن الخاص في الإمارات، فقام الكفيل بدولة الامارات وهو شركة “سبارك للخدمات الأمنية” بتوقيفه عن العمل بتهمة التشهير وتوقيف راتبه كليا منذ 17 شهرا ولم يتركوا له حتى ما يأكله، وفق تعبيره.

وأوضح المصدر ذاته أن عبد الحي ظل يعيش فقط على مساعدات بعض المحسنين والديون التي اقترضها من عندهم، مشيرا إلى أن شقيقه عليه ديون تفوق 18 مليون سنتيم، مضيفا أن الضحية قام برفع دعوى قضائية ضد الشركة بالإمارات، غير أن الشركة رفضت الحضور للمحكمة، مما جعل ملفه يتأجل كل حين.

وأكد أن “جواز سفره كان محجوز لدى لدى الشرطة وبالتالي كان ممنوع قانونيا من السفر، والشركة رفضت ضمانه لاستخراج الجواز لتجديد بطاقة هويته، مع منعه كليا من مزاولة عمل آخر يسترزق به كي لا يسرق ما يأكل”، مضيفا أن والدته وجهت قبل وفاتها نداء إلى رئيس دولة الإمارات غير أن نداءها لم يتفاعل معه أحد، قبل أن تقرر السلطات الإماراتية السماح له بالعودة إلى وطنه الشهر الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *