وجهة نظر

خزانات سيدي بوعثمان المائية: ثراث تاريخي منسي

الحلقة الأولى: السياق التاريخي لبناء خزانات سيدي بوعثمان

في الوقت الذي اصبح فيه الثراث المادي واللامادي يشكل مدخلا من مداخل التنمية المحلية من جهة والوطنية من جهة أخرى، وذلك من خلال تثمينه واعادة احيائه وبث روح الحياة فيه من جديد. تعيش خزانات سيدي بوعثمان التاريخية باقليم الرحامنة مرحلة الاحتضار “مثل كائن أصبح يفضل الموت على سكراته” نظرا للتهميش الذي طاله ويطاوله.

ان تهميش الثراث المادي واللامادي هو نكران للتاريخ، وتنكر للمجهودات الانسانية المغاربية واغتيال للهوية المجالية. فخزانات سيدي بوعثمان هي جزء من التاريخ، من الماضي المغاربي و شهادة تشهد للحاضر عن الغائب، كما تشكل رمزا من رموز الهوية المجالية لتراب الرحامنة. وذلك لا يمكن إستكشافه إلا من خلال فهم السياق التاريخي الذي شيدت فيه وكذا الهندسة المعمارية التي تأسس عليها والأدوار الطلائعية التي كانت تقوم بها هذه الخزانات.

1 – السياق التاريخي لبناء خزانات سيدي بوعثمان.

يعد المركب المائي المعروف بخزانات سيدي بوعثمان من بين المآثر التاريخية المعمارية العظيمة التي ميزت الحضارة الموحدية . وذلك لما يتميز به هذا المركب من هندسة معمارية متناسقة وصلابة في البناء الذي لا زال يقاوم الزمن لأكثر من 800 سنة..

يرجع تاريخ بناء المركب المائي المعروف بخزانات سيدي بوعثمان الى مرحلة حكم دولة الموحدين، خاصة فترة حكم الخليفة يعقوب المنصور الموحدي(580ه/595ه).الذي تعتبر فترة حكمه من أزهى الفترات التاريخية في عمر الدولة الموحدية، لما عرفته دولتهم آنذاك من أمن واستقرار .

لكن وفي غياب تاريخ محدد يؤرخ لهذه المعلمة التاريخية نجد بعض الاشارات في المصادر التارخية التي تقربنا من تاريخ الانجاز. اذ جاء عند المؤرخ ابن ابي زرع في كتابه الانيس المطرب قوله عن الخليفة يعقوب المنصور الموحدي” وكان ذا رأي وعزم ..وبنى الصوامع والقناطر وجباب الماء واتخد عليها المنازل” .

والمقصود بالمنازل هنا هي النزايل (النزالة)، إذ شكلت منطقة سيدي بوعثمان خلال العصر الوسيط الاسلامي نقطة عبور رئيسية في التحركات العسكرية والسلطانية والتجارية… للدور الذي كانت تلعبه هذه المنقطة في الربط بين جنوب وشمال البلاد، وبين العاصمة مراكش وأحوازها. وبتالي فموقعها الاستراتجي جعل منها نزالة من منازل السلطان والتجار التي يجب أن ترعى بإهتمام هام حتى تأمين المرورللعساكر والسلطان والتجار والزوار. علما أن توفر الماء بالطرقات يعد من ضروريات تأمين هذه التحركات. وبالتالي كان من بين الاغراض من وراء بناء هذه الخزانات هو تخزين المياه حتى يستفيد منها المارة .

وفي اشارة اخرى نجد المؤرخ المراكشي عباس بن ابراهيم ورد في كتابه الاعلام بمن حل بمراكش من الأعلام. قوله على أن يعقوب المنصور رحل الى الأندلس لتهدئة الأوضاع وأمر ببناء مجموعة من البناءات بمراكش. ولما عاد من موقعة الأرك التي انتصر فيها على المسيحين بالأندلس. أنفق أخماس الغنائم على كل ما بني من بناءات وكان ذلك سنة 591 هجرية الموافق ل 1196م . ويمكن ان يكون انجاز خزانات سيدي بوعثمان ضمن هذا الورش الذي امر به الخليفة قبل ذهابه الى الأندلس. ووفاته سنة 595 هجرية.

على العموم يمكن القول على أن بناء الخزانات المائية بنزالة سيدي بوعثمان تزامن مع فترة يعقوب المنصور الموحدي فترة قوة الدولة . لكن في غياب الدراسات من حقول معرفية أخرى مكملة للدراسات التاريخية القليلة .تبقى مجموعة من الفرضيات المطروحة لأننا لا نملك حقيقة مطلقة، على أن هذه الخزانات يمكن أن يكون لها امتداد تاريخي الى فترة حكم الدولة المرابطية. إذا أخدنا بمسلمة ان الطرق الرئيسة خلال العصر الوسيط لم تتغير بشكل سريع حسب الباحثين.؟ إذ لم يكن الموحدون قاموا بترميمها وفقط؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *