وجهة نظر

لا صفيح، ولا هم يحزنون.. يا صاحبي!

من بين التدويناتِ أو التغريداتِ الحديثةِ على العَم فايسْ، التي تدفعني للكتابةْ الآن، ما قرأتُه على صفحةِ الأستاذ عبد الله الشرقاوي… وهو بالمناسبة، واحدٌ من أقلامِ جريدةِ “العلم” الورقية، وواحدٌ من بين الصحافيين الجديين من الناحيةِ المهنيةِ والأخلاقية…

لعله، مثل آخرين كثيرين ومثلي أيضاً، تابعَ حلقةَ برنامج “على صفيح ساخن” على “تيفي 5” الفرنسية، فكتبَ ثم علقَ على هذا الحدث… أما أنا، فقد استوقفي في هذا كله، كلامَه التالي:

“وعرجتْ ضيفةُ برنامج القناة الفرنسية، في إطارِ تفسيرها أن بلادنا “على صفيحٍ ساخن”، على احتجاجاتِ ساكنةِ جرادة وعطشى زاكورة الذين لم يحاكمْ المسؤولون عن عطشهم، ليتم المرور بفاجعة 15 امرأة بمنطقةٍ هي بالعلامةِ بضواحي الصويرة… وهي واقعة تلخصُ كل شيء، لأنها تدخل في بابِ توضيح الواضحات من المُفضحات…”.

لا شك أن خصرَ المغربِ الأكثرَ هشاشة، يوجدُ في جنوبه لا في شماله… وذلك على الأقل بالنسبةِ لفرنسا أو اللوبي الصهيوني الذي يتحكم في مفاصلِ إعلامها وقرارها، وهي تشيخُ على إيقاعِ القارةِ العجوز، الذي باتَ لحناً حزيناً عاماً، يردده أصلاءُ فرنسا من بقايا الثورة الفرنسية أو الدوغوليين، تحسراً على ما يجري لفرنسا فلسفة الأنوار…

إن التركيز على الخصرِ الجنوبي للمغرب من لدن فرنسا وإعلام فرنسا، ليس أمراً جديداً أبداً… إنه يندرج ضمن تراب نفوذها ومجالها الحيوي القديم… أما حراك الريف أو احتجاج الحسيمة، فقد حصل في شمال المغرب… وهذا المجال يندرج ضمن تراب نفوذ إسبانيا والإنجليز والألمان اتباعاً…

إنني أتحدثُ هنا عن النفوذِ الاستعماري المستمر، تحت عنوان “المغرب النافع” مقابل “المغرب غير النافع”… علماً أن مشروعَالهيمنةِ والإخضاعِ الصهيو أمريكي ينشطُ هنا وهناك، في سياقِ التحكمِ وتوزيع الأدوارِ والغنائم على ضوءِ ميزانِ القوى والنفوذ،القائمِ والمتغيرِ في آنٍ واحد…

ومما لا شك فيه أن بلداً مثل المغرب يعتبرُ أعز ما تبقى لفرنسا من نفوذها الاستعماري المباشر وغير المباشر… ولما كانتْ أفولُ فرنسا ملحوظاً ومعها أروباأيضاً، فينبغي أنْ لا ننتظرَ من المُهيمِنِ التقليدي، السابحِ في شيخوخته غير المزيدِ من التشبثِ بتركته القديمة… ذاك التشبث الذي قد لا يختلف إلا في حدته من الناحية المأساوية، عن مشهدِ “تعلق الغريق بالغريق” أو “تعلق السَيد بالعبد”… وذلك، إنْ جازَ هذا التعبير في زمننا الحالي…!

لذلك، لا عجب في أنْ تضعنا قناة “تي في 5″الفرنسية “على صفيح ساخن”…!ولا عجب أبداً، في أنْ تستدعي للبرنامجِ الوجوهَ التي تروق، وفي أنْ تبسطَ له الخرائطَ أو الأرضيةَ التي تروق أيضاً…! كما لا عجب أيضاً، في أنْ يتكفلَ الإسبانُ ومَنْ معهم بأمورِ الخصرِ الشمالي للمغرب، وبما أصبح متداولاً تحت عناوين من قبيلِ “حراك الريف” أو “معاناة الريفيين” أو ” الجمهوريين الرْوافة”…؟

إن العالمَ يمر من تحولٍ حاسمٍ بخصوصِ إعادةِ توزيعِ القوةِ والنفوذِ، على الأرضِ وفي السماء أيضاً… وهكذا تكونُ أممٌ لا بأس بها،قد تمكنتْ حتى الآن من إعادةِ بناءِ ذاتها وإطلاقِ نهضتها، وصارتْ تطمحُ وتعملُ من أجلِ فرض نفسها وكلمتها ومصالحها الحيوية… من الصين وروسيا والهند وإيران، إلى باقي بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية…

إن هذا التحولَ قد بات ملموساً. وإن ما جرى ويجري في المنطقةِ التي بوصلتها فلسطين، يؤكدُ هذا التحولَ، ويظهرُ الوجه البشعَ لإسرائيل وأمريكا والغرب الاستعماري والرجعيات الخليجية وغيرها…

ولا شك أن بلداً كالمغرب، ليس أمامه سوى أنْ ينكب بجديةٍ على معالجةِ ما يزعجه، وما يقض مضجعه… وما يزعجُ ويقض مضجعَ المغرب والمغاربة على حد سواء هو؛ استكمال مهام التحرير (الصحراء وسبتة ومليلية والجزر)، وإنجاز مهام التحرر عبر التوزيعِ العادلِ للثروة ولفوائضِ القيمة (العدالة الاجتماعية)، عبر التوزيعِ التنموي العقلاني والمنصفِ للمجال (العدالة المجالية)، عبر التوزيعِ الديموقراطي والمتوازنِ للسلطةِ ولمنابعِ القرار (العدالة السياسية)، وعبر التوزيعِ المتكافئ للمعرفةِ وتكنولوجيات الإنتاجِ والابتكارِ والاندماج (العدالة المعرفية)…

هذه هي ثنائياتُ المغربِ الأربعِالجليةِ والموثوقِ في صحتها، … أما باقي الثنائياتِ الأخرى المندرجةِ ضمن ما أصبحَ معروفاً بحروب أو نزاعاتِ الهويات، من قبيلِ اللسانِ والجنس والعمر والعقيدة، فلا شك أن علاجها يوجد ضمن جدليةِ التحريرِ والتحررِ أعلاه، وفي الحقلِ الثقافي تحديداً…

كم أتمنى، لو يرفع المغرب شعار “النأي بالنفس” في علاقاته الخارجية، إلا في ما تعلق بقضيةِ فلسطين؟ وذلك بالتزامن مع انكبابه الجدي على طرحِ ملف استكمالِ التحريرِ ومعالجةِ هذه الثنائياتِ الأربع… إنني أحلم…!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *