مجتمع

حاج يروي للعمق مشاهد “رهيبة” من معاناة الحجاج المغاربة.. وهيئة تدعو للتحقيق (فيديو)

كشف حاج مغربي ضمن وفد الحجيج المغربي بمكة المكرمة، مشاهد من “معاناة” الحجاج المغاربة خلال موسم الحج لهذا العام، واصفا وضعهم بـ”الكارثي”، مكذبا ما أوردته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في بلاغها من أن معاناة الحجاج “مجرد أكاذيب من السنوات الماضية”، فيما طالبت هيئة حقوقية مغربية الحكومة بفتح تحقيق في الموضوع، محملة المسؤولية لوزارتي الأوقاف والسياحة، بينما وجه حجاج “نداء استنجاء” للمسؤولين من أجل التدخل.

ووصلت قضية الحجاج المغاربة إلى البرلمان، حيث وجه 3 برلمانيين عن حزب العدالة التنمية سؤالا شفهيا إلى وزير الأوقاف أحمد التوفيق، وذلك “جراء تردي ظروف الإقامة والتنقل والتغذية والتأطير خلال أداء الحجاج لمناسك الحج لهذه السنة”، مطالبين الوزير باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل الوقوف على حقيقة ما وقع وترتيب القرارات اللازمة على كل إخلال ترتب عنه معاناة الحجاج المغاربة.

وتوصلت جريدة “العمق” بمقاطع فيديو تظهر حجاجا رجالا ونساءً وهم يخرجون من نوافذ حافلات قديمة، كما كشفت مقاطع فيديو أخرى حجاجا مرضى يفترشون الأرض في غياب أي عناية طبية، فيما حكى حجاج عن تخلي البعثة المغربية للحج والعمرة عن 1500 حاجا وحاجة بعد إخلاء خيامهم بمشعر منى، ما جعلهم عرضة للتشريد والتيهان ليلا في غياب أي مخاطب لهم، وفق تعبيرهم.

نصف متر لكل حاج

وقال حاج في اتصال لجريدة “العمق” من مشعر منى بمكة المكرمة، إن مخيمات الحجاج المغاربة في منى تعيش “أوضاعا كارثية”، حيث ينام الحجيج قرب المراحيض وتقدم لهم أغذية غير لائقة، بينما المساحة التي تُعطي من أجل النوم والجلوس والصلاة ووضع الأمتعة، لا تتجاوز نصف متر لكل حاج.

وحصلت جريدة “العمق” على صورة من مشعر منى، تكشف أن المساحة الإجمالية المخصصة للمخيم رقم 107 المخصص للحجاج المغاربة هي 2632 متر مربع، تشمل أماكن النوم والجلوس والأمتعة والممرات والمطعم والمراحيض وأماكن الوضوء، في حين يبلغ عدد الحجيج المغاربة في هذا المخيم 2635 حاجا، أي أن عدد الحجيج أكبر بكثير من مساحة المخيم.

الحاج الذي رفض ذكر اسمه، أوضح في تصريحه أن “وجبتي الفطور والغذاء لا يتغير نوعها ولا كميتها سواء بالمدينة أو مكة ولا ترقى إلى ما يوزع مجانا في الشوارع، علما أن الحجاج أدوا مبالغ مهمة بالنسبة للتغدية، وصلت إلى أكثر من 200 درهم عن كل يوم، والمطاعم المخصصة للحجاج المغاربة بالفنادق لا تقدم حتى الماء الساخن، في حين أن نوعية الأكل الموجة إلى الشباب أقل من 15 سنة، عبارة عن عصير وماء وسكر وحلوة مع مربعات المربى”.

“نقل كارثي”

وبخصوص النقل، أشار المتحدث إلى أن التنقل بين مشاعر الحج يتم عشوائيا دون مواعيد ولا نظام معين، سواء بين المدينة ومكة، أو بين المسجد الحرام ومشعر منى، وبين صعيد عرفات ومزدلفة ومنى، واصفا الحافلات بأنها مترهلة وتعود لزمان السبعينات، مردفا بالقول: “دول أقل منا تكلفة في مصاريف الحج يتم التعامل معهم بخدمات أفضل منا بكثير، على رأسها السودان وسوريا التي تعيش حربا طاحنة”.

وتابع قوله: “الحافلات مخصصة لـ48 راكبا، لكنها في الحقيقة تقل 55 راكبا وتقطع مسافة 10 كلم في 12 ساعة، ولكم أن تتصوروا حجم المعاناة مع هذا الوضع، أما المكيف فبرودته لا تحتمل أو لا يشتغل أصلا، وهذا راجع الى تقادم الحافلات، حيث تبدو حافلات الحجاج المغاربة سيئة جدا أمام حافلات وفود أخرى أقل تكلفة في مصاريف الحج من التكلفة المغربية”.

ولفت إلى أن “أغلبية الحجاج كبار في السن ومرضى، ولم نرى أي حضور للطاقم الطبي في منى من أجل مواكبة المرضى، ولولا المراكز الصحية السعودية لوقعت كوارث لا قدر الله”، كاشفا أن الازدحام في المخيمات والمكيفات تسبب في مرض الكثير من الحجاج ومعاناة مرضى الربو والأمراض المزمنة، في حين يكتفي الحاج المريض بالسكري بشرب الماء وحده.

أسِّرة متلاصقة

وبالنسبة للنوم، يقول الحاج ذاته، أن الأسِّرة في مخيمات منى ملتصقة ببعضها البعض من اليمين واليسار والأمام والخلف، فيما الممرات يحتك فيها الرجال بالنساء كلما أرادوا التحرك نظرا لضيق المكان، أما الفنادق فهي الأخرى ضيقة جدا بالنسبة لعدد النزلاء، حيث يقف الحجاج لساعات في انتظار الاستفادة من المصعدأ علما أن عدد الطبقات يتجاوز الـ10، والمطاعم بتلك الفنادق مصممة لمئات الحجاج فقط وليس الآلاف، عل حد قوله.

المتحدث تحدى وزير الأوقاف أحمد التوفيق، بكشف المساحة المخصصة لكل حاج من أجل النوم والصلاة والذكر والأمتعة، مردفا بالقول: “التوفيق يُكذب ما جاء في الفيديوهات، نريد له أن يشرح للمغاربة هذه المعطيات المستقاة من عين المكان، ولعن الله من تحدث وكذب ولعن الله من خان الوطن والمواطنين ولعن الله من يحاول أن يقنع الناس بغير الحقيقة، وصلتم القاع بتصرفاتكم ارتقوا فقد ملأتم القاع”.

وكانت مقاطع فيديو بثت على مواقع التواصل الاجتماعي، قد أظهرت حجاجا مغاربة وهم يطالبون وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق بالتدخل العاجل من أجل إنصافهم، وبذل العناية من أجل تيسير شؤونهم، مع مناشدات من أجل مساعدة الحجيج وتوفير الخدمات الجيدة لهم، كما بينت “حجم التخبط الذي حكاه إحدى الحجاج الذي بكي بعد أن تاهت زوجته منذ أربعة أيام”.

دفتر التحملات

مؤطرو الوفد المغربي أغلبهم فقهاء لا حول ولا قوة لهم في التنظيم والتواصل، ولا حق لهم في التدخل في وسائل النقل والطعام والسكن حسب زعمهم، وليس هناك شخص مفوض له من طرف الوزارة للوقوف على احترام دفاتر التحملات بالنسبة للصفقات التي وقعتها الوزارة مع الشركات بخصوص السكن والنقل والأكل، يضيف الحاج الذي حاورته “العمق”.

وأضاف قائلا: “اليوم الجمعة وعلى غير عادة مؤطري وزارة الأوقاف، قاموا بإمامة الناس في صلاة الفجر آخر أيام التشريق بعدما انتشرت الفيديوهات الفضيحة كالنار في الهشيم، لكن حضورهم كان غريبا بحيث لأول مرة قاموا بتأطير مواعظ بعد الفجر، مؤكدين أن الحج امتحان لقدرة الانسان على التحمل والصبر، محاولين تبرير المستوى المتدني للخدمات بامتحان الله لصبر عباده، وبالتالي ما كان على الناس أن تعبر عن قلقها أو عدم رضاها بل كان من المفروض أن تصبر وتحتسب ليتقبل الله حجهم، وكأنه يقول إن الحجيج هم من يتحمل ما يقع لهم وليس أية جهة أخرى”.

وتابع في نفس الصدد: “هناك من المتزلفين والمتملقين من استغل الفرصة وأخذ الكلمة طالبا من الحجاج أن لا يحكوا عما راوه وعاشوه حتى لا يؤثروا على عزيمة حجاج المستقبل، بل من الواجب تحبيب زيارة الديار المقدسة وتشجيع الناس والكلام الايجابي على موسم الحج، وفق تعبيرهم، بينما الحل المثالي الذي اعتمدوه لما تجاوزتهم الأمور هو الاختفاء عن الأنظار وخلع لباس الوفد المرافق حتى لا يزعجهم أحد”.

وتفاعلا مع الموضوع، وجه البرلمانيون عن حزب العدالة والتنمية حسن عديلي ورضا بوكمازي وإدريس الثمري، اليوم الجمعة، سؤالا شفهيا إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حول هذا الموضوع، مشيرين إلى أن عددا من الحجاج المغاربة خلال موسم الحج لهذ السنة، اشتكوا من تردي الخدمات المقدمة لهم سواء تعلق الأمر بظروف الإقامة أو التغذية أو التنقل، فضلا عن غياب التأطير والتتبع اللازم من المسؤولين عن البعثة المغربية.

فتح تحقيق

إلى ذلك، دخل المركز المغربي لحقوق الإنسان على خط معاناة الحجاج المغاربة، مطالبا بفتح تحقيق مع عناصر البعثة المغربية ومعرفة درجة مسؤولية كل واحد منهم، من أجل اتخاذ ما يلزم من إجراءات في حقهم “حتى يكونوا عبرة لسواهم في هذه السلوكيات التي لا تليق بسمعة المغرب”.

وأدانت الهيئة الحقوقية ما سمته “أسلوب التعتيم الذي تمارسه وزارتي الأوقاف والسياحة من خلال بلاغات تسعى إلى تحوير الحقيقة وطمسها، وتوجيه تهمة المبالغة في حق الحجاج المحتجين”، مطالبة بضرورة “إشاعة ثقافة خدمة المواطنين على حد السواء في صفوف المسؤولين، بدل حصرها في خدمة الشخصيات العامة ومصالحمهم وأقاربهم”.

وأوضح المركز في بلاغ له، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، أن العديد من الحجاج المغاربة لم يتوفقوا في إقامة شعائر الحج بالشكل الصحيح بسبب إهمال أطر البعثة الرسمية، كما تاه العديد منهم بين منى ومزدلفة، فيما تسلم بعضهم موادا غذائية فاسة، واضطر مجموعة منهم إلى المبيت في الشوارع والأزقة.

واعتبر المصدر ذاته، أن ما تعرض له حجاج بين الله “ستبقى وصمة عار في جبين الحكومة المغربية والمؤسسات الحكومية التابعة لها”، مشيرا إلى أن “انتفاضة واحتجاج الحجاج المغاربة إزاء ما تعرضوا له من إهمال واحتقار حق مشروع، وسببه الأول العقلية العنصرية المستبدة من طرف بعض المسؤولين”، لافتا إلى أن معاناة الحجاج المغاربة تتكرر كل سنة وليس وليد اليوم.

الوزارة تنفي

وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قد دخلت على خط مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكشف تعرض بعض الحجاج المغاربة لمعاناة شديدة خلال أداء مناسك الحج، وذلك بسبب غياب المؤطرين والموجهين وقلة العناية، حيث نفت الوزارة مسؤوليتها في الموضوع.

واعترفت الوزارة بوقوع حالات تأخر للحافلات التي تقل الحجاج المغاربة عند النزول من عرفة، وتقديم وجبة غذاء غير لائقة لهم في مشعر منى، مشيرة إلى أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، “بادر إلى الاتصال بنظيره الوزير السعودي بخصوص هذه الوقائع ولاسيما الازدحام بمنى وتأخر الحافلات”.

وأوضح البلاغ، أن “البعثة المغربية بادرت إلى تكثيف الاتصالات الهاتفية مع الجهات المختصة من أجل تدارك النقص في عدد الحافلات رغم المجهود الكبير الذي تقوم به البعثة في هذا الشأن والمتمثل في التعاقد مع الجهات المختصة لزيادة حافلات إضافية”، مؤكدة أنه “انتهى ترحيل الحجاج من عرفات على الساعة الواحدة ليلا وهو توقيت عادي، مع العلم أن عددا من حجاج بلدان أخرى تأخر عن هذا الوقت”.

وأضافت أنه تم الوقوف على “تقديم وجبة الغذاء بمنى يوم 11 ذي الحجة 1439 هـ في مستوى غير لائق، وقد تدخلت البعثة المغربية من أجل تعويض هذه الوجبة، مع العلم أن جميع البعثات الإدارية والصحية لا حق لها في التدخل في المشاعر المقدسة”، وفق البلاغ ذاته.

وقال بلاغ توضيحي للوزارة، إنه لم يتم التبليغ مع نهاية اليوم الثاني من أيام التشريق، عن أي حاج مغربي تائه، مشددة على أن مجموع الحجاج أدوا مناسكهم إما كاملة أو على وشك القيام بآخرها وهو طواف الإفاضة بعد رجوع أكثر من نصف عددهم من منى الى مكة.

وعبرت الوزارة عن الأسف لأن بعض المواد المنشورة في المنابر الإعلامية بخصوص ظروف الحجاج المغاربة، تعد “من أكاذيب السنوات الماضية، ومن الدلائل على ذلك ظهور أرقام بعض المكاتب (75 و80) في بعض المقاطع المصورة في حين أن مكاتب البعثة هذه السنة هي من 105 الى 112”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار