سياسة

رياضة وسياسة وحجيج .. عناوين توتر العلاقة بين المغرب والسعودية

ذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية أن المغرب احتج رسميا لدى “المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية” على ما وصفه “باختلالات” ومعاناة تعرض لها حجاجه هذا العام.

الاحتجاج المغربي –إن كان حصل فعلا- يمثل خطوة نادرة وغير معهودة في التعاطي بين الدولتين اللتين ربطتهما خلال العقود الستة الماضية علاقات وثيقة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية.

واكتفى بيان لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية بالقول إن اتصالا بشأن ظروف الحجاج المغاربة، خاصة ما يتصل بموضوعي الازدحام بمنى وتأخر الحافلات، جمع الوزير المغربي أحمد التوفيق ووزير الحج والعمرة السعودي محمد صالح بنتن دون حديث عن احتجاج رسمي.

واعترف بيان الأوقاف المغربية ببعض الوقائع التي جرت في موسم حج هذا العام، وذكر منها: تأخر الحافلات عند نزول الحجاج من عرفة، وتقديم وجبة الغذاء بمنى يوم 11 ذي الحجة بمستوى غير لائق، وذكّر بالجهود التي قامت بها البعثة للتغلب على تلك الاختلالات، ولكنه أشار إلى أن “جميع البعثات الإدارية والصـحية لا حق لها في التدخل في المشاعر المقدسة”، في ما يشبه إلقاء اللوم ودحرجة الكرة إلى الملعب السعودي.

وكانت مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت غضبا واسعا بين حجاج مغاربة يشتكون من ظروف إقامتهم وحجهم خلال الموسم الحالي، وإن كان بيان الأوقاف المغربية ذكر أن بعض تلك الفيديوهات تعود لموسم سابق.

على صفيح ساخن

ما تعرض له الحجاج المغاربة خلال الموسم الحالي من متاعب، وما ذكرته وسائل إعلام كثيرة نقلا عن وكالة الأناضول من احتجاج رسمي مغربي لدى الجهات الرسمية السعودية؛ يعني أن الحج دخل بعد السياسة والرياضة على خط الأزمة الصامتة بين الرباط والرياض.

ورغم تعاظم المؤشرات في الآونة الأخيرة على حصول توتر متزايد في العلاقة بين البلدين، فإن مسؤولي البلدين آثروا الصمت في أكثر الأحيان، وظلت التصريحات المغاضبة أو المعبرة عن الحالة الجديدة شحيحة ومحدودة.

وبلغت الأزمة ذروتها هذا الصيف بقرار الملك سلمان بن عبد العزيز تولية وجهه شطر نيوم (شمال غربي المملكة) بدلا من طنجة (شمالي المغرب) لقضاء إجازته هناك، حارما مدينة طنجة –والمغرب عموما- من نحو مئة مليون دولار ينفقها عادة في إجازته السنوية، ولم يكن مستغربا أن الكثير من المراقبين والمحللين ربطوا تلك الخطوة بسياقات التوتر أو الجفاء –في الحد الأدنى- بين البلدين.

ومع أن العلاقات السياسة والاقتصادية التي ربطت البلدين كانت عميقة؛ فإنهما ظلا في ميدان تنافس ديني محتدم؛ حيث يقدم المغرب “نموذجا إسلاميا” مختلفا، يرعى الطرق الصوفية في العالم، ويقدم نفسه في ظل إمارة المؤمنين دولة الصوفية الأبرز في العالم في مواجهة الدولة السلفية التي ظلت لعقود ترعى وتمول الخطاب السلفي، قبل أن تتبرأ منه مؤخرا وتعود إلى احتضان جماعات متباينة من التصوف الجامح إلى الفن الملتهب.

ويعيد بعض المحللين أسباب الجفاء الذي تحول -في ما يبدو- لتوتر إلى الموقف المغربي من الأزمة الخليجية؛ حيث رفضت المغرب الانخراط مع محور دول الحصار، واعتبرت نفسها “معنية” بالأزمة، وتبنت موقفا “محايدا بناء”، ودعت إلى حل الأزمة بالحوار الصريح دون تدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد.

وأرسلت طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر، وهي خطوة كانت ذات دلالة رمزية مهمة في رفض الحصار وإظهار التضامن، وعزز الموقف لاحقا بزيارة الملك المغربي محمد السادس إلى الدوحة، ولقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ورغم تأكيد المغرب حياده البناء في صراع الأشقاء بالخليج؛ فإن دول الحصار قرأت في مجمل الموقف المغربي وتطوراته ميلا وانحيازا نحو قطر، ويبدو أنها أو بعضها تصرف بناء على تلك القراءة.

وكان ملف الصحراء الغربية الذي تنظر إليه المغرب بحساسية عالية أولى الساحات التي لعبت فيها دول الحصار بشكل غير مباشر، حيث وظفت بعض وسائل الإعلام التابعة لدول الحصار قضية الصحراء للضغط على المغرب، وبثت تقارير صورت فيها المغرب باعتباره دولة احتلال.

ولاحقا، مثّل ملف الرياضة عنوانا للتأزم المتدرج؛ وكانت البداية بتغريدة مشهورة كتبها تركي آل الشيخ المسؤول الأول عن الرياضة بالسعودية، وقرئت على أنها رد ضمني على موقف المغرب من الأزمة الخليجية، حيث قال “هناك من أخطأ البوصلة، إذا أردت الدعم فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم، ما تقوم به هو إضاعة للوقت، دع الدويلة تنفعك”، وهو ما أثار سخطا واسعا بين المغاربة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن الغضب المغربي لم يخفف من غلواء الموقف السعودي، ولم يثن وزير الرياضة تركي آل الشيخ عن موقفه المعلن ضد ملف المغرب لاستضافة كأس العالم 2026؛ وهو الموقف الذي توج لاحقا بمساهمة السعودية في وأد أحلام المغاربة في استضافة هذا المونديال، بعد تصويتها للملف الثلاثي (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك).

وتعليقا على ذلك، أعرب وزير الرياضة المغربي رشيد الطالبي العلمي عن أسف بلده “للخيانة” التي تعرض لها من قبل بعض الدول العربية في ملف الترشح لاستضافة مونديال 2026، كما اعتذر لاحقا وزير الثقافة والاتصال بالمغرب محمد الأعرج عن المشاركة في اجتماع لوزراء الإعلام (23 يونيو الماضي) في دول التحالف العربي بمدينة جدة السعودية.

في المقابل، قالت وكالة المغرب العربي للأنباء (رسمية) الأربعاء الماضي إن العاهل المغربي الملك محمد السادس وجه دعوة رسمية لنظيره السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة المملكة المغربية، ولم يتضح إذا كانت تلك الدعوة محاولة لوقف ما يصفه البعض بالانهيار الحالي في العلاقات في ظل أزمة صامتة طالت شهورا عديدة، أم مجرد خطوة رمزية لن تحدث أثرا كبيرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *