سياسة، مجتمع

الدارجة في كتب مدرسية توحد أحزابا بالأغلبية والمعارضة ضد أمزازي

توحدت أحزاب من الأغلبية والمعارضة، في معارضتها لقرار وزارة التربية الوطنية إدراج عبارات من الدارجة المغربية في المقررات الدراسية للموسم الدراسي الجديد، مقررة استدعاء الوزير أمزازي إلى البرلمان من أجل مساءلته حول هذا المستجد، فيما ذهب حزب العدالة والتنمية إلى حد مطالبة رئيس الحكومة باتخاذ التدابير اللازمة لمعرفة المسؤولين عن ما وقع.

وأجمعت الفرق البرلمانية لكل من أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية، على أن ما وقع يعاكس مضمون الدستور ويشكل “اختراقا غير مقبول” للمنظومة التربوية بالبلد، مطالبين بعقد اجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، من أجل مناقشة الموضوع بحضور وزير التربية الوطنية، مع كشف الجهة التي أعدت هذه المقررات والمنطلقات العلمية المبنية عليها.

وأثار استعمال مفردات بالدارجة في كتب مدرسية مصادق عليها من طرف الوزارة، ضجة واسعة على المستوى السياسي والإعلامي، وسط سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أقرت وزارة التربية الوطنية باستعمال “عبارات دارجة” في مقرر دراسي بالسلك الابتدائي للموسم الدراسي الجديد، معتبرة أن اعتماد “أسماء علم لحلويات أو أكلات أو ملابس مغربية في مقرر دراسي يعود لمبررات بيداغوجية صرفة”.

وتداول نشطاء التواصل الاجتماعي صورة لصفحة من كتاب مدرسي للسلك الابتدائي خلال الموسم الدراسي الجديد، يضم مفردات من قبيل: “البريوات، البغرير، الغريبية، شربيل”، وهو ما جعل مجموعة من النشطاء يطلقون حملة احتجاجية ضد الخطوة، معتبرين أن الحكومة “أظهرت نيتها بوضوح هذا الموسم لمزيد من تهميش اللغات الرسمية للبلد”، فيما طالب آخرون بالتحقيق في الموضوع وتدخل رئيس الحكومة من أجل تدارك الأمر بسرعة.

“ضد على الدستور”

وفي هذا الصدد، طالب حزب العدالة والتنمية من رئيس الحكومة ووزير التربية الوطنية، “بالقيام بالتحريات اللازمة لتحديد المسؤوليات واتخاذ ما يلزم لمعالجة خلل تسريب عبارات باللهجة الدارجة إلى بعض مقررات السنة الدراسية الجديدة 2018-2019، والحرص على عدم تكرار مثل هذه التجاوزات”.

واعتبر فريق المصباح بمجلس النواب، في سؤالين شفويين آنيين وجههما إلى العثماني وأمزازي، اطلعت جريدة “العمق” على نسخة منهما، بالكشف عن سبب تسريب مثل هذه العبارات إلى مقررات رسمية، “ضدا على مقتضيات الدستور، وفي تجاوز لمضمون الوثائق المؤطرة لإصلاح منظومة التربية والتكوين، لاسيما وأن هذه المقررات من المفروض أن تمر بمسار مضبوط من الإعداد والرقابة والاعتماد”.

وطالب الفريق في مراسلة له إلى رئيس لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، اطلعت جريدة “العمق” على نسخة منها، إلى عقد اجتماع للجنة التعليم والثقافة والاتصال، بحضور وزير التربية الوطنية، من أجل مناقشة حيثيات تسريب العبارات الدارجة المذكورة لمقررات الدراسة، ومن أجل الإطلاع على ما ستتخذه الوزارة لمعالجة هذا الخلل وضمان عدم تكراره.

الحزب الذي يقود الحكومة، أشار إلى أن إقحام عبارات باللهجة الدارجة في المقررات الدراسية غير مقبول، ويشكل تجاوزا صريحا لمقتضيات دستور المملكة الذي يحدد في فصله الخامس اللغة الرسمية للدولة، من خلال التنصيص على أنه “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء”.

وأضاف أن “هذا الإقحام يعارض أهداف الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم، ومضامين مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين، ويمثل تشويشا غريبا وغير مفهوم على الدخول المدرسي”، محذرا من أن منظومة التربية والتكوين “ستعيش سنة استثنائية تتطلب توفير الأجواء الايجابية اللازمة، بما يسمح أن يعرف هذا الملف الهام والاستراتيجي انطلاقة حقيقية، تمكن من تنزيل الرؤية الإستراتيجية، واعتماد القانون الإطار في احترام تام للثوابت الدستورية الجامعة للأمة المغربية، والتي لا يمكن لأي إصلاح لمنظومة التربية والتكوين أن يُعتمد، وأن ينجح وأن يحقق أهدافه إلا باحترامها، مع الحرص على تجنب إثارة القضايا الهامشية وغير المجدية التي من شأنها أن تعثر عجلة الإصلاح والوقوف في وجه كل محاولات الاختراق لهذه الثوابت”.

“اختراق” المقررات

حزب الاستقلال اعتبر إدراج مصطلحات من اللهجة الدارجة المغربية في كتب مادتي اللغة العربية واللغة الفرنسية ضمن المقرر الدراسي للسلك الابتدائي للموسم الجديد، نوع من “الاختراق”، فيما طالب رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب نور الدين مضيان، بعقد اجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والاتصال، بحضور وزير التربية الوطنية.

وأوضح الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، أنه دعا إلى عقد اجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والاتصال، بعد متابعته “بقلق كبير تواتر إصدار عدد من المقررات الدراسية، خاصة بالتعليم الابتدائي، تستعمل عبارات دارجة، إضافة إلى مضامين تخالف المنظومة القيمية والثوابت الجامعة للأمة المغربية”.

وقال الفريق في مراسلته إلى رئيس اللجنة البرلمانية المذكورة، اطلعت جريدة “العمق” على نسخة منها، أن “محاولة اختراق المقررات الدراسية باستعمال العبارات الدارجة، يدخل في سياق الأزمة المفتعلة حول اللغتين العربية والأمازيعية، وتدبير التنوع اللغوي ببلادنا من طرف جهات معلومة تسوق لاختيارات مجتمعية مضادة لثوابت الأمة، وتحاول جاهدة ضرب الإنسية المغربية، وافتعال أزمات قيمية، حسم دستور المملكة في تفاصيلها”.

وأشار الحزب المعارض إلى أن إدراج مفردات بالدارجة في المقررات الدراسية بأنه “إخلال صريح بالمقتضيات الدستورية وخاصة الفصل الخامس من الدستور الذي يحدد العربية والأمازيغية، حصرا، لغتين رسميتين للدولة، حسب المراسلة ذاتها.

“علامات استفهام”

بدوره، دخل حزب الأصالة والمعاصرة المعارض على خط الجدل الواسع الذي أثارته مقررات “البريوات”، حيث وضعت النائبة البرلمانية عن الحزب ابتسام عزاوي، طلبا عاجلا لعقد اجتماع للجنة التعليم والثقافة والاتصال بحضور وزير التربية الوطنية،  من أجل تدارس موضوع الدخول المدرسي ومضامين بعض المناهج التعليمية.

بالموازاة مع ذلك، وجهت البرلمانية ذاتها سؤالا شفويا إلى وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي حول ذات الموضوع، اطلعت جريدة “العمق” على نسخة منه، وذلك لمعرفة المنهجية التي اعتمدت في تبني هذا الإصلاح التعليمي، وكذا عن خلفياتها التربوية والبيداغوجية، بالإضافة إلى النتائج المتوخاة منها.

وأشارت عزاوي إلى خطاب الملك بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، الشهر الماضي، والذي صنف فيه التعليم كركن أساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مردفة بالقول: “لكن على العكس من ذلك، فوجئ الرأي العام المغربي، بإدراج مقررات دراسية تطرح أكثر من علامة استفهام بمناسبة الدخول المدرسي الجديد”.

الجهة المسؤولة !

من جهته، طالب حزب التقدم والاشتراكية من وزير التربية الوطنية بالكشف عن الجهة التي أعدت هذه المقررات ومنطلقاتها العلمية، متسائلا عن الجدوى من تضمين المقررات عبارات مكتوبة بالدارجة المغربية، والاستمرار في نقل صورة نمطية ومحافظة للمجتمع المغربي عبر الوثائق المصورة التي يتضمنها الكتاب المدرسي.

وتساءل في سؤال كتابي إلى أمزازي، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، عن الفرق بين البرامج المعتمدة في التعليم العمومي، والبرامج المعتمدة في مدارس البعثات والقطاع الخاص علاقةً باللغتين العربية والفرنسية.

واعتبر الحزب المشارك في الحكومة، أن العبارات الدارجة في المقررات الدراسية “تشكل مساسا بمنطوق وروح دستور المملكة الذي يحدد في فصله الخامس اللغتين الرسميتين للدولة، وتجاوز مضمونها لفلسفة الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومختلف الوثائق المؤطرة لمنظومة التربية والتكوين بالمغرب”.

وأشار الحزب إلى أن مفردات الدارجة، إضافة إلى استمرار نقل الصورة النمطية للمجتمع التقليدي والمحافظ عبر الوثائق والصور في الكتاب المدرسي، يشوشان على الدخول المدرسي الجديد، وهو ما يؤدي إلى “نقاشات كنا نعتبر أنفسنا في غنى عنها، في وقت يجب أن نركز فيه على سبل إصلاح تعليمنا المعطوب أصلا، وتوفير الأجواء الإيجابية لانطلاقة حقيقية لذلك في احترام تام للثوابت الدستورية، والحرص على تجنب إثارة القضايا الهامشية التي تساهم في تعثر عجلة الإصلاح”.

“مبررات بيداغوجية” 

غير أن وزارة التربية الوطنية كانت قد أكدت لجريدة “العمق”، أن الصورة التي تظهر كتابا لمادة اللغة العربية يتضمن مصطلحات بالدارجة، هو كتاب مصادق عليه فعلا من طرف الوزارة، مشيرا إلى أن إدراج مفردات بالدارجة تم بناءً على مبررات بيداغوجية، موضحا أن الصورة الثانية التي تظهر ترجمة جمل فرنسية إلى الدارجة، كتاب غير مصادق عليه من طرف الوزارة.

واعتبر مصدر رفيع المستوى بالوزارة لجريدة “العمق”، أن الهدف الأساسي من إدراج مصطلحات مثل “البريوات والبغرير والغريبية”، هو استعمال مفردات موجودة في الرصيد اللغوي للطفل وتستعمل في الحياة اليومية، مشيرا إلى أن هذه الأسماء ليس لها مرادف في اللغة العربية الفصحى، وبالتالي لا يوجد بديل عن وضعها باللهجة الدارجة، وفق تعبيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *