وجهة نظر

رسائل الدخول المدرسي

نلج في هذه الأيام أبواب عام دراسي جديد، أسأل الله أن يكونَ عام خيرٍ وبركة.

ولا يخفى على مسلم مكانة العلم و فضله في الإسلام، و يكفي من ذلك قول الله -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة: 11]. وقول صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة”.

وأحق من أوجه مقالتي هذه إليهم ثلاث أصناف من الناس: الأساتذة والمتعلمون وأولياء أمور المتعلمين.

أما الأساتذة: لابد أن يكونَ لدَى كلِّ أستاذ و أستاذة يقين بأنّ التعليم أمانةَ كبيرةٌ و مسؤوليّة جسيمة، فهي ليست تشريف ولا وجاهة وإنما مسئولية وتكليف.

وقد ثبت في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا». و في حديث آخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ حَدِيثًا، جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: هَا أَنَا ذَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ؟ أَوْ مَا إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا تَوَسَّدَ الْأَمْرَ غَيْرُ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».

و لتحمل المسؤولية كما هو معلوم شروط أهمها: القوة العلمية والخلقية، لقوله تعالى على لسان إحدى بنات نبي الله شعيب عليه السلام: }يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ{ تعليل لطلبها، فالقوة في العمل، والأمانة في أدائه على الوجه المطلوب.
و من مظاهر استشعار الأمانة و المسؤولية الوعي بالغاية والهدف من التربية والتعليم، فعيب بالمدرس أن يكون غافلا عن الغايات العظمى التي تنتظره من التدريس و أهمها بناء الإنسان الصالح، وقد فصلت في الكتاب الأبيض حيث جاء فيه:
يخضع نظام التربية والتكوين للحاجات المتجددة للمجتمع المغربي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة، وللحاجات الشخصية الدينية و الروحية للمتعلمين من جهة أخرى.

ويتوخى من أجل ذلك الغايات التالية:
ترسيخ الهوية المغربية الحضارية والوعي بتنوع وتفاعل وتكامل روافدها؛
التفتح على مكاسب ومنجزات الحضارة الإنسانية المعاصرة؛
تكريس حب الوطن وتعزيز الرغبة في خدمته؛
تكريس حب المعرفة وطلب العلم والبحث والاكتشاف؛
المساهمة في تطوير العلوم والتكنولوجيا الجديدة؛
تنمية الوعي بالواجبـات والحقوق؛
التربية على المواطنة وممارسة الديموقراطية؛
التشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الاختلاف؛
ترسيخ قيم المعاصرة والحداثة؛
التمكن من التواصل بمختلف أشكاله وأساليبه؛
التفتح على التكوين المهني المستمر؛
تنمية الذوق الجمالي والإنتاج الفني والتكوين الحرفي في مجالات الفنون والتقنيات؛
تنميـة القدرة على المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والوطني.
يعمل نظام التربية والتكوين بمختلف الآليات والوسائل للاستجابة للحاجات الشخصية للمتعلمين المتمثلة فيما يلي:
الثقة بالنفس والتفتح على الغير؛
الاستقلالية في التفكير والممارسة؛
التفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي على اختلاف مستوياته؛
التحلي بروح المسؤولية والانضباط؛
ممارسة المواطنة والديموقراطية؛
إعمال العقل واعتماد الفكر النقدي؛
الإنتاجية والمردودية؛
تثمين العمل والاجتهاد والمثابرة؛
المبادرة والابتكار والإبداع؛
التنافسية الإيجابية؛
الوعي بالزمن والوقت كقيمة أساسية في المدرسة وفي الحياة؛
احترام البيئة الطبيعية والتعامل الإيجابي مع الثقافة الشعبية والموروث الثقافي والحضاري المغربي.

هذه بعض الغايات المرتبطة فقط ب مجال القيـم، وهناك غايات أخرى مرتبطة بمجال تنمية وتطوير الكفايات و غيرها.

أما النصيحة الثانية للمدرس وهي: على المدرس أن يظهر أمام المتعلمين بالمظهر اللائق من الأخلاق الفاضلة والآداب العالية؛ ليكون قدوة لهم في العلم والعمل؛ فإن التلميذ ربما يتلقى من مدرسه من الأخلاق والآداب أكثر مما يتلقى منه العلم من حيث التأثر؛ ومن أهم الاخلاق التي يجب الحرص عليها احترام الوقت والانضباط للمواعيد.

أما المتعلمون فننصحهم بما يلي: لا بد من التأدب مع الأساتذة والإداريين واحترامهم، و حسن معاملة الزملاء داخل الفصل وخارجه. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا”.

و مما يجب الحرص عليه: احترام ممتلكات المؤسسة ومرافقها العامة، و قد حرم الله تعالى التخريب بصفة عامة فقال: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا.

أما الأولياء: فإذا كان على المدرسة واجبات فإن على أولياء المتعلمين واجبات يلزمهم القيام بها.. عليهم أن يتفقدوا أولادهم وأن يراقبوا سيرهم، وأن لا يتركوهم هملاً لا يبحثون معهم، ولا يسألونهم عن طريقتهم وأصحابهم ومن يعاشرونهم ويصادقونهم. إن إهمال الأولاد ظلم وضياع ومعصية لما أمر الله به في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

أيها الآباء: لا تظنوا أن واجب رعاية الأبناء في موسم الدراسة ينتهي بشراء الكراريس والأقلام وبقية مستلزمات الدراسة من الملابس والمآزر وتسديد حقوق التسجيل. نعم جميلٌ منك -أيها الأب المبارك-: أن تنفق على عيالك، بل هذا واجب تؤجر عليه متى احتسبت ذلك عند الله، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “أفضل دينار ينفقه الرجل دينارٌ ينفقه على عياله” ، لكن الأجمل هو مراقبتهم وتعليمهم حسن الخلق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *