وجهة نظر

التطور الاقتصادي بالمغرب رهين برفع مستوى التعليم والمغرب

تسريع التطور الاقتصادي ورفع الإنتاجية رهين برفع مستوى التعليم والمغرب ملزم بذلك في حال أراد الحفاظ على مستوى إيجابي من النمو على المدى البعيد ..

إن منظومة التربية والتعليم لم تؤسس في فلسفتها على مرجعية محددة مبنية على تصورات خاضعة لعمليات التقييم بأفق الإصلاح والتقويم منذ الاستقلال. وحسب تقرير البنك الدولي الأخير عن التعليم ” شمال إفريقيا والشرق الأوسط” والذي تضمن ملاحظات على الأداء الاقتصادي والاجتماعي للمغرب، اعتبرت من طرف المتتبعين للمنظومة التربوية، صادمة خاصة في ارتباطها بالاستثمارات ومعدلات النمو وتثمين الرأسمال البشري، فضلا عن التعليم الذي يعتبر أصل الأعطاب التي يعانيها بلد فوت على نفسه عددا من فرص التحول نحو مصاف الدول الصاعدة.

وقد سجلت مذكرة البنك الدولي أن المغرب، يعرف تأخرا كبيرا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي يقدر بنحو نصف قرن مقارنة مع أوروبا، ويبتعد كثيرا عن الدول الصاعدة ذات الدخل المرتفع. مشيرا إلى أنه رغم المجهودات المبذولة منذ سنة 2000 لتحديث الاقتصاد وتنويع محركات النمو، إلا أن وتيرة النمو تبقى ضعيفة مقارنة مع دول أخرى ذات اقتصاديات أقل تطورا.

وأبرز التقرير أن الدول التي عرفت انطلاقة اقتصادية تمكنت من الحفاظ على مستوى نمو للناتج المحلي الإجمالي حسب الفرد، يفوق 4 في المائة على مدى يتراوح بين 20 و30 سنة، في حين لم يتمكن المغرب من تجاوز نسبة 2 في المائة كمعدل نمو للناتج المحلي الإجمالي حسب الفرد بين سنتي 1980 و2010.

واضاف البنك الدولي إن الفوارق بين المغرب والدول الصاعدة تزداد حدة إذا أخذنا بعين الاعتبار الثراء العام حسب الفرد، إذ تمكن المغرب من تحسين معدل الثروة لكل فرد بنحو 10 آلاف دولار بين سنتي 2000 و2011، في حين تمكنت الدول ذات الدخل المرتفع نسبيا من رفع المعدل بنحو 25 ألف دولار للفرد، وهذا ما يضع المغربي في مستوى أقل من نظيره ببعض بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وأن دولا مماثلة للمغرب تمكنت من تحقيق نمو جيد بمجهود استثماري أقل مما وفره المغرب، وهو ما حصل مع تركيا أو كولومبيا، في حين أن الدول التي وفرت مجهودا استثماريا مماثلا للمغرب تمكنت من تحقيق تطور سريع، وهو ما يعطينا خلاصة صادمة هي أن نموذج النمو المغربي له إمكانيات كبيرة على مستوى الموارد، في المقابل إنتاجيته ضعيفة، رغم الإصلاحات الهيكلية التي تم القيام بها.

لذلك فالمغرب “ملزم في حال أراد الحفاظ على مستوى إيجابي من النمو على المدى البعيد وتسريع التطور الاقتصادي، أن يرفع من إنتاجيته، ولن يتأتى ذلك إلا برفع مستوى التعليم”هذا، وتشير المعطيات التي أوردها البنك الدولي إلى أن تعميم التعليم انطلق متأخرا في المغرب مقارنة مع الدول في طور النمو، وتحديدا في سنوات التسعينيات، لازال متعثرا إلى الآن خصوصا بالنسبة للتعليم الأبتدائي، لأسباب متعددة أولاها تعليم ذو جودة ضعيفة، ثانيا مؤسسات تعليمية تجاهد للحفاظ على تلاميذها، ثالثا تفشي الأمية خصوصا على المستوى القروي. وحسب البنك الدولي فمنهجية تعميم التمدرس اعتمدت على عددية صرفة لم تستطع أن تراكم الرأسمال البشري.

ويكفي أن نعرف أنه مثلا على مستوى القراءة يحتل التلاميذ المغاربة الرتبة الأخيرة على الصعيد العالمي، باعتراف وزارة التعليم نفسها فثلاثة من أصل أربعة تلاميذ في مستوى الرابع ابتدائي لا يستطيعون الكتابة، ولا يتمكنون من القراءة إلا بصعوبة يحفظون ولايفهمون. ما يؤدي إلى تراكم الصعوبات التعليمية خلال السنوات الأولى للتعليم ما ينتج عنه حسب المذكرة، مخلفات سلبية على التطور المعرفي للتلميذ في مساره الدراسي، ويؤثر بشكل سلبي على مردوديته التعليمية في المراحل الإعدادية والثانوية.

وتبعا لذلك، فالمغرب يعد من بين الدول التي رافق تعميم التمدرس تدهور كبير لجودة التعليم وهو واقع ما يزال مستمرا وكل مرة نسمع بالحكومة المغربية تخرج بمخطط (بعد الميثاق والبرنامج الاستعجالي وبعد جملة من المحاولات والمناظرات الرامية لوضع قاطرة التعليم في سكته الصحيحة، سارع المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى الإعلان عن رؤيته الإستراتيجية 2015/2030 التي تمت صياغتها من أجل بناء المدرسة المغربية الجديدة أي مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة والارتقاء… وغيرها من الشعارات والأحلام. جاءت الرؤية الإستراتيجية واستبشر المتتتبعين بها خيرا، وعمل الفاعلين التربويين على تنزيلها لتقليص الفجوة بين الخطاب والممارسة، وانخرط الجميع في ابتكار الحلول العملية والفعالة لتحقيق الإصلاح المنشود. ففاجئتنا حكومة العثماني بالمناظرة الوطنية للنهوض بالتعليم الأولي تحت شعار “مستقبلنا لا ينتظر” .

فعلا التعليم الأولي له أهمية ودور كبير، في تعزيز نجاح المسار الدراسي للتلاميذ، وهناك حاجة إلى بذل “مجهودات كبيرة” للنهوض بهذا القطاع التربوي، إذا أراد المغرب تحقيق هدف الألفية في مجال التعليم الأولي، لتحسين جودة التعليم الأولي الذي ظل مهمشا بالنسبة لبقية الأسلاك التربوية.

فعلا المغرب في حاجة إلى “معجزة تعليمية”، إذا ما قارنا ذلك بالنسيج الاقتصادي المغربي.

المجال يعرف جشع المستثمرين الذين يبحثون على الربح، أمام صمت من الحكومة والدولة في مراقبة المدارس الخصوصية التي تستفيد من الإعفاء الضريبي وتنهك أجور طبقة الموظفين الذي أصبحت أجورهم نصفها يذهب لتعليم أطفالهم والنصف الثاني يذهب في المجال الصحي.

فمن تستهدفهم الدولة باستراتجيتها للنهوض بالتعليم الأولي؟ هل هم أبناء القرى؟ أم أبناء الطبقة المسحوقة داخل المدن؟ شراكات متعددة وقعت خلال مناظرة 18 يوليوز 2018 للنهوض بالتعليم الأولي، كيف يمكن تجسيدها على أرض الواقع؟ وهناك تقارير تتحدث عن “شرخ تعليمي”، على اعتبار أن التلاميذ المغاربة يعيشون في عالمين تعليميين متوازيين، تتحكم فيهما القدرات المالية للأسر.

في وقت يفترض أن تمثل المدرسة وسيلة للتطور الاجتماعي، لكنها تجسد عكس ذلك وتنتج اللامساواة بسبب الأصول السوسيو-اقتصادية للآباء. ، ما جعل عدد كبير من الأسر ذات الدخل المتوسط اللجوء إلى التعليم الخصوصي، على العكس مما حصل في جميع الدول التي نجحت في رفع رأسمالها البشري، ومنها كوريا الجنوبية وسنغافورة وفنلندا، حيث تم التركيز على تعليم ابتدائي جيد للجميع في المدرسة العمومية بنسبة تقارب 100 في المائة.

للأسف الشديد الرشوة نخرت كل هياكل الدولة والمنظومة التربوية لم تنجو من ذلك، كما أن ضعف المنظومة الأخلاقية، و اختلاس الأموال العمومية، عبر مسطرة الصفقات العمومية باستعمال القانون أو التحايل عليه من مسببات فشل المنظومة التعليمية المغربية وهي تأتي في المقدمة، ويأتي بعدها ضعف التكوين وأجور الموظفين.

والذي وضع المغرب في المراتب الأخيرة في التعليم ،بعد ما كان نموذجا في التربية والتعليم والبحث العلمي . وهذا كله إن دل على شيء إنما يدل على الأزمة التي عرفها القطاع ببلادنا والمتمثلة في إخفاق كبير شهده إصلاح هذا القطاع حيث أنه بعد مضي أكثر من ثماني سنوات على الإصلاح أصبحنا أمام مخطط استعجالي كلف بإعداده مكتب دراسة دولي وكأن المغاربة ليس لهم قدرة على إيجاد الحلول الناجعة لتخطي الأزمة؟ إن نهج مثل هذه القرارات هو ما يزيد في تعميق الشرخ القائم بين المدرسة والمجتمع حيث أن كلما حل وزير إلا وألغى المخطط السابق مضيعا معه كل التراكم، و التجاوب الفعال وبتالي تضعف الحماسة الوطنية فهل أصبح من قدر نظامنا التعليمي أن يبقى مجرد حقل للتجارب، وهل باستطاعة النهوض بالتعليم الأولي أن يصلح ما أفسدته السنوات السابقة والمخططات المتتالية ؟

تفيد كل التشخيصات أن الواقع التعليمي ببلادنا اليوم هو واقع كارثي بكل المقاييس وكانت النتيجة النهائية هي الفشل الذريع في تحقيق أهم المبادئ التي وقع عليها التوافق في بداية الاستقلال والخاصة بأسس المدرسة الوطنية، حيث أخفقت المدرسة المغربية في تحقيق الأهداف الكبرى المذكورة أهمها المدرسة الجديدة ، مدرسة وطنية مدرسة لكل المغاربة تكون الأولوية فيها لمبدأ تكافؤ الفرص وتحقق دمقرطة التعليم وتضمن حق الجميع في الولوج إليه مدرسة تضمن مقعدا لكل تلميذ مغربي إلى حدود 15 عاما تجد فيها الفتاة مقعدا إلى جانب الفتى وأبناء الفقراء على قدم المساواة مع أبناء الأغنياء.

هذا الوضع الكارثي هو خلاصة انتهى إليها التقرير الذي قدمه المجلس الأعلى للتعليم.

عدد مخيف من التلاميذ يغادرون الدراسة في جميع المستويات سنويا .الانهيار الشبه التام للمدرسة العمومية وما يرتبط بها من ظواهر سلبية خطيرة منها الاكتظاظ الشديد وضعف التأطير والتكوين واهتراء البنية التحتية وتدهور الوضعية المادية والمعنوية للمتمدرسين وتدهور مستوى الخرجين وعدم ملاءمة مخرجات النظام التعليمي مع حاجيات سوق الشغل ….

الإخفاق الفضيع في السياسات اللغوية التي لم تمكن التلاميذ والطلبة لا من اللغة العربية ولا من اللغة الفرنسية ولا من اللغات الحية الأكثر ارتباطا بتطور العلم والتكنولوجيات الجديدة وها نحن الآن أمام مسار آخر بالنسبة للمناهج التعليمية بعض مصطلحات الدارجة الواردة في مقررات تلاميذ الابتدائي فحتى اللهجة الدارجة في المغرب تعرف اختلافات على مستوى التسمية فكيف لم تنتبه وزارة التربية الوطنية لذلك. هذا بالإضافة إلى تعارضها مع الدستور المغربي الذي يقر أن لغة المغرب هي العربية والأمازيغية.

في زمن العولمة هذا بالفعل نحتاج إلى إصلاح مجتمعي ينخرط فيه الجميع لأجل نظامنا التربوي التعليمي باعتباره يشكل عامل حاسم في تقدم وتطور بلادنا، وبناء المغرب القوي الديمقراطي القادرة على مواجهة مخاطر المستقبل وتحدياته يستدعي ترجمة الشعار المتمثل في أن قضية التعليم هي القضية الثانية بعد الوحدة الوطنية وتحويله إلى واقع ملموس يكون فيه المدرس والإطار الإداري طرفا في الحوار ، وشريكا في التصورات والمخططات باعتبارهما أقرب إلى الميدان داخل الحواضر والقرى .

فبالإضافة إلى السهر للخروج بقانون تنظيمي لإلزامية التعليم الأولي من الجهتين الأسرة والدولة لابد من ضرورة إلزامية تخصيص مزيدا من الوقت والجهد للفعاليات المنتجة الخلاقة في مجال تبادل الرأي وفي النقاش والتنشيط والتشجيع ….، وهكذا لا يمكن للتربية أن تصطبغ بالصبغة الديمقراطية، إذا لم تتطور العلاقات بين المعلمين كحلقة أولى في المنظومة التربوية وبين الهياكل الإدارية والمسؤولة إقليميا وجهويا ومركزيا وحتى مع المتعلمين وأسرهم .

ورغم الأزمة التي يعيشها نظامنا التعليمي نستطيع القول بأن هناك مجهود يبذل في ميدان التربية ، فالنظريات الجديدة في التعلم بدأت تكشف عن تقارب بين العلوم و أهمية الحوافز والحاجات بالنسبة إلى طالب العلم، وعن ضرورة اختيار المحتوى التربوي الأصلح .

إن موضوع “فشل التعليم المغربي” أصبح موضوعا للنقاش لكل فئات المجتمع، – نظرا لأن المجتمع المغربي أصبح أكثر وعيا بأهمية التعليم باعتباره أحد الدعامات الأساسية لبناء المجتمع اقتصاديا وفكريا، إذا كانت هناك روح مواطنة حقيقية، ونية صادقة في تطور بلادنا لنجعلها في مصاف الدول السائرة في طريق النمو.

إن إصلاح المنظومة التربوية يتطلب تغيير جددري في المناهج والمقررات والاعتماد على اللغات الحية باعتبارها لغة العلم والتكنولوجيا (الإنجليزية الفرنسية) وبطبيعة الحال اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد بحكم الدستور.

إن مشاكل تعليمنا هي نتاج لما نعيشه في المجتمع من تدبدب وتخبط في جميع المجالات الحيوية في البلاد. قد نرجعه إلى أسباب متعددة، منها ماهو تاريخي ،سياسي ،ثقافي ومنها ما أصبح ظاهرة شائعة وحاضرة بقوة وهو الفئة السياسية، والنقابية الذين أخضعوا الخطاب السياسي إلى ميولاتهم السياسية المصلحية بل صنعوا من مواقفهم السياسية – باستثناءات طبعا – حربا ضروس تحصد الصالح بالطالح دون التفكير في المصلحة العامة للوطن.

لقد استفاد الخطاب عند البعض من طرق التواصل الحالية (قنوات، التواصل الإلكتروني والمواقع الاجتماعية) من بسط نفوذهم وهيمنتهم على نقاشات تجاهلت العمق الحقيقي لما تعانيه المنظومة التربوية برمتها بكافة مشاربها (تكوين وتأهيل الأطر التربوية، المناهج التربوية، التسيير الإداري، المراقبة والتتبع للمخططات السابقة وأخيرا ربط المسؤولية بالمحاسبة)، فلم نرى حملة تناقش ماتم صرفه من أموال على ميثاق التربية والتكوين أو المخطط الاستعجال وها نحن الآن أمام خطة أخرى “النهوض بالتعليم الأولي” وسترصد لها أموالا طائلة وبعدها يتم التصريح مرة أخرى بفشل التجربة وتصرف الأموال بلا حسيب ولا رقيب وتبدأ خطة أخرى يطلق عليها إسما آخر ، وأخيرا نجد أنفسنا أمام منظومة تربوية لا تنتج إلا العنف والحقد والكراهية بين أفراد المجتمع الواحد، بتوجيه تعليمنا إلى الزبونية والمحسوبية والتطرف على مستويين إما ديني أو احلال خلقي بتدمير عقول أطفالنا بالتعاطي للمخدرات والقرقوبي وتحويل المجتمع إلى قنابل موقوتة قابلة للأنفجار في أي وقت. ليتحول مشكل التعليم في بلادنا إلى مشكل أخلاقي أكثر ماهو مشكل مناهج تربوية.

في الأخير يمكن القول أن المنظومة التربوية رهينة بسلامة وقوة المجتمع ككل بكل فئاته، وبالتالي لا يمكن الحديث عن بنية المنظومة التربوية واعادة تركيبها تركيبا سليما إلا بتظافر جهود كل الطاقات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وعلى المؤسسة التشريعية والأحزاب أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية فيما تعانيه منظومتنا التربويوي وما لها من انعكاسات على المجتمع. ويستحيل إصلاح منظومتنا التربوية بدون تغيير جذري للمناهج والمقررات واعتماد اللغات الحية وفي مقدمتها الإنجليزية باعتبارها لغة المستقبل والتقدم العلمي.

المصادر

– البنك الدولي في تقرير أسود يعري التقدم بالمغرب ويتنبأ بالأسوء

– تقرير البنك الدولي حول مشكل تعميم التعليم في علاقته بالتطور الاقتصادي بالمغرب

– الميثاق الوطني للتربية والتكوين

– تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول الارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث والتدبير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *