وجهة نظر

ردا على مقال أحمد عصيد

جـــاء في مقال للأستاذ أحمد عصيد نُشر على موقع “العمق المغربي”، تحت عنوان “عندما تخرّب المدارس و تغلق المعامل و تبنى مساجد فخمة”، أن ما يجعل الدولة المغربية و معها العديد من المغاربة ،يغالون في اهتمامهم بالمساجد و بناءها ،و ينأون بأنفسهم عن فعل نفس الشيء اتجاه المدارس و المستشفيات و المقاولات ..بتهميشها و عدم الاهتمام بها ،كامن بالأساس ، في آتباع ما جاءت به تعاليم النص الديني ،المروي عن النبي عليه السلام ،الذي يقول فيه: “من بنى مسجدا في الدنيا بنى الله له مثله في الجنة”.

فتمنّى هو و صاحبه..لو أن أولئك الأذكياء..الذين “وضعوا “مثل هذا الحديث ،بعد مائتي سنة من مجيء النبي “محمد”، قاموا أيضا ،”بوضع” أحاديث أخرى بيضاء على وزن كذبات بيضاء ،ونسبوها إلى النبي عليه السلام، تتضمن هي الأخرى ،وعودا لكل من بنى مدرسة أو مستوصفا ببيت في الجنة .كاستغفال للناس ،لكي تعتبره من الدّين و تعمل على الأخذ به .وحينئذ كنا سنرى مدارس و مستشفيات ..فاخرة، بقدر ما تحوزه الآن المساجد من رونق و أبهة.

و إمعانا في ما هو متجسّد على أرض الواقع المغربي ،نجد بالفعل أن اهتمام المغاربة بالمساجد و نأيها عن الاهتمام بالمدارس و المستشفيات ..واقع ملموس. إذ لا تكاد تجد قرية أو مدينة..إلا و تنبسط فيها تجليات و تمظهرات هذا السلوك الذي يحتاج إلى تحليل عميق.

فقد تجد حشد من الناس ،يرتدون قمصانا ملونة بلون موحد ،مكتوب على ظهرها بأحرف كبيرة غليظة ،إسم لجمعية إحسانية خاصة ببناء مسجد. ينادون بين الناس في المقاهي و الأزقة و الشوارع .بالإحسان و المساهمة في بناءه.وبشكل غريزي يهبّ الناس لتلبية الطلب،من دون استفسار أو تساؤل حول صحة هذا الإدعاء. هذا السلوك التضامني الذي لا مثيل له ،بقدر ما يثير الدهشة ،فإنه يبعث أيضا على التطفيف و الكيل بمكيالين.

لكن و من دون الدخول في جدل حول صحة هذا الحديث أو عدم صحته،فإن ما يمكن القول عنه، أنه لا يتنافى و المنطق السليم .و أنه ليس كما قيل عنه ،من كونه سببا وراء اهتمام الناس بالمساجد ،وتهميشهم للمدارس و المستشفيات ..بل هو على العكس تماما .

فلو أخذنا بعين الإعتبار ما كان يشغله المسجد في العصور السابقة من كونه، كان و لا يزال لحد الآن ،يشغل وجهة وقصدا لطالبي العلم ،و مجلسا لمناقشة القضايا الإجتماعية ،وإلى وقت قريب من زماننا هذا،شغل إلى جانب الزوايا دورا مهما في استقلال المغرب ..فيمكن القول على أنه كان يقوم بما تقوم به اليوم المدرسة..و عليه فلا حاجة لذلك التمني بوضع أحاديث”بيضاء” لتشجيع بناء المدارس و المستشفيات..لأن هذا الحديث في عمقه و كنهه، يشجع و يحث على ذلك. اللهم إن كان هناك تحامل على النصوص الدينية ،أو قراءتها قراءة خاطئة .فذلك يبقى موضوع آخر .و من هنا يظهر ذلك الاهتمام الكبير لدى عامة المغاربة بالمساجد.

ولرفع الإتهام و اللبس أكثر ،عما قيل حول هذا الحديث،نجد أن هناك العديد من النصوص الدينية و الأقوال المأثورة ،تعضّده ،في إيثار ما هو دنيوي ،عما هو أخروي .فتجعل المحسن و المطعم ،خير من العابد .و المتعلم خير من الجاهل .و العامل خير من العاطل .و خادم الناس ،سيد عليهم . و الحكمة ضالة المؤمن ..و غيرها من الأحاديث كثير.

إذن فعدم اهتمام المغاربة بالمدارس و المستشفيات..ليس مردّه النص الديني ،بل هو راجع إلى ما تشكّل لديهم من اعتقاد اتجاه المدرسة. من كونها تبقى وسيلة تضمن موردا للعيش فقط، و ليس مكانا للعلم و التعلم.وعندما يصطدم هذا الاعتقاد ،بضعف فرص الشغل ،و ما تسفر عنه من عطالة مزمنة ،يوجه الاتهام إلى المدرسة، بكونها تساهم في تفريخ البطالة و في تضييع سنوات عديدة من العمر.مما يسهم في نفورهم منها.

و من المعلوم أن للمدرسة ارتباط وثيق بباقي الخدمات،كالشغل والصحة ..فالنفور من المدرسة ،بالضرورة سيسفر عنه ضعف في باقي الخدمات .و ما نراه متجسدا و جاثما على أرض الواقع،ما هو إلا نتيجة لتلك الفروض و المقدمات الغير الصحيحة .

و لو أن عموم المغاربة، اعتقدوا غير هذا الاعتقاد السائد اتجاه المدرسة،من كونها لا تكفل و لا تضمن الشغل و التشغيل، وإنما هي مكان لتلقي العلم و التعليم ،كما كان يفعل المسجد قبل عصور.و لو أن قلوبهم لامست و ذاقت حلاوة الفكر و التفكر ،و العلم و التعلم .لآهتموا بالمدرسة أكثر من اهتمامهم بالمسجد و لفاق عددها،عدد المساجد .ولأصبح عندهم الفكر و العلم و الفلسفة.. شعبا من شعب الإيمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *