وجهة نظر

هل لا زلنا في حاجة لرجال الدين والفقهاء والمرشدين والواعظين؟

أتساءل دائما هل كل هذا الطاقم الديني من صنع الله أم من صنع الديانات أم من صنع الإنسان؟ عندما أراجع تاريخ بداية أي دين كان، لا أجد لا عالما ولا فقيها ولا قسيسا ولا حاخاما تكوَّنوا على أيدي الرسل. كما لم أجد أي رسول شكل في حياته طاقما دينيا من هذا القبيل. بل ظهرت كل هذه الأطر الدينية سنوات عديدة بعد موت الرسل.

كلما اطلعت على الكتب الدينية المنزلة على الرسل، لا أرى في أي سطر أن الله يتوجه إلى هذا الطاقم الديني على الخصوص، بل أجده يتوجه إلى الرسول المختار وإلى كل فرد من المجتمع وتارة أخرى إلى الإنسانية جمعاء وإلى كافة المؤمنين.

ولكن هناك رجالا من كل الديانات و لأسباب عديدة منها، ربما الاستغلال المادي والسياسة والسيطرة على المجتمع، خلقوا الحقل الديني لتبرير سلطتهم على المؤمنين ووضعوا أنفسهم كواسطة بين الفرد والخالق واخترعوا علما وهميا بدايته كلام وآخره كلام، ويعتبرون أنفسهم علماء في الدين ولا أحد سِواهم بإمكانه إدراك هذا العلم الديني، اللهم إذا سُمح له بالدخول في دائرتهم. ولكي يستطيع المؤمن أن يصل إلى درجات عالية من الإيمان والدخول إلى الجنة، لا بد له أن يشتري “كيفية الاستعمال الديني” التي تبقى في قبضة رجال الدين فقط.

هل كان لِرجال الدين دور في الماضي؟

في وقت مضى لم تكن هناك مطبعة لطبع الكتب الدينية والمقدسة كما أنه لم توجد مدارس وكان غالبية الناس يجهلون القراءة والكتابة.

ولهذا كانت هناك حاجة لمن يرشد ويوجه المؤمنين ويطلعهم على محتوى الكتب المقدسة. وللأسف هنا سقط علماء الدين في فخ الغرور وجنون العظمة واغتروا بمكانتهم التي كان يُخوِّلها لهم المؤمنون الأميون. ومع التبرعات المالية وامتلاء الخزينة بدء استغلال بساطة وسذاجة المؤمنين. ولا ادري كيف كانت تُصرف هذه الأموال مما جعل ثروات المؤسسات الدينية تتجاوز في بعض الأحيان ثروات عدة بلدان فقيرة.

ما هو دور رجال الدين حاليا؟

مع انتهاء زمن الجهل، بالقراءة أصبح كل مؤمن قادرا على الإطلاع على ما في الكتب المقدسة بدون واسطة وأدرك أن الله يتحدث مباشرة معه، وتحرر المؤمنون من قبضة رجال الدين الذين أدركوا خسارتهم فلجأوا إلى السياسة مبررين خطواتهم بإحياء وإرجاع الدين لمصلحة الوطن.

هل بالفعل الدين علم؟

لو كانت الديانات علما لكان الحصول على الأقل على ماستر في العلوم الدينية ضروريا ليستطيع الإنسان دراسة الرسالة الجديدة كي يقرر الإيمان بها أم لا؟ وحسب هذا المنطق علينا أن نرفض إيمان المؤمنين الأولين لأنهم كانوا أميين ولا علم لهم بعلوم الدين.

نرى عبر التاريخ كلما ظهر رسول جديد إلا وقام علماء الدين السابق على تنظيم هجوم مخطط وممنهج ضده بينما كان أول المؤمنين بالرسالة الجديدة أميون، فكيف لنا أن نفسر هذا بينما كان على العكس أن يحدث؟

الدين في القلوب أم في العقول؟

نرى من هذه الأمثلة التاريخية والواقعية أن الدين محله القلوب وليس العقل. وعندما يصبح الدين علما ذهنيا تصبح نتائجه عقيمة. ولهذا يرفض علماء الأديان أي دين جديد لأنهم يستقبلونه بأذهانهم وإذا تحولوا إلى الدين الجديد يُودّعون في الحال مراتبهم الاجتماعية ومصالحهم المادية. فمثلا إذا آمنت الكنيسة بالإسلام وأصبح طاقمها مسلما فقد تفقد سلطتها رمشة عين!

لهذا نرى أن المؤمنين الأولين لا يتوفرون على أي علم ديني أو آخر ولكن كانت قلوبهم مفتوحة لاستقبال الكلمة الإلهية.

* الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *