وجهة نظر

التحقيق الذي ينبغي أن يفتح في وفاة الكفيف صابر

بعيدا عن “التشرميل” السياسي الذي مارسه كثيرون بعد وفاة المكفوف صابر الحلويرحمه الله، والتي جعلت التركيز يتم على جوانب محددة، وأحيانا مغرضة، وإغفال جوانب أخرى مهمة. وتفرض الكثير من المعطيات الموضوعية الدفع بالنقاش إلى ما يساهم في معالجة ملف المكفوفين بالخصوص، ذلك أن هذه الفئة بفعل طبيعة الإعاقة التي تعاني منها، فهي معرضة لكثير من المخاطر، وخاصة مخاطر تتعلق بشبهة التلاعب بمشاعرها، واستغلال حماستها النضالية في أجندات سياسويةسادية.

لقد أعلنت وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعيةفتح تحقيق في النازلة من طرف السلطات المعنية تحت إشراف النيابة العامة، لكن السؤال الحيوي هو التحقيق في ماذا؟ فليست هذه المرة الأولى التي يعتلي فيها المكفوفون سطح مقر الوزارة، وليست هذه المرة الأولى التي يمكثون في ذلك السطح ما شاءوا من الأيام الطوال، لكن هذه هي المرة الأولى التي يسقط فيها فرد منهم من فوق السطح ويموت، رغم أن خطر السقوط كان دائما قائما. وهل ستكون هذه الفاجعة الأخيرة في نضال تلك الفئة من المواطنين الضعاف؟فأي تحقيق ينبغي فتحه؟

إن التحقيق الذي ينبغي فتحه لا ينبغي أن ينحصر فقط في الملابسات المباشرة لوفاة صابر، بل ينبغي أن يكون شاملا وشافيا في الإجابة عن كل الفرضيات التي تجعل ملفهم في دائرة شبهة التوظيف السياسوي لتلك الفئة من المواطنين، كما ينبغي أن يهم السياسات العمومية الخاصة بهم، وخاصة عدم تفعيل “الكوطا” المخصصة لهم في ولوج الوظيفة العمومية، وقصور تلك السياسات في استيعاب حجم وحاجيات تلك الفئة من المواطنين.

ويتطلب التحقيق المطلوب أن يشمل أربع مستويات.

المستوى الأول، يتعلق بما كشفت عنه شقيقة صابر في تصريحات يوثقها فيديو يروج على اليوتوب، سجلتها قناة “شوف تيفي” الالكترونية. فشقيقة صابر تؤكد ما يلي:

• المكفوفون يذهبون عند الوالي.

• قالوا لهم سنوزع عليكم دكاكين (الحوانت).

• أخي صابر دفع الوثائق (الوراق) عدة مرات.

• قالوا لهم:” أجيو راه قربات تخرج ليكوم الخدمة .. راه ما بقا ليكوم والو وتخرج ليكوم الخدمة ”

• وبناء على تلك الدعوة “مشاو كَاع الدراري”.

وهذه العناصر تؤكد وجود “جهة” ينبغي الكشف عن هويتها، تعبئ المكفوفين بصناعة الوعود، والحديث باسم مؤسسات الدولة. وهنا ينبغي البحث في موضوع “الوعود المتعلقة بالدكاكين”، وعلاقة “ولاية الرباط” بها، وطبيعة الملفات التي دفعها هؤلاء المكوفوفون، ومن تسلمها؟ وإلى أي جهة وجهت؟ ولماذا دعوة المكفوفينالجماعية إلى الرباط في هذا التوقيت بالضبط؟

هذا المستوى من البحث حيوي، لأنه يكشف خلفيات الاعتصام، والمدبرين لزمانه ومكانه، ذلك أن الراحل صابر وزملاؤه المكفوفين انتقلوا إلى الرباط على أساس وعود بالعمل قريبة الاستجابة، وأن حضورهم ضروري ربما لتسلمها.

المستوى الثاني من التحقيق ينبغي أن يصب على عملية اقتحام مبنى الوزارة خارج أوقات العمل. فهذه العملية عاينتها عناصر الأمن الخاص بحراسة المبنى، وسجلت وقائعها كاميرات المراقبة. فهل أخبرت عناصر الأمن الخاص مصالح الأمن بالعملية؟ وهل علمت مصالح الأمن بالإنزال الذي نظمه المكفوفون؟ ولماذا لم يتم التدخل مند البداية لمنع عملية الاقتحام من الأصل خاصة أن سوابق لها كافية لمعرفة الهدف من الإنزال ومن الاقتحام، ومنع الصعود إلى السطح بعد كسر الأبواب؟ ومن هي الجهة الشريكة التي ليست بالكفيفة وتمكن هؤلاء من تجهيزات استعملت في عمليات كسر الأبواب الحديدية أو تباشرها هي بنفسها، وتمكنها من الدخول إلى بعض المرافق الداخلية في الوزارة مثل المطبخ، وتدبير عملية الصعود إلى السطح؟

والمستوى الثالث من التحقيق ينبغي أن يشمل تدبير الملف بعد احتلال المكفوفين سطح مؤسسة عمومية، ولمدة تزيد عن أسبوعين. ما هي الجهات المسؤولة عن أمن وسلامة هؤلاء وهم في وضعية إعاقة بصرية وعلى سطح مبنى حكومي؟ وبماذا قامت تلك الجهات لحل المشكلة وفك الاعتصام، وتجنيب المعتصمين مخاطر الوقوع من فوق السطح؟

والمستوى الرابع من التحقيق ينبغي أن ينصب على السياسات العمومية الخاصة بحاملي الإعاقة بشكل عام، وبفئة المكفوفين بشكل خاص. لماذا لم تفعل “الكوطا” الخصة بهم؟ وما هي التدابير الأخرى التي اعتمدت لصالحهم؟ وهل تم تنفيذها كما ينبغي لها أم لا؟
إن التحقيق في وفاة صابر رحمه الله لا ينبغي أن يحجب حقيقة وجود شبهة التلاعب بتلك الفئة من المواطنين. وشبهة وجود جهة شريكة غير كفيفة تدبر عمليات الاقتحام أو تساعد عليها، ووجود شبهة تقاعس جهات عن التدخل في الأوقات المناسبة لمنع الاقتحام من أصله، أو إنهائه بعد حصوله، ووجود تقصير في السياسات العمومية تجاههم.

لكن بعد هذه الفاجعة المؤلمة هل سيبقى سطح وزارة الأسرة، بما أنه موقع استراتيجي في منظومة نضال المكفوفين، بدون حائط عال يحمي من سقوط مستقبلي لا قدر الله؟ وهل سيبقى مبنى تلك الوزارة بدون إجراءات أمنية استثنائية مشددة تمنع وقوع فواجع مشابهة مستقبلا؟

لكن السؤال الكبير المطروح على الدولة والحكومة معا هو: إلى متى سيناضل هؤلاء المواطنون بطرقهم الخطيرة كي يسمعوا أصواتهم، ويقدموا مطالبهم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *