وجهة نظر

مستعد يكتب: الدخول السياسي: أزمة تمثيلية أم مجرد احتقان؟

هل هو دخول سياسي يقبل عليه المغرب مع افتتاح البرلمان؟ الدخول يعني لغة واصطلاحا نوعا من الإنتظام في العمل السياسي، وفي آليات اشتغال المؤسسات، في حين أن جل المؤشرات تؤكد على وجود احتقان سياسي واجتماعي قد لا يصل إلى حد الأزمة لكن أثاره واضحة جلية. الإحتقان يكاد يكون بنيويا منذ انتخابات 2016 على الأقل. بحيث صار أدنى قرار أو مبادرة أو ظاهرة تثير تحرك الشارع ومعه الطبقة السياسية، وذلك بشكل يعيد إلى الأذهان، ولو أن التاريخ لا يتكرر بنفس الشكل أو الإيقاع، مغرب ما قبل حركة 20 فبراير ودستور 2011. كان هناك البلوكاج الحكومي، ثم حراك الريف، وحملة المقاطعة، واليوم هناك عودة الهجرة السرية بضحاياها وقوارب موتها، والمعطلون المكفوفون.. وأحداث كثيرة.

بل لقد صار مجرد إدراج بضع كلمات دارجة في كتاب مدرسي – دون التقليل من أهمية اللغة كبانية للهوية وللتفكير الجمعي – صار يثير التوتر إلى درجة جعلت رئيس الحكومة يتهم عضوا بالمجلس الأعلى للتربية بتهمة :”الداعشية السياسية”. واستعمال مصطلح “الداعشية” هنا له دلالات ومعاني قوية تحيل على الإستقرار والتعايش داخل منظومة سياسية ومجتمعية وطنية في سياق جيوستراتيجي صعب.

اللغة، الزواج والدولة المدنية، إقالة كاتبة دولة… كل هاته الوقائع الإجتماعية والسياسية صارت مبررا للحديث عن استقالة الحكومة أو إقالتها، إلى درجة أن بعض أساتذة علم السياسة صاروا ينظرون لفكرة أن الإنشغال الأساسي لهاته الحكومة صار هو البحث عن تدبير اختلافاتها، عوض الإنكباب على تدبير السياسات العمومية المسطرة في برنامجها. في ما يخص إقالة كاتبة الدولة في الماء شرفات أفيلال، وبعيدا عن الجدل حول مدى حضور اليمين وتراجع اليسار في المشهد السياسي، يبدو أن السلطة حائرة ومترددة أمام استمرار مشاركة التقدم والإشتراكية في الحكومة، ومواصلة هذا التجريب المغربي للتعايش بين محافظين وتقدميين. ففي بعض الاحيان، يظهر وكأن الدولة العميقة تريد بقاء هذا التحالف مخافة المس بالإستقرار الهش للتحالف الحكومي، ولهذا تسعى إلى ترضية حزب التقدم والإشتراكية بالترويج لفكرة أن هناك تعديلات وزارية قريبة ستلغى بموجبها جميع مناصب كتابات الدولة. وفي أحيان أخرى، يبدو وكأن هناك تخطيطا لدفع هذا التحالف والتعايش إلى حافة الإنهيار. ولكن هل هي حيرة فعلا؟ أم هو لعب بهلواني على الحبلين؟

هشاشة التحالف الحكومي كشفه أيضا هجوم حزب التجمع الوطني على العدالة والتنمية واتهامه بالتخطيط ل”تخريب البلاد”. ويبدو أنه هجوم يدخل في إطار تسخينات الدخول السياسي، وورقة للإستهلاك الداخلي ورص الصفوف. فهو هجوم لم يتأكد حتى في البلاغات الرسمية التي نشرها الموقع الرسمي للحزب. فهذا الأخير لا يملك، رغم موارد سلطته، ما يكفي من الإستقلالية لزعزعة الإستقرار الحكومي خاصة بعد إقالة وزيره في الإقتصاد محمد بوسعيد، وبعد أن خرج الحزب، بالكاد، من حملة مقاطعة ضربت رأس الحزب ورجال الأعمال الذين يشكلون قاعدته الليبرالية. ونفس موقف التريث يمكن تسجيله في خطاب رئيس العدالة والتنمية الذي يريد طي الصفحة، والذي أمر أعضاء حزبه بعدم التصعيد وعدم الرد على الإحرار. وهو موقف مثير وربما بنيوي من رئيس حكومة يمنع حرية التعبير الحزبي وهي أساس وجود الأحزاب وأصل قوتها.

ويبقى في خلفيات كل هذه المعطيات وفي عمق الممارسة السياسية، أن هناك عدة أسئلة ما زالت عالقة مثل: ما هي الحجج التي جعلت الوزير الداودي يستمر؟ ولماذا رفضت استقالته؟ ولماذا تمت إقالة بوسعيد؟ وأفيلال؟ إن جوهر السياسي هو الإقناع والإقتناع، وهو الحوار بالحجة والحجة المضادة قدر الإمكان. ولعل من علامات الإنتقال الدمقراطي أو لنقل “التطبيع السياسي” هو أن تكون التعديلات الوزارية مسألة عادية في الأجندة السياسية لتدبير الحكم، وأن تكون إجراء سلسلا لا يمس البنية الثابتة والمشروعية العامة للمؤسسات، وألا تتأسس، في عصر الأنترنيت، تقاليد الإنتظارية لأسابيع وشهور، وحملات “يتحسسون رؤوسهم” التي تضر بسير المؤسسات أكثر مما تنفعها. بحيث لا ينبغي الخوف من التعديلات الوزارية.

قبل ايام، خرج محمد اليازغي ومصطفى الرميد وهما مسؤولان سياسيان كبيران – في نفس التوقيت، وقد لا يكون الأمر صدفة – للكلام عن وضع سياسي صعب يعيشه المغرب.

اليازغي تحدث عن ضرورة إصلاح دستوري وسياسي، والرميد تحدث بشكل غير مباشر – نظرا لموقعه الحكومي – عن الحاجة إلى إصلاح سياسي مرتبط بإصلاح اقتصادي واجتماعي… بدون أن ينطق بكلمة دستوري لكنه ربما قصده ضمنيا. وقد صار العديد من الفاعلين الأخرين يتحدثون عن الإصلاح الدستوري – مثل التقدم والإشتراكية وحزب الإستقلال – لكنهم ما زالوا أقلية لأن الغالبية لا تتقاسم هذا الموقف، وما زال هذا الأفق يبحث عن توافق أو عن مبادرات فيها نوع من الخيال. وإن كانت النزعة الدستورانية ليست بالضرورة هي المحرك المنعش للسياسة.

خرجة محمد اليازغي ومصطفى الرميد رفعت من مستوى النقاش بالنظر إلى ما تعرفه الساحة من انحطاط فظيع. لكن المشكل هو أن التواصل السياسي للنخب خاصة الحاكمة، ما زال ضعيفا، لان النقاش السياسي والإقناع في لعبة الدمقراطية ينبغي أن يكون يوميا ومسترسلا حتى يكون مثمرا ويعالج الأزمات. والمشكل الثاني هو أن مصداقية الأحزاب تآكلت وتراجعت كثيرا. ولهذا فإن أجندة الدخول البرلماني، والمتمثلة أساسا في مناقشة الميزانية وانتخاب رئيس جديد لمجلس المستشارين – قد لا تثير تحولات استثنائية. ولو أن الإنشغال بالسياسة عندنا صار حاضرا بقوة في التفاصيل الكبرى والصغرى. إن من تجليات الأزمة السياسية حسب الأخصائيين هو أن العالم اليوم يعيش أزمة للتمثيلية البرلمانية التي صارت تتراجع، عموما، لصالح الدمقراطية التشاركية. وهذه الأخيرة تجسدها استطلاعات الرأي اليومية في الغرب، وتجسدها في المغرب المشاركة في الفايسبوك، وذلك في غياب تقنين لاستطلاعات الرأي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *