منتدى العمق

موسم هجرة الريفيين إلى إسبانيا

عرف الإنسان منذ أن بدأ يصنع لنفسه تجمعات أو عشائر تحميه من مخاطر الطبيعة، هجرات متعددة هربا من الإندثار وبحثا عن الإستمرارية، غير أن هذه الهجرات تختلف حسب الزمان والمكان وحسب شروط العيش لدى أي شعب أو تجمع كيفما كان.

إن تطور الإنسان وتسلقه سلم الحضارة جعله يعيش في تجمعات أو ما يطلق عليه بالمجتمعات التي ستعرف نوعين أساسيين من الهجرة، هجرة داخلية وأخرى خارجية، فرغم اختلاف الهجرات إلا أن الهدف منها لا يتغير وهو البحث عن التغيير إلى ما هو أفضل وهدا التغيير هو الذي دفع بالمغاربة نحو الهجرة والتخلي عن بلدهم الذي فقدوا فيه الأمل في التغيير وبدأوا الهجرة نحو تحقيق أحلامهم التي وضعت في رفوف طالها النسيان.

على العموم فالهجرة بالمغرب يطغى عليها طابع الهروب من الفقر بحثا عن “العيش الكريم” المطلب الذي لطخ الكثير من اللافتات الخاصة بالإحتجاجات، وصدحت به حناجر الأحرار والحرائر بالشوارع، وكذلك جل التنظيمات التي تتبنى هموم الشعب المغربي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار،فالبحث عن لقمة العيش هو الدافع والمحفز الرئيسي الذي يؤطر الهجرة بالمغرب، أما ما يتعلق بالهجرات الأخرى كهجرة الأدمغة مثلا أو البحث عن أماكن الراحة والإستجمام فهي تقتصر على فئة محدودة ومعدودة على رؤوس الأصابع، أي أنها تبقى هجرات بعيدة كل البعد عن واقع المجتمع المغربي الذي يموت أبناءه في قوارب الموت، وطحنا في حاويات الأزبال…!

فبين هذا وذاك يبقى السؤال الذي يطرح نفسه دائما، ما هي الأسباب وراء تفكير أبناء الريف في الهجرة؟ ثم ما علاقة الهجرة بالإعتقالات التي طالت نشطاء الحراك الشعبي بالريف؟

الريفييون بين مطرقة الإعتقالات وسندان التهجير:

حاولت إختيار مصطلح التهجير هنا عمدا مكان الهجرة كون أن الهجرة التي يعرفها الريف اليوم ليست هجرة من أجل البحث العلمي، أو من أجل السياحة والبحث عن “متعة التدليك” أو الإسترخاء، أو تغيير نمط العيش هروبا من الروتين اليومي، بقدر ما هي تهجير قسري بشكل غير مباشر، ويظهر ذلك من خلال انعدام أدنى شروط العيش حيث أن الدولة لم تكلف نفسها حتى عناء ربط المنطقة بشبكة طرقية تفك عنها العزلة، أما قطاع الصحة فمنطقة الريف بأكملها لا تتوفر حتى على مستشفى جامعي، ناهيك عن غياب فرص الشغل التي لعبت دورا أساسيا في الدفع بالشباب نحو الإستسلام لشبح الهجرة الذي تعود أبناء الريف في وضعه خاتمة لمطالبهم التي رفعوها في أكثر من محطة للدولة التي دائما ما كانت تجيب عنها بالإعتقالات والإغتيالات تارة، والتهجير تارة أخرى.

إن الخطاب التاريخي للراحل الحسن الثاني الذي وصف فيه أبناء الريف بالأوباش وأنهم يعيشون من التهريب والمخدرات ليس بغريب عن أبناء المنطقة، كون الجميع يعلم أن المنطقة لولا التهريب والمخدرات والمهجرين الذين يعيشون بالخارج لوجدت الريف اليوم يموت أبناءه جوعا وعطشا، إذا فالريف يحمد الله على هذا المنبع الذي رغم عدم قانونيته إلا أنه ساهم في الحفاظ على استمرارية أبناءه إلى اليوم، وهم -أبناءه- بدورهم حملوا معهم داكرتهم المشتركة التي تتقطر دما بتضحيات أجدادهم في سبيل التحرر من أغلال عبودية المستعمر.

من طحن محسن فكري إلى استشهاد حياة:

إن فئة الشباب في الهرم السكاني بالمغرب حسب المندوبية السامية للتخطيط في الإحصاء الأخير لسنة 2014، تشكل الأعلى نسبة، ما كان ولا يزال يستوجب ويستلزم على الدولة القيام بعدة إجراءات ليتم استوعاب طموحات وأحلام هذه الفئة عبر خلق فرص الشغل بالدرجة الأولى التي ستحد من البطالة من جهة، ومن جهة أخرى ستساهم في نمو الإقتصاد الوطني الذي سيخرج الدولة من دوامة الركود الإقتصادي الذي تعاني منه داخليا ما جعلها توجه السوق نحو الخارج أكثر من اعتمادها على الرواج الداخلي ما يساهم في خلق فوارق اقتصادية كبيرة جدا، لكن ما نشاهده ونراه بشكل يومي أن العاملين في الحقل السياسي بشكل عام قاموا بتغييب متطلبات هذه الفئة -الشباب- من الإستراتيجيات التنموية التي يتم تسطيرها، ما ساهم بشكل كبير في التفكير بمنطق الهجرة للبحث عن البديل الذي سيلبي حاجيات ومتطلبات الشاب المغربي الذي وصل إلى حد طلب اللجوء الإجتماعي والسياسي… في الدول الأوروبية على أن يبقى بالمغرب، فكل ما يمكن قوله في هذا الصدد إننا نعيش مهزلة القرن بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

تعد هذه الأسباب من بين أكبر الضغوطات التي يعاني منها الإنسان المغربي بشكل عام، هذا ما أكده استشهاد محسن فكري، فبعد طحنه مباشرة كل ذلك الضغط الذي كان يحمله شباب الريف انفجر ليتمخض عنه بركان الحراك الشعبي الذي ما هو إلا نتاج الإستهتار واللامبالات التي تمارس وتحاك سياسيا تجاه هذه الفئة، وهنا سيتم تفعيل المقاربة الأمنية (الإعتقالات، القمع…) لإمتصاص الغضب الشعبي ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة التي علقت فيها الدولة

بعدما أعطت هذه المقاربة مفعولها وتم القضاء على الفعل الإحتجاجي نوعا ما، لم يجد الشباب منفدا أخر غير الهجرة والإستسلام لقوارب الموت، فحتى النساء لم يسلمن منها -الهجرة- وخير دليل على ذلك استشهاد حياة التي وشحت بوسام التضاد، لأنها تحمل إسم حياة فأختير لها الموت نكاية في إسمها.

ونحن بصدد الحديث عن واقع منطقة الريف الكبير استوقفتني لحظة تأمل في ظاهرة الإنتحار التي بدأت تتزايد بوتيرة أسرع في الأونة الأخيرة، والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة تستهدف فئة الشباب بشكل كبير وغالبا ما تكون الأسباب وراء هذا الإختيار هو انعدام شروط العيش الكريم، وغياب العدالة الاجتماعية وغيرها من مظاهر الديمقراطية التي ترنوا هذه الفئة إلى تحقيقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    عرفت بلادنا في هدا الأخير أن السبب وراء الهجرة هو وعي الناس لاأن بلدهم لم يعطيهم شئ والهجرة هو الحل