أخبار الساعة

التحلل الطبيعي للبلاستيك.. كارثة مؤجلة

تحول البلاستيك منذ نهاية القرن الماضي إلى منتج مثير للجدل بسبب آثاره الكارثية على البيئة، ورغم عدم وجود حلول ناجعة للحد من مخاطره تواصل الكميات المنتجة سنويا على مستوى العالم ارتفاعها على أمل أن تتولى الطبيعة إنجاز ما عجز عنه البشر، وهو التخلص من الكميات المهولة من هذه المادة بتحللها طبيعيا.

لكن هل ينتهي خطر البلاستيك فعلا بتحلله الطبيعي بعد عقود طويلة؟ الإجابة التي تقدمها بعض الدراسات العلمية ولا يتوقعها الكثيرون هي ليست فقط بنفي ذلك بل كذلك بتأكيد أن الخطر الحقيقي للبلاستيك قد يبدأ مع تحلله طبيعيا.

لم يعد ينظر إلى البلاستيك اليوم كأحد مشتقات البترول المفيدة كما كان الأمر في ستينيات القرن الماضي عندما استحق لذلك جائزة نوبل في الكيمياء عام 1963 تقديرا للأبحاث التي أدت إلى ابتكار محفزات كيميائية تمكن من تصنيع عدد من أصناف البلاستيك المستخدمة حاليا في مجال التعليب واللف.

وأصبحت صناعة البلاستيك منذ تلك الفترة تتمتع بأهمية كبرى، وتساهم في تطوير الكثير من القطاعات كالصناعات الغذائية والبناء وصناعة السيارات والإلكترونيات والطيران.

ويلعب البلاستيك في مجال الصناعات الغذائية دورا كبيرا في تطوير سلامة الأغذية باعتباره وسيلة لف زهيدة الثمن تحمي المواد الغذائية من التلوث.

ويقول الخبراء إن إنتاج البلاستيك بلغ ثلاثمئة مليون طن سنويا، وستتواصل الوتيرة المتسارعة للإنتاج لتتضاعف خلال العقدين المقبلين على مستوى العالم.

ولئن سجلت بداية القرن الحالي تنامي الوعي بضرورة الحد من مخاطر هذه المادة بحظر استخدامها في بعض المجالات (مثل صناعة الأكياس ذات الاستخدام المتعدد) أو إعادة التدوير فإن هذه الحلول لا تشمل في الحقيقة سوى نسبة ضئيلة من الكميات المنتجة، خاصة عمليات التدوير المغلقة التي تتم إلى ما لا نهاية.

وأمام هذا العجز عن إيجاد حل للمشكلة تقدم عمليات التحلل الطبيعي للبلاستيك فرصة أخيرة للتخلص من كميات البلاستيك المهولة التي تلوث الأرض، لكن بعض الدراسات العلمية تؤكد أن الخطر الحقيقي للبلاستيك يبدأ مع تحلله في الطبيعة.

تستغرق عملية التحلل الحيوي الطبيعي للبلاستيك من بضعة عقود إلى ألف سنة لتتفتت بعد ذلك الجسيمات البلاستيكية شيئا فشيئا وتبلغ في الأخير أحجاما نانوية، وهو ما ينتظر أن يحدث على نطاق واسع مع نهاية القرن الحالي.

وعلى عكس الفكرة السائدة بأن التحلل الطبيعي سيخلص البيئة من مخاطر البلاستيك فإن الكثير من الباحثين يعتقدون أن مرحلة الخطر الحقيقي ستبدأ مع انتشار الجسيمات النانوية البلاستيكية في الطبيعة، حيث ستتمكن هذه الجسيمات من الانتشار في كل مكان تقريبا ومن النفاذ داخل الكائنات الحية.

وسيسمح الحجم الضئيل لهذه الجسيمات باختراق أغشية الأنسجة الحية داخل أجسامنا لتترسب في الكبد وتسبب اضطرابا كبيرا في وظائفه، وستغزو هذه الجسيمات كذلك جميع عناصر سلسلتنا الغذائية النباتية منها والحيوانية.

ولا تبدو هذه التوقعات مجرد استشراف علمي لما يحدث بعد عقود طويلة، بل دراسات علمية ميدانية تملك مؤشرات على ذلك، فقد تم العثور خلال السنوات الماضية على جسيمات بلاستيكية مجهرية ونانوية في مصادر مياه الشرب وفي الأملاح المستخرجة من البحار وفي الكائنات البحرية.

وأججت تلك الاكتشافات الحملات الإعلامية لرفع الوعي بأضرار النفايات البلاستيكية على البحار والمحيطات رغم أن كميات النفايات البلاستيكية التي تلقى سنويا في المحيطات لا تمثل سوى 2 أو 3% من مجموع النفايات المنتجة سنويا التي تقدر بثلاثمئة مليون طن.

كما أثبت العلماء أن البلاستيك في المراحل المتقدمة من انحلاله لا يختفي بل يتجزأ إلى جسيمات أصغر في الحجم تمتلك حركية أكبر وقدرة على اختراق الكائنات الحية.

وفي السنوات الماضية سلط العلماء المشاركون في بعثة “القارة السابعة” العلمية ضوءا صناعيا شبيها بضوء الشمس على عينات من النفايات البلاستيكية من شمال المحيط الأطلسي، وسرعان ما لاحظوا تفتت قطع ذات أحجام ميكرومترية إلى جسيمات نانومترية أصغر ثلاثين ألف مرة من حجم الشعرة الواحدة، وقدر العلماء أن قطعة من البلاستيك بحجم مليمتر واحد يمكن أن تنحل إلى ألف مليار قطعة نانوية.

لكن الأخطر من كل ذلك هو عدم وجود حلول علمية لمجابهة هذه الكارثة المحتملة، وعلى الأرجح لن يكون من السهل إيجاد حل لهذه المشكلة في المستقبل رغم التطور السريع للتقنيات والذكاء الصناعي، فسباق الزمن لن يكون لصالح البشرية على المدى البعيد، وكلما عجل الانسان في إيجاد حلول مبتكرة وناجعة للتخلص من البلاستيك كان ذلك أفضل.

وللأسف لا تبدو إعادة التدوير باستخدام التكنولوجيا المتوفرة حاليا من بين الحلول التي ستحول دون تفاقم خطر البلاستيك في المستقبل، فأغلب هذه العمليات تنتهي بعد عدد محدود من الدورات ولا تشمل إعادة التدوير اللانهائية سوى نسبة تقل عن 2% من كميات البلاستيك المنتجة سنويا، لذلك فهي تؤجل المشكلة ولا تحلها.

في المقابل، فإن هناك الكثير مما يجب على البشرية القيام به اليوم للحفاظ على بيئة سليمة تؤمن استمرار الحياة على الأرض في المستقبل البعيد كخفض إنتاج المواد البلاستيكية وإيجاد حلول لتخزين الكميات المنتجة لمنع إلقائها في الطبيعة مثلها مثل المواد الخطرة كالنفايات النووية، في انتظار إيجاد حلول تقنية مناسبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *