وجهة نظر

الشاي والصحافة والمخزن

بينما كان النقاش محتدا بين الأصدقاء ،النادل هل تشرب الشاي باللويزا أم بالنعناع؟ وأنا تائه وسط زحمة المقهى أبحث عن كرسي شاغر، لأشاركهم متعة النقاش الجاد ولذة شرب الشاي في زمن أصبحت فيه المقاهي مكانا حاضنا للنميمة والثرثرة ونشر الإشاعة ومصدرا لمواقع آخر زمان ،حقا اليوم الذي لا أشرب فيه الشاي يوم ضائع،بالكاد عثرث على كرسي متهالك منسي في ركن قصي من الفضاء يبدو أنه يستعمل كاحتياط في ليالي المباريات الرياضية التي تلهب الناس في بلدتي أكثر من اللقاءات الفكرية التي تقام في غالب الأحيان أمام كراسي فارغة اللهم فئة معدودة على رؤوس الأصابع مسكونة بالهم الثقافي.جلست فوق الكرسي بصعوبة بالغة ووضعت رزمة من الجرائد والمجلات على الطاولة كعادتي.

لم أكد أتنفس الصعداء بعد يوم متعب بين الإدارات ،فأكبر عقوبة في المغرب هي أن تكون في حاجة إلى عدة وثائق إدارية ،قضيت ثلاثة أيام من الركد بين المصالح والنتيجة وثيقة يتيمة أين الشباك الوحيد الذي يطبلون له في قنواتهم الجامدة؟هل أكمل المشوار في رحلة البحث عن المجهول أم أحرق هذا الملف وأنسى هذا المشروع الذي فكرت فيه في لحظة حماس زائد في وطن لا يشجع على المبادرة والإنتاج والإجتهاد ويكرس البيوقراطية والإتكالية واقتصاد الريع.

في غمرة هذا رمى صديقي في وجهي السؤال المؤرق: هل تعتقد أن الجرائد والمجالات في وطننا هذا تستحق القراءة ،الجرائد اليوم تبحث عن الربح فقط همها الرئيسي الإشهار ،هل تعتقد أن جرائد الجرائم والرياضة والمنوعات تصنع رأيا عاما بالمغرب؟.

في تلك اللحظات طافت بخلدي أفكار قاتمة عن المشهد الإعلامي بالمغرب وقلت لصديقي هذا حكم قيمة وانطباع شخصي غير مبني على دراسة علمية حيال واقع موبوء ومع هذا الضجيج الإلكتروني إختلط الحابل بالنابل والذي لا يجد ما يفعله ينشئ موقعا إلكترونيا ويبدأ في قصف الناس وهو لايفرق بين الخبر والرأي والتحقيق وتجده ينظر في أخلاقيات المهنة حاصلا على بضعة جيمات تقدمها له المواقع الإجتماعية بسخاء غير مفهوم، رغم كل هذا هناك جرائد ورقية تحترم ذكاء القارئ جرائد موضوعية مهنية وتتمتع بالإستقلالية لكن أتفق معك وأطرح بدوري السؤال ماذا عن لعنة الإشهار؟.

صحيح فالمؤسسات الصحافية التي ينحصر رهانها في البحث عن المستشهر الذي سيغطي تكاليف الإنتاج ستبقى رهينة لسلطة سياسية تحاول التأثير على الرأي العام وتوجيهه ،ويصبح سوق الإشهار كابحا لحرية الصحافة بدل المساهمة في تطويرها نوعا وليس على مستوى الكم حيث أن العدد الكبير من الصحف بقدر ما يعكس التعدد والإختلاف فانه يعمل على تمييع العمل الصحفي وتبخيسه.
على النقيض من ذلك نجد صحفا تحاول الضغط على بعض الشركات المحتكرة لسوق الإشهار بإثارة ونشر أخبار ومواضيع تسيئ إليها ،مما يدفع هذه الشركات إلى الإستفادة من امتيازات وحصص للإشهار ويغيب المهنية ولا يخدم المصلحة العامة.

وليس لغوا القول إن الجرائد تعيش وتنمو وتضمن حياتها بالتمويل المقدم من قبل عدة أطراف في غياب دعم الدولة الذي يظل رهين تدخلات قوى نافذة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مما يمس بالخط التحريري وبالتالي ضياع هوية الصحيفة وضياع نسبة مهمة من القراء.

والواضح أن المؤسسات الصحافية تعيش على إيقاع تعثرات تعيق استمراريتها ،فأمام التحولات التي تعرفها “صناعة الإعلام” الورقي من ارتفاع أثمان الورق وتزايد مصاريف الطباعة والنشر والتوزيع فإن التمويل لا يعتمد إلا على قوى سياسية أو اقتصادية لكون المبيعات لا يمكنها تغطية هذه التكاليف بآعتبار أن المجتمع المغربي ليس بمجتمع قارئ ،هذه القوى المدعمة أو الممولة للجرائد تعمد إلى ترويج خطابها وتضمن كذلك عدم المساس بمشاريعها،وهذا يمس بحرية الصحافي ويضرب مصداقية الصحيفة ويعيد طرح سؤال الموضوعية.

بناء على هذا على الممارسة السياسية أن تكون أخلاقا لتعزيز دولة الحق وتعزيز البناء الديمقراطي والتداول على السلطة دون بولميك إذا أريد لها أن تكون فعالة وذات جدوى وغير عقيمة.

من جانب آخر على الإعلام أن يسائل الواقع وحدود عمل السلطة وإمكانيتها ،حيث أن السياسي يوظف الإعلامي ليخدم طروحاته بغرض الوصاية عليه أو تحيين الفرصة لإدانته بآستعمال سلطة القضاء إذا لم يخدمه خاصة إذا طرح سؤال شرعية المؤسسات السياسية أو مناقشة قواعد الحكامة والشفافية المطلوبة في كل من يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام.

حقا صديقي الوجه الآخر للصحافة الذي تقصد وتتحدث عنه فهي صحافة مدجنة صحافة أوامر تنتظر إملاءات الجهات العليا لمعرفة متى تتحدث ومتى تصمت ومتى تنحني حتى تمر العاصفة دون النبش في مظاهر الفساد والفشل والإختلالات .

صحيح أن ما يميز إعلام الدولة هو المحاباة وتمجيد المنجزات والبصبصة بالذيل والتمسح بالأعتاب، أما الإعلام الحقيقي الجاد فذلك حديث آخر لا نجد له أثرا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *