أخبار الساعة، وجهة نظر

الحكومة والمعارضة وجطو

“ينبغي أن يكون الدستور قصيرا ومبهما” نابليون بونابارت.

كان دائما يثير استغرابي بعض مما ورد في النص الدستوري، خاصة في علاقته بمؤسسات الحكامة، فنجد كأنه منح للمجلس الأعلى للحسابات حق ممارسة المعارضة، أو بشكل آخر، منح لمؤسسات الحكامة معارضة الحكومة، فهل الاستثناء المغربي مرة أخرى؟

كنت أتمنى أن يكون التقرير الذي قدمه إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان الثلاثاء الماضي، موضوع مناقشة، للوقوف على ما ورد في نص التقرير، بل الأغرب من ذلك هو توقيت عرض هذا التقرير أمام البرلمان، حيث جاء عشية شروع نواب الأمة في مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2019 بمجلس النواب.

وهكذا ستختلط التدخلات، بين مناقشة القانون المالي الذي يهم المغاربة عموما، وقراءة مضمون تقرير جطو الذي يهم البرلمانيين، وبالتالي ستختلط علينا خطابات المعارضة، وهذا يطرح السؤال التالي، هل كلما فشلنا في المعارضة علينا أن نوظف ما جاء به المجلس الأعلى للحسابات رغم أنه يناقش الماضي، بينما مشروع قانون المالية فهو يناقش الحاضر والمستقبل؟ وكأن الزمن السياسي لا يتحكم في منطق السياسيين؟

يبدو أنه حين نفكر كل مرة في هذا الدستور، نشعر بكثير من التوتر، وكأن هذا الدستور وضع لخلق توترات سياسية، فنجد أن مؤسسات الحكامة أصبحت تقوم بما يجب أن تقوم به المعارضة، أو حتى الحكومة، فالمجلس الأعلى للتربية والتكوين يقوم بدور المعارضة والحكومة فيما يهم التعليم، والمجلس الأعلى للحسابات فيما يهم المالية العمومية، في حين أن المحكمة الدستورية الناظمة لخيوط الدستور، نجدها تفسر الأحكام وتصدر الاجتهادات وفق ميزاجات متعددة، تختلف من حالة إلى أخرى، أما تلك المؤسسات كمجلس المنافسة، والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، والتي يمكن أن تكون الحاسمة، فقد تم تجميدها.

أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فقد قيل لنا أنه على الحكومة أن تصدر مرسوما بعد تعيين الرئيس، علما أن هذا الرئيس ثم تعيينه بمرسوم سابق وتشكيلة سابقة، وأن المطلوب ليس هو تعيين الرئيس لإصدار مرسوم مادام هذا الرئيس جاء لاحقا، بل على الحكومة أن تصدر المرسوم، لكنها ربما تنتظر الضوء الأخضر من جهة ما، أو فقط تخفي عجرها من خلال الاختباء وراء معطيات غير قانونية، فلا يعقل أن يكون رئيس حزب هو في نفس الوقت رئيس مؤسسة للحكامة، هل هو الاستثناء المغربي مرة أخرى؟

دعونا نعود لبنية الدستور الجديد، التي نجدها رغم أنها قامت بتفكيك مفهوم واختصاصات السلط الثلاث، لا تزال مؤسسات الحكامة هي التي تقرر بدل أن تشار فقط، والحكومة باتت تلعب دور ساعي البريد، أما البرلمان، فما عليه إلا أن يقبل، وهكذا اكتشفنا أن الدستور الذي وضع، كان دستورا لجبر الخواطر وليس لبناء هندسة دقيقة لمؤسسات الدولة، فهل علينا أن نعود من جديد لنفكر في تعديل أو إصلاح هذا الدستور؟ أم فقط علينا الاجتهاد أكثر لكي نخرج منه ما لا يوجد فيه؟

إن المعارضة لا تحتاج إلى المجلس الأعلى للحسابات لتقوم بدورها، كما أنه على أحزاب الأغلبية أن لا تقوم بدور معارضة المجلس الأعلى للحسابات، فهذا خليط دستوري وتفكك مؤسساتي، أضاع حقيقة السلطة بسبب تفاصيل معقدة، وبات يثير أكثر من سؤال حول من سيصمد أمام هذا التضارب الكبير، هل الدستور نفسه؟ أم المؤسسات المنتخبة ومؤسسات الحكامة؟

إن البرلمان مجال للحوار المباشر بين الحكومة ونواب الأمة، وليس من المقبول أن تأتي مؤسسة من مؤسسات الحكامة لتوزع علينا الرصاص الفكري لرمي الحكومة من مسدسات نقدنا؟ علما أن الحكومة كما يعلم الجميع مؤسسة مؤقتة بينما الدوام فهو للدستور بتناقضاته؟

فليس غريب هذا الاستثناء، ما دمنا فشلنا في كل شيء ونجحنا في استثناء لا نفهمه حتى نحن، لكننا مهوسون به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *