وجهة نظر

متى ننعم في المغرب بحق التبرز المستدام؟

بالرغم من أن الحديث أو الكتابة حول موضوع التبرز، الذي أضحى عند الإنسان المغربي في بعض المدن لا يختلف عن تبرز باقي الكائنات الحية، يثير سخرية البعض ويعتبر لدى شريحة عريضة من المجتمع من الطابوهات التي يصعب الخوض فيها، سواء في البيت أو المدرسة وكذا تحت قبة البرلمان، حيث تسن القوانين الإدارية والمالية، إلا أن المعطيات التي تنشر دوليا من لدن المنظمات الخارجية حول الوضع ببلادنا لا تسمح بجعل هذا الموضوع مثارا للسخرية أو الضحك، بل تُسائل الحكومة والجمعيات والقطاع الخاص حول تجاهل واقع تبرز المغاربة وآثاره السلبية على حياة الناس وصحتهم.

إذا كان ما يزيد عن 890 مليون شخص لا يزالون يتغوطون في الهواء الطلق، بسبب غياب أو قلة المراحيض، رغم إصدار الأمم المتحدة لقرارها رقم 291/67 بخصوص توفير فرص الوصول إلى “مرافق الصرف الصحي للجميع”، وبالرغم أيضا من الحملات التحسيسية والتوعوية والترافعية التي انطلقت قبل خمس سنوات بمختلف بلدان العالم، حول أحد عناصر حق الإنسان في الصحة والمتمثل في التمتع باستخدام دورة المياه والحصول على خدمات الصرف الصحي، لا يزال حياء البيئة في العديد من مدن المملكة يخدش بمظاهر لا تقل سوءا عن الأرقام التي تكشف عنها المنظمات المهتمة بالحق في المرحاض والصحة عالميا.

أمر لا يقتصر على واقع الشوارع والأزقة المظلمة والضيقة، حيث نشم روائح كريهة بالمدن العتيقة بمختلف عواصم المملكة، الإدارية والعلمية والثقافية والسياحية وغيرها، لكن ناقوس الخطر وأصابع الاتهام بالتقصير تصدر من المعطيات الرقمية التي تكشف عنها المنظمة العالمية للصحة سنويا، شأنها في ذلك شأن باقي المنظمات الدولية التابعة منها للأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات التي تعنى بالدراسات والتوقعات مثل المندوبية السامية للتخطيط على المستوى الوطني، من خلال حجم الوفيات والأمراض التي تنتج عن انعدام أو تدهور الصرف الصحي.

نحن طبعا لا نختلف إزاء قزازة بعض المظاهر التي نشاهدها يوميا خاصة بالمدن، حيث يتبرز المغاربة أحيانا على أسوار مصنفة كتراث عالمي من لدن المنظمات الأممية، وغيرها من المنظمات التي تعنى بتاريخ وثقافات الشعوب، بيد أن معطيات كشفت عنها دراسة أنجزت من لدن التعاون الألماني في إطار برنامج يعنى بخلق فرص الشغل في قطاع الصرف الصحي في المجال القروي، تُسائل حكوماتنا وجماعاتنا الترابية ولجننا التشريعية وجمعياتنا الحقوقية والبيئية، إذ أوضح عبد الرشيد الفاضيلي ممثل البرنامج أمس الأحد 18 نونبر 2018 في ندوة أقيمت بمناسبة اليوم العالمي للمراحيض، أن الاستثمار في توفير المراحيض سيمكن المغرب من خلق أزيد من 130 ألف منصب شغل، وخلق آلاف المقاولات الذاتية والحفاظ على كميات لا يستهان بها من المياه وتحسين ظروف تبرز المواطنات والمواطنين. فلماذا لا يطلق المغرب إذن أورشا وطنية للتشغيل تفعيلا للقرار الأممي “الصرف الصحي للجميع”، واستحضارا للأرقام المخيفة من قبيل كون ألف طفل يموتون يوميا عبر العالم بسبب أمراض مرتبطة بالصرف الصحي والمياه الملوثة التي يمكن وقايتهم منها، خاصة وأن الصرف الصحي الجيد يمكن أن يمنع نحو 850 ألف حالة وفاة سنويا.

إذا كان التعاون الألماني في المغرب يدعو من خلال برنامجه «سيزار» لدعم الاستثمار في خلق فضاءات تليق بتبرز وتغوط المغاربة وبمقاربات إيكولوجية من شأنها خلق آلاف مناصب الشغل والاقتصاد في الماء والمحافظة على نظافة الحدائق العمومية والمساحات الخضراء والشوارع والأزقة، فإن المتدخلين خلال ندوة المراحيض بمدرسة السيرك بسلا وضعوا الأصبع على جزء من الجرح من خلال توجيه العتاب للجماعات الترابية التي تتحمل بالطبع قسطا كبيرا من المسؤولية.

لكن المدافعين عن حق المغاربة في المراحيض ربما يتغاضون عن توجيه نفس الأصبع لقطاعات وزارية ومؤسسات عمومية متفرقة يعتبر توفير المراحيض للمواطنين في صميم اختصاصاتهم، من قبيل قطاع التنمية المستدامة الذي غفلت “مادام لامنيستخ”، الركوب على متن قاربها الفاسبوكي على أمواج هذه المناسبة العالمية، وتقول إن المغرب، بمناسبة اليوم العالمي للمراحيض، سينافس الهند التي تفاعلت بشكل مسؤول مع توجيهات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وأنجزت في أقل من خمس سنوات 20 مليون مرحاض، أو أن مقر وزراتها بحي الرياض قد استغني بمناسبة “كوب 24” عن استخدام الورق والماء في المراحيض..

قطاع التنمية المستدامة في بلادنا، شأنه في ذلك شأن العديد من القطاعات التي أضحت أمورها تدبر من لدن أشخاص ليس بينهم وبين هذه المجالات «غير الخير والإحسان»، يتحمل مسؤولية المساهمة في توفير المراحيض للمغاربة، بدل هدر المال العام في النقاشات الشفهية بفنادق خمسة نجوم تحت غطاء التحسيس في ندوات تستهدف هيئات تبدو متفرقة لكنها تمثل دائما بنفس الوجوه، بما أن براز وبول المغاربة لا يزال يطرح في الشواطئ والأودية، وبما أن سكان العاصمة لا يزالون يشاهدون يوميا نساء ورجالا يقضون حاجتهم أمام الملأ، وكل هذا يضعنا في قلب الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.

ومن زاوية أخرى يحق لي ولكافة المغاربة أن نتساءل عن حجم ميزانية الاستثمار وعدد المراحيض وفرص الشغل التي سيتم خلقها في إطار مالية سنة 2019.. أكيد أن وثيقة قانون المالية لم تذكر كلمة “المرحاض” ولو مرة واحدة، وهنا يكمن الخلل، بما أن فئة الوزراء وفئة البرلمانيين لا يفكرون في من يتخلصون من فضلاتهم في العراء ولا يشمون الروائح الكريهة ولا يشربون ماء “العرجات” ولا يمرون مشيا بجانب أبراج أسوار المدن العتيقة “المهددة بالانهيار”، جراء التبول اليومي للمارة بسبب انعدام المراحيض العمومية أو قلتها. بل يحق لنا أن نحلم بآلاف فرص الشغل التي سيحدثها ورش تعميم المراحيض على شوارع وقرى ومداشر الوطن.. فضلا عن الموارد التي ستوفرها هذه المراحيض للشباب.

ترافعيا، تعتبر جمعية النساء للبيئة، التي تترأسها الديبلوماسية المغربية فريدة الجعايدي، من الجمعيات الوفية للنقاش والتحسيس حول توفير الظروف المناسبة للتبرز لدى المغاربة، وهي ذاتها الجمعية التي نظمت لقاء وطنيا ناقش بشكل صريح حجم تأخر الجماعات الترابية وشركائها المركزيين على مستوى تغيير واقع ومعطيات حاجة المواطنات والمواطنين للمزيد من المراحيض سواء ببيوتهم في العالمين القروي والجبلي، وأيضا بمختلف الفضاءات العمومية، وفي الأماكن التي تحتضن التظاهرات الرياضية والفنية والثقافية، ويقتضي التعجيل بتوفير الأعداد الكافية من المراحيض المتنقلة في مثل هذه المناسبات..

وقبل الختم، أذكّر كل المعنيين بهذا الموضوع من المسؤولين بما يشير إليه الهدف السادس للتنمية المستدامة، انطلاقا من أن 3 من كل 10 أشخاص يفتقرون إلى خدمات مياه الشرب المأمونة، فيما يفتقر 6 من كل 10 أشخاص إلى مرافق الصرف الصحي المدارة بأمان. ولا يزل ما لا يقل عن 892 مليون شخص يمارسون التبرز في العراء، وأن النساء والفتيات تتحملن مسؤولية جمع المياه في 80% من الأسر التي لا تصل المياه إلى منازلها، وأن نسبة سكان العالم الذين يستخدمون مصادر مياه الشرب المحسنة ارتفعت من 76% إلى 90% بين عامي 1990 و2015.

ويفيد هذا الهدف إلى أن ندرة المياه تؤثر في أكثر من 40% من سكان العالم، ومن المتوقع أن ترتفع تلك النسبة. ويعيش أكثر من 1.7 مليار شخص حالياً في أحواض الأنهار، حيث يتجاوز معدل استنفاذ مياهها معدل تشبعها، وأن أربعة مليارات شخص يفتقر إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية. وأن أكثر من 80 % من المياه العادمة الناتجة عن الأنشطة البشرية تقذف في الأنهار أو البحر دون أي إزالة لتلوثها.

وبخصوص الخسائر البشرية يموت في كل يوم ما يقرب من ألف طفل بسبب أمراض الإسهال المرتبطة بالمياه ومرافق الإصحاح، في حين أن الوفيات الناجمة عن الفيضانات وغيرها من الكوارث المرتبطة بالمياه تمثل نسبة 70% من جميع الوفيات المرتبطة بالكوارث الطبيعية، وفق الهدف السادس ذاته.

فمتى نعلن، صونا لكرامة المتغوطين والمتبرزين، عن تحقيق نسبة 100 في المائة من المراحيض عبر التراب الوطني، ومتى يطلق البرنامج الوطني للصرف الصحي بالعالم القروي الذي ضل حبيس المديرية العامة للجماعات المحلية بحي الرياض منذ سنوات؟ ومتى توجه مياه الصرف الصحي للاستغلال في الحمامات والمسابح العمومية وسقي المساحات الخضراء وبيع الجماعات الترابية لنفاياتها ولمياه الصرف الصحي لأرباب المصانع، ومتى تباشر وزاراتنا الخضراء تثمين وترشيد مياه الصرف الصحي؟ أو متى ننعم جميعا بحق التبرز المستدام؟

*صحافي مهني – حاصل على جائزة الحسن الثاني للبيئة – صنف الإعلام 2015

Zone contenant les pièces jointes

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *