وجهة نظر

أكال.. الكيل بمكيالين !

مِن الأقوال المَأثورة: “ما هكذا تُورَد الإبل”، والقَولة هنا تُحدّد الوجهة السّليمة التي زاغَ عنها في الآونة الأخيرة رُعاةٌ رُحَّل، أضحى معها مُصطلح “زاغ” بالمعنى الدّارجي فاعلا هَمجيّا في أحداثٍ، وَثّقتها الكاميرات، وتبادلتها المنصّات الرّقمية مع كثير من الإمتعاص، لِمَا تَتضمّنه من مشاعر الإذلال، وإيحاءات بالتّحدّي والتّجبّر في مقابل تروّي وحَذر، قِيسَا بغير جَدواهما، وبعكس المُراد من التّحلي بهما، إنضباطا وإحتراما لمَنزلة سُوس في قَلب الجنوب المغربي.

مُؤكّدٌ والشّاهد هنا شارعٌ تَحوّل إلى مَحجّ للمُحتجّين، وبرلمانٌ صار نصبا للرّاجمين، أنّ المغاربة بمختلف مستوياتهم الإجتماعيّة قد عبّروا عن جامّ غضبهم في ملفّات عديدة، قاسمُها المشترك ضرَر لَحقَ بقومٍ هنا أو بقومٍ هناك، إذا حَلَلْتَ بينهم، كان لوَقع الضّرر نفسُ التّأثير عليك، كما أقَرَّت بذلك مؤخّرا ساحة الأمم المتّحدة بالدّار البيضاء، حينما تَحوّل فضائها الرّحب إلى مسرحٍ، أبدَع فيه الأمازيغ بسلميّة منقطعة النّظير مَسيرةً حضاريّة، جَسّدَت بأرقى الفنون نقيض ما حِيك حَولها من توجّسات.

لن نزيد على ما قيل في حقّ المشرفين عليها والمشاركين فيها، إلّا أنّها كانت مثالا للوطنيّة، وترجَمةً لنُبلِ القِيَم، واعترافا بمسؤوليّة المؤسّسات في إيجاد الحلول للمُعضلات، بعيدا عن أيّ إلتباس في غَير مقاسِ حُماة السّلم الإجتماعي، كركيزة من المُجحف طمسها، وهيّ المُتلئلئة بوَميضها البرّاق في تاريخ رُعاةِ سِلم آخر، خرج من صُلب السّلم عَينِه، أنكَرَه مَن أنكَره، ولكنّه ظلّ حاضرا مُصانا، تحفظه كنانيش الكريدي، منذ أوّل معاملة أوْقَدَت بِفَضلِ مُول الحانوت فُرنا في مطبخ المَظاهر الأولى لحياة التّمَدُّن.

قَد يَذهب بنا الحديث إلى أبعَد ممّا تَتحمّله الأوصاف من معاني الوفاء والإخلاص، إذا ما تغوّلنا في جُزئيّاتِ تَركيبَة السُّوسِي، لأنّ التّفاصيل ستُحيلنا على تفاصيل أخرى، كُلّما دَقَّقنا فيها تفَرّعَت، وتعقّدت بالتّالي وما قد يليه مُعاودَةُ تَجميعها في نموذجٍ آخر غيرَ السّوسي. ذاك السّوسي الذي أثبتَ بين ذَويه، وضمن مَن يَدور برفقتهم في فلك الرّجاء والتّعَفّف، أنّ الأرض أُمٌّ تَتبنّى بالفِطرة، ولا تَثْكَل.

إنّنا والحالُ أنّ الكلام إذا كَثُر، أصبح بلا طائل، أمام مُعضلاتٍ وَجبَ تَفكيكُها، لِحَلّها اليوم قبل الغد، سيّما وأنّ الواقع يُنذر بإستفحالٍ تفاقمَ، مَردُّه إلى إستفحالٍ طَرأ ونَجم عن أصل مشكلاتٍ، كانت فيما مضى بالأعراف تُحسَم.

وفي حديث آخر، أو كما يُقال بالعَربيّة تاعرابْتْ، فإنّ التّغاضي عن تفضيل إستثمارٍ في الثّروة الحيوانيّة على إنصافِ العُنصر البَشري وموروثه الثّقافي في جنوبٍ، إنطلقت منه مُقاومة الإستعمار، وخَرج منه أوّل مُعيلٍ للحُومة، سَنّ سياسة الإقتصاد التّضامني، وكرّسَ بوطنيّة عالية لثقافة التّعايُش في مدن الإستقلال، لَهُوَّ بدون مبالغة تَمادِي، وأيُّمَا تَمادِي في الكَيْلِ بِمِكْيَاليْن، لن يكون لما بَعده تداعيّات، أسوءُ من نتائج الأرض المَحروقة!!

بالنّهاية، المَجدُ لأهل سُوس، في حُبّ الوَطن سَواسِيّة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *