سياسة

إصدار جماعي يغوص في مآلات التحول الديمقراطي بالمغرب منذ 20 فبراير

صدر حديثًا عن سلسلة “دراسات التحول الديمقراطي” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إصدار جماعي يحمل عنوان “20 فبراير ومآلات التحول الديمقراطي في المغرب”، ويقع في 832 صفحة، قسمه محرره مراد دياني إلى ستة أقسام، وكل قسم يتضمن 4 فصول.

ويعنى هذا الإصدار الجماعي بدراسة التجربة المغربية في عُقب الحراك الشبابي والشعبي في عام 2011 وتحليلها، على نحوٍ موصول بالفترة التي سبقتها والفترة التي تليها، من دون أن يروم مقارنةً للانتقال الديمقراطي، ولاسيما بالنسبة إلى التجارب الدولية المعاصرة الرائدة في مجال التحول الديمقراطي.

وقدم جون واتربوري تمهيدًا لهذا الكتاب بعنوان المغرب 2018-2011: المضيُّ قُدُمًا أم في حلقة مفرغة؟، حيث يضع التحولات المعاصرة في المغرب ضمن إطار العالم العربي الأشمل وتحولاته في أعقاب الانتفاضات العربية التي اندلعت في عام 2011، ويقول إنّ الانتقال الديمقراطي في المغرب لا يمضي قُدمًا، بل يدور في حلقات مفرغة.

مقدمات الربيع المغربي وتجاذباته
وتمحور القسم الأول من هذا الكتاب حول مقدمات الربيع المغربي وتجاذباته، عبر أربعة فصول، أولها حول “النظام السياسي المغربي وحراك 2011: الاستقرار الهشّ بديلًا من الديمقراطية”، حيث يعود محمد الساسي إلى بدايات الحراك المغربي في مستهلّ عام 2011، ليعرض مسار تجربة “التناوب الثاني” ويحلل حدودها، وليدرس شعار “الاستثناء المغربي” الذي قول إن فكرته بُنيت على قاعدة وجود استقرار في البلد، وفوضى في بلدان المنطقة، في حين أن القاعدة هي “وجود الديمقراطية”.

ويرى المعطي منجب في الفصل الثاني، المعنون بـ”الربيع المغربي: الجذور والسياقات التاريخية”، أنه سيكون صعبًا فهم خصوصيات الربيع المغربي من دون استعراض أسسه التاريخية الحديثة، في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بوصفها عوامل للتعبئة، وعقبات في وجه الديمقراطية.

أما الفصل الثالث، فيعود عبد الرحمن رشيق عبر “حركة 20 فبراير: تتويجٌ للاحتجاجات في المغرب”، إلى عملية الإرساء التدريجي لتقليد الاحتجاج الاجتماعي في الفضاء العام في المغرب، من خلال المرور من ظاهرة الاضطرابات الشعبية خلال ثمانينيات القرن الماضي إلى الفعل التظاهري في التسعينيات، بصفتها عمليةً تسم الانتقال من زمن العنف العسكري إلى زمن عنف الشرطة، ومن زمن المساومات والترهيب إلى زمن التفاوض والتنازل والحوار.

وفي الفصل الرابع، تحدي الحريات الفردية في المغرب: نشأة حركة اجتماعية في بيئة مناوئة، يبحث أحمد بنشمسي في النقاش الدائر في المغرب بشأن الحريات الفردية في جوانبه القانونية المناهضة للحريات، وفي التسوية الاجتماعية وخصوصًا منها المحفوفة بالمخاطر، وفي وضعها الديني الملتبس، بالعودة إلى جذور حركة الحريات الفردية في بداية ستينيات القرن الماضي، وصولًا إلى حركة 20 فبراير.

الأرومة الدستورية
وفي هذا القسم المعنون بـ”التحوّل الديمقراطي في المغرب: الأرومة الدستورية، تلاحظ رقية المصدق في الفصل الخامس “ملكية دستورية أم ملكية تقديرية؟”، انحراف السلطة التأسيسية الفرعية التي تُعدّ المَلَكية المالكة الفعلية لها، من سلطة لتعديل الدستور إلى سلطة تأسيسية أصلية مكتسحة. وتخلص إلى أن الدستور الجديد تحوّل إلى مجال تقديري يؤسّس لملكية تقديرية لا تستمدّ صلاحياتها من وثيقة سامية وملزمة، وإنما من دستور تقديري، ما يبتعد عن الملكية الدستورية.

أما الفصل السادس، حركة 20 فبراير والنظام الدستوري المغربي: آثار هزّة غير متوقعة، يستجلي محمد مدني آثار هزّة حركة 20 فبراير المباغتة في النظام الدستوري المغربي، بعيدًا عن فرضية اعتناق الملكية المغربية المفاجئ مبدأ الديمقراطية الدستورية، بما يهدف إلى تجديد الدستورانية المغربية أو إدخال ثقافة دستورية جديدة في المشهد السياسي.

وينطلق عبد العلي حامي الدين في الفصل السابع، بين التأويل الديمقراطي للدستور وواقع الممارسة: عن الأساس الديمقراطي للسلطة التنفيذية في ظلّ دستور 2011، من التفاعل الإيجابي مع المراجعة التي خضع لها الدستور غداة حراك 20 فبراير، فيرى أن الوثيقة الدستورية الجديدة لعام 2011 تتضمن الكثير من عناصر التطور مقارنةً بدستور 1996، في حين أن الانتقال من النص إلى الممارسة يتطلب، في ظلّ “متحوّل” النص و”ثابت” الممارسة، إعمال أدوات التأويل الديمقراطي للدستور.

أما الفصل الثامن، المعنون بـ”هيئات الحكامة في الدستور المغربي: الحكامة أم الديمقراطية؟”، فيتناول فيه حسن طارق موضوع دسترة المؤسسات الوطنية والمجالس الاستشارية من أربعة مسارات: التأمل في الممارسة الاستشارية داخل التجربة الإدارية والدستورية المغربية منذ الاستقلال؛ وتحليل ظهور تقاليد الضبط والتقنين وترسّخها داخل البنية المؤسساتية؛ وقراءة تجربة المؤسّسات الوطنية العاملة في مجالات حقوق الإنسان؛ واستحضار الأنموذج القانوني للسلطات الإدارية المستقلة.

المنطلقات والعوائق
القسم الثالث، المعنون بـ”التحوّل الديمقراطي في المغرب: المنطلقات والعوائق”، ينطلق حسن أوريد في الفصل التاسع، “بيان وضع انتقال ديمقراطي مجهض، من التناوب السياسي الذي بدأ مع حكومة عبد الرحمن اليوسفي (1998)”، والذي أُريد له أن يكون حجر الزاوية للانتقال الديمقراطي، ليُبرز الانتهاكات التي تعرّض لها هذا التناوب، أو ما عدّه بعضهم “فرصةً ضائعة في ورش الدمقرطة”.

وفي الفصل العاشر، الانتقال العسير إلى الديمقراطية: دراسة للتجربة المغربية، يتناول عمر إحرشان مصير التحول الديمقراطي في المغرب، متسائلًا عن نجاحه وفشله، وإن كان قد بدأ أصلًا، وعن تقدمه وتراجعه، وتباين إيقاعاته.

أما محمد المرواني فيتساءل في الفصل الحادي عشر، المسار الإصلاحي بالمغرب: انتقال ديمقراطي أم انفتاح سياسي؟، إن كنّا بصدد انتقال ديمقراطي في المغرب، أم بصدد مسار من الإصلاحات يوصف بمسار الانفتاح السياسي؛ أي إن كانت التجربة المغربية تستجيب لشروط الانتقال الديمقراطي ومتطلباته ومعاييره، أم تفيد تكيّفًا سياسيًا فحسب للسلطة السياسية القائمة؟

وفي الفصل الثاني عشر، مسارات التحول الديمقراطي بالمغرب: محاولات وعوائق، يعرض محمد حفيظ إشكالية تعثّر الانتقال الديمقراطي بالمغرب، مؤكّدًا أن من أجل فهم المحاولة الأخيرة لإقرار نظام ديمقراطي بالمواصفات المتعارف عليها، خصوصًا في ما يتعلق بمسألة الحكم وسيادة الشعب، والتي انطلقت تحت ضغط الشارع في عام 2011، من الضروري النظر في المحاولات السابقة التي رفعت مطلب الدولة الديمقراطية أو وعدت بها.

السياقات المحدّدة
أما القسم الرابع، الذي يتحدث عن الانتقال الديمقراطي في المغرب: السياقات المحدّدة، فنجد نجيب أقصبي في فصله الثالث عشر، المعنون بالاقتصاد المغربي عقب 2011: بين عجز الاقتصاد الكلي وعجز الديمقراطية، يفكك البنية العميقة للمخزن الاقتصادي وأسسه من خلال دراسة موضوعية دقيقة لحصيلة حكومة عبد الإله بنكيران على مدى خمس سنوات (2012 – 2016)، معتمدًا في ذلك على منهجية الأهداف المعلنة /المنجزة.

ويتناول إدريس كسيكس في الفصل الرابع عشر، الحصيلة الثقافية لـ “20 فبراير”: المكوّنات والامتدادات الإعلامية والثقافية لحركة ذات حمولة سياسية، الصّدى الثقافي لحركة 20 فبراير، ويعرض المشهد العام لثقافة الأداء الفني العفوي والتواصل التحريضي والاحتجاجي، ومظاهر فن الشارع، وبروز الدينامية الإعلامية الموازية الجديدة غداة إغلاق القوس الليبرالي وعودة الرقابة والرقابة الذاتية.

وفي الفصل الخامس عشر، السؤال اللغوي في سياق التحول الدستوري بالمغرب، يعتقد فؤاد بوعلي أن من الضروري النظر في قضية المرجعيات والثوابت التي فقدت عنصر التوافق بعد عقود من سيادة الأنموذج الأحادي الشمولي في التدبير السياسي والثقافي وتلازمهما في المخيال الجماعي. ويفتح مسألة انفتاح النص الدستوري الجديد على مجموعة من المكونات الهوياتية، بينما يظلّ التجاذب بين الفاعلين المجتمعيين والسياسيين عنوان مرحلة ما بعد دستور 2011.

أما الفصل السادس عشر، الحراك القضائي المغربي زمن “الربيع العربي”: قراءة في الأسباب والمآلات، يبحث عبد اللطيف الشنتوف في قدرة جزء من الجسم القضائي على إحداث فعل التغيير زمن الحراك، وما حقق هذا الحراك للقضاء المغربي. يسأل: هل استطاع التعايش مع مرحلة ما بعد الحراك التي تتسم ببطء تنزيل مبادئ الوثيقة الدستورية، وأحيانًا الانتظارية، وتكريس بعض الممارسات التي تعود بالقضاء ومؤسساته إلى ما قبل دستور 2011؟ أم هل بدأ الحراك في الانحسار؟

الملكية والأحزاب والمجتمع
القسم الخامس من هذا الإصدار الجماعي، التحوّل الديمقراطي في المغرب: إشكالية العلاقة بين الملكية والأحزاب والمجتمع،. في الفصل السابع عشر، التحكم بين عهدين، أو الملكية والانتقال الديمقراطي من الممانعة إلى الرعاية: بإشارة خاصة إلى حزب العدالة والتنمية، يدرس امحمد جبرون مفهوم التحكّم في السياسية المغربية بعد حراك 2011، ووصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة، منطلقًا من أن ظاهرة التحكّم في المشهد السياسي المغربي معقّدة تعكس عسر التحول الديمقراطي في هذا البلد، وأنّ التسوية السياسية التي جسّدها دستور2011 لا تعكس انتقالًا إستراتيجيًا نحو الديمقراطية.

وفي الفصل الثامن عشر، الملكية والشأن الديني بالمغرب: بين الاحتكار والتوظيف، يتناول أحمد بن الصديق موضوع الشرعيات المؤسّسة لنظام الحكم وبيان مدى اتّساقها مع الشرعية الديمقراطية المركزية في كلّ مسلسل للانتقال الديمقراطي. خصوصًا إشكالية الشرعية السياسية القائمة على أساس ديني التي تكتسي أهميةً مركزية في المغرب.

أما الفصل التاسع عشر، جدلية الدين والعلمانية في الحراك الاجتماعي المغربي: حركة 20 فبراير أنموذجًا، يقول محمد همام إن الاختلاف الواسع بين مكونات حركة 20 فبراير من الوجهة المرجعية والفكرية كان عنصرًا حاسمًا في تفكّكها وضمور أدائها.

ويتوقف عبد الرحيم العلام في الفصل العشرين، بين خطاب 9 مارس 2011 وبلاغ 15 مارس 2017: إغلاقٌ لقوس التغيير أم تغيير في ظلّ الاستمرارية؟، عند تاريخين أساسيين: خطاب 9 مارس 2011 الملكي الذي جاء بروح حوارية لطيّ صفحة الماضي والانفتاح على مستقبل ينقل المغرب من طور الحكم المطلق إلى الحكم المقيّد بالدستور؛ وبلاغ الديوان الملكي في 15 مارس 2017 الذي وضع حدًّا لانحباس سياسي أعقب انتخابات 2016 التشريعية.

شهادات ورؤى
في القسم السادس، 20 فبراير: شهادات ورؤى حول الربيع المغربي، يربط عبد الله حموّدي في الفصل الحادي والعشرين، عن الربيع المغربي، هذا الربيع بالإطار العام الذي اندرج فيه، مع تولّي محمد السادس سدّة الملك في أثناء حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، والذي أزاح قبضة الرّصاص المستحكمة التي أقامها الحسن الثاني سنوات طويلة، إلى حين إحداث قطيعة مع العُرف الديمقراطي في عام 2002.

أما الفصل الثاني والعشرين، “الربيع المغربي”… رؤية من الداخل، يرصد علي أنوزلا معالم الحراك المغربي من الداخل، مستندًا إلى تجربته الشخصية، وإلى منهجية الملاحظة بالمشاركة المنبثقة من الانغماس في موضوع الدراسة، وأداء دور حقيقي وفاعل في حقلها.

يرى توفيق بوعشرين في الفصل الثالث والعشرين، 20 فبراير 2011 – 7 أكتوبر 2016: قراءات في الربيع المغربي، أن الأصوات التي كانت تصدح بالتغيير قد اختفت، لكن الذاكرة تبقى شاهدةً على أكبر حركة احتجاجية في تاريخ المغرب المعاصر، استطاعت أن تحقّق مكتسبات عجزت عن تحقيقها أحزاب عريقة، وأنها غابت لتظهر في أشكال احتجاجية وتعبيرية وسياسية وفنية وأدبية أخرى.

في الفصل الرابع والعشرين والأخير، “الربيع المغربي”؛ أيّ ربيع؟، يُبدي جاكوب كوهين نظرة قاتمة إلى مآلات الربيع المغربي والعربي عمومًا، وآفاق التحوّل السياسي، قبل حراك 2011 وبعده. ويرى أن كون المغرب قد استطاع تجنّب الهزات الربيعية العنيفة الآتية من الخارج لا يعني أن المجتمع المغربي لا يحتاج إلى تغيير جذري، بل يجد نفسه مشدودًا بجمود اجتماعي – ثقافي يمنعه من أن يتحوّل، أو حتى أن يعي هذا التحوّل ويتحقّق من ضرورته.
https://al3omk.com/wp-content/uploads/2018/12/0dLPq.jpg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *