وجهة نظر

ألن يعانق حميد الحرية !

تعتبر الإستقلالية ضرورة أساسية لتحقيق العدالة، كما أنها -عموما- شرط مهم قبل الحديث عن دولة المؤسسات التي هي نقيض دولة “الشخص الواحد” و ما يتبع ذلك من اشكالات. فالدولة التي لا وجود فيها لمؤسسات مستقلة عن بعضها البعض، و كل واحدة تراقب الأخرى، لن تكون إلا دولة اللاقانون و الظلم و الإستبداد، على اعتبار أن “السلطة لا تتوقف إلا عند حدود السلطة الأخرى” على حد قول مونتيسكيو.

إنطلاقا من الفكرة أعلاه، وُجه سؤال لأحد قضاة محكمة النقض، في احدى الندوات العلمية. و كان على النحو التالي : كيف يمكننا الحديث عن استقلالية السلطة القضائية في المغرب، على اعتبار أن القضاة تحت رحمة السلطة السياسية، و هي التي تدبير شؤونهم (التعيين، الترقية، العزل) ؟

فكانت الإجابة، و على الرغم من أنها لم تنفي هذه الإشكالية (تداخل السياسي مع القضائي)، أن مسألة الإستقلالية مرتبطة بضمير القاضي، فالقاضي المبدئي، و الذي يعرف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، و يقدر حقوق الناس، و يضع نفسه مكانهم، قبل النطق بأي حكم، لا يمكنه إلا أن يكون قاضيا عادلا، و لن يحكم أو يرسل غيره خلف القضبان إلا إذا كان يستحق ذلك. فمسألة الإستقلالية مرتبطة بالشخص في حد ذاته، و لا يمكن لأي جهة لها سلطة عليه، أن تؤثر على عمله، و لو كلفه ذلك التخلي عن مقعده في المحكمة .

الإجابة صحيحة بلا شك، لكن في بعدها الفلسفي المجرد، أما على المستوى الواقعي، و باستحضار القانون، و السلطة السياسية و صراعها مع الحرية، فلن تكون، أي الإجابة، إلا كلام سوفسطائي.

لكن ألا يمكن البناء على هذه الإجابة، و نقول بأن : الصحفي الحر حميد المهداوي، سيعانق الحرية في الجلسة المقبلة، بعد أن يقف أمام قضاة الحكم الذين سيجدون ملفه فارغاً ؟

كيف ذلك؟

المهداوي كان صحفيا حقيقيا، و وطنيا حقيقيا، إذ أنه كان ليل نهار ينبه إلى المشاكل التي تعيشها الدولة المغربية، و التي يجب معالجتها من ساسة هذا البلد و بل من كل وطنييه، و لكن عوض النظر إليه من هذه الزاوية، و تشجيعه، نظروا إليه من زاوية أخرى و اعتقلوه. بلا شك هي زاوية الإستبداد !

هذا ، لا يهم هنا، المهم هو أن المهداوي سيُمثل يوم الإثنين المقبل أمام محكمة الإستئناف بالدار البيضاء، بعد أن تم الحكم عليه ابتدائيا بثلاث سنوات حبسا مع غرامة مالية قدرها 3000 درهم، بجريمة عدم التبليغ عن المس بسلامة الدولة، تطبيقا للفصل 209 من مجموعة القانون الجنائي.

الفصل الذي يتحدث عن من كان على علم “بخطط” أو “أفعال”، و ليس من جاءته مكالمة مجهولة، مضمونها مليء بالتناقضات.

فالمكالمة التي توصل بها المهداوي، و هو صحفي و ليس جزارا أو اسكافيا أو خبازا (مجاله المهني هو نشر الأخبار، و عادي جدا أن يتلقى المكالمات)، كانت و حسب المقاطع التي نشرتها زوجته بوشرى الخونشافي، مليئة بالتناقضات، و غير منطقية، و بالتالي لا يمكن لمن يملك ذرة عقل أن يصدق مضمونها، و بل أكثر من ذلك : سيعتبر صاحبها أبلهاً.

ثم، حتى و لو افترضنا جدلاً، أن صاحب المكالمة تفوه بكلام رصين و غير متناقض كهذه الأمثلة : غادي ندخلو الدبابة للمغرب # ما كانثيقو فحتى واحد من غير الملك # غادي نرجعو الزفزافي كثر من الملك…

قلت حتى لو افترضنا جدلا، أن صاحب المكالمة تفوه بكلام رصين و غير متناقض، فهل يعقل إدخال الدبابة إلى المغرب ؟ أليس هناك مراقبي الحدود أم أن الدبابة بحجم “الذبابة” ؟

و أيضا هل يعقل أن يحاكم شخص على “مكالمة مجهولة” و بنص يتحدث عن العلم “بخطط” أو “الأفعال” ؟

إذن، ألن يعانق حميد الحرية ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *