مجتمع

رحلة العمر: يوم التروية.. انتقال القلوب والأبدان من مكة إلى منى في أول أيام الحج (الحلقة 6)

سلسلة توثق تجرية حاج مغربي شكلت لصاحبها رحلة عمر

سلسلة رحلة العمر.. انطباعات حاج مغربي

الحج ليس مجرد سفر أو تنقل بين شعائر وأمكنة، بل هو عبور روحي عميق يعيد صياغة علاقة المسلم بربه ونفسه والعالم من حوله، فمنذ أن نادى الخليل إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، ظل هذا الركن العظيم يجمع المسلمين من كل فج عميق، في مشهد مهيب تتجلى فيه وحدة الأمة ومساواتها أمام الله.

في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “العمق”، يوثق الحاج المغربي أحمد الطلحي، المنحدر من مدينة طنجة والخبير البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، تفاصيل رحلته إلى الديار المقدسة خلال موسم 1446 هـ، بعد سنوات طويلة من الانتظار والدعاء.

بين الشوق قبل السفر، والسكينة في المشاعر، والمواقف المؤثرة في عرفات والطواف، يقدم الطلحي شهادة صادقة وتأملات روحية وإنسانية وتنظيمية، يشارك من خلالها القارئ مواقف لا تُنسى، ونصائح قد تعين المقبلين على هذه الفريضة العظيمة.

ـــــــــــــ

الحلقة السادسة: يوم التروية.. أول أيام الحج حيث تنتقل القلوب والأبدان من مكة إلى منى

8 ذي الحجة هو يوم التروية، وهو أول أيام الحج. وسمي كذلك لأن الحجاج كانوا يتزودون في مكة بالماء الذي يحتاجونه خلال أيام الحج في منى وعرفات، وقيل إن أصل الاسم هو رؤيا سيدنا إبراهيم وهو يؤمر بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام. كما سمي اليوم أيضا بيوم النقلة لأن الحجاج ينتقلون فيه من مكة إلى منى.

 

1- أعمال يوم التروية:

من الأعمال التي يجب على الحاج القيام بها في هذا اليوم ما يلي:

– الإحرام:

فهو الركن الأول من أركان الحج الأربعة، وهي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة. وإذا ترك الحاج أحدها بطل حجه.

وإحرام الحج مثل إحرام العمرة، يغتسل الحاج غسل الجنابة ويقلم أظافره ويحلق شعر إبطيه وعانته، ثم يلبس لباس الإحرام (سبق وصفه)، ويرفع صوته بالنية “لبيك اللهم حجة، لا رياء فيها ولا سمعة، اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني”، ثم لا يرتكب محظورات الإحرام إلى أن يتحلل (سبق التعريف بها).

طبعا، بالنسبة للحاج المقرن والمفرد فهما يبقيان على إحرامهما من الميقات.

من الأمور المهمة والتي ينفرد بها المذهب المالكي، هو إمكانية إخراج فدية واحدة عن جميع المخالفات، شريطة أن ينوي ذلك عند الإحرام ويخرجها بعد إحرامه وليس قبله. وللأسف الشديد لا يتم تنبيه الحجاج المغاربة لهذه المسألة بالرغم من أهميتها وبالرغم من أن توضيح ذلك ورد في تطبيق مسار الحاج، وهو التطبيق الذي أعدته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مشكورة والذي يجد الحاج فيه كل ما يتعلق بأداء مناسك الحج. والحمد لله، نبهني الله لهذا الأمر، وقمت بتوعية عدد لا بأس به من الحجاج المغاربة بهذا الأمر.

ومقدار الفدية هو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة تجزئ في الأضحية، أو صيام ثلاثة أيام. وحددت السلطات السعودية هذا العام مقدار الفدية نقدا ب120 ريال سعودي.

– التوجه إلى منى:

يتوجه الحجاج إلى منى، ويستحب المبيت فيها. ومن الأفضل أن يخرج الحجاج من مكة قبل الزوال (وقت الظهر)، وفقًا لبعض المذاهب. 

– تقصير الصلاة:

يصلّي الحاجّ في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم التاسع من ذي الحجة، وله أن يقصر الصلاة الرباعية، لكن بدون جمع.

– الذكر والتلبية:

يستحب الإكثار من الدعاء والتلبية والتكبير والتهليل والتحميد في هذا اليوم. طبعا صيغة التلبية هي نفس صيغة التلبية في العمرة. وتستمر التلبية إلى زوال يوم التاسع من ذي الحجة أي بداية الوقوف بعرفة.

 

2- الاختلاف حول المبيت في منى أم في عرفات:

اختلف بعض الحجاج المغاربة حول حكم المبيت في منى ليلة التاسع من ذي الحجة، ذلك لأنه في هذا العام تم الانتقال إلى عرفة بدل منى وتم المبيت في عرفة، استنادا للفتوى التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى في العام الماضي. فحسب البلاغ الذي نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية يوم 6 غشت 2024، فإن الفتوى تجيز للحجاج المغاربة صعود عرفة مباشرة يوم التاسع من ذي الحجة دون المرور بمنى في اليوم الثامن والمبيت بها، وذلك تخفيفًا على الحجاج وتجنبًا للمشقة الزائدة، بحيث يكون التوجه أولا إلى منى والمبيت بها ثم التوجه ثانيا إلى عرفة، مع ما يلاحظ من الازدحام الشديد الذي تعرفه الطرقات في هذه الأوقات ويتسبب في طول مدة الرحلات. كما أوضح المجلس العلمي الأعلى أن المبيت بمنى ليلة عرفة سنة مستحبة وليس واجباً أو ركنًا من أركان الحج، وأن تركه لا يؤثر على صحة الحج، وهذا نص البيان:

“جوابا عن طلب الفتوى الذي وجهته اللجنة الملكية للحج إلى المجلس العلمي الأعلى في موضوع صعود الحجاج المغاربة إلى عرفة مباشرة يوم التاسع من ذي الحجة دون المرور من منى يوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية)، أصدر المجلس فتواه بجواز الصعود إلى عرفات مباشرة يوم التاسع من ذي الحجة قائلا إن هذا المرور من منى، وهو مرور مستحب، يجوز تركه إزالةً لما تبيّن بالتجربة من المشقة الفادحة للحجاج وهم مقبلون في اليوم الموالي على الركن الأعظم؛ وهو الوقوف بعرفة”.

والذي حصل هو أن أغلب الحجاج المغاربة اتجهوا إلى عرفة بالحافلات، والقليل من اختار أن يتجه إلى منى مشيا على الأقدام (مسافة سبعة كيلومترات تقريبا) ويبيت فيها. 

 

3- ظروف الانتقال إلى عرفات:

طلب منا يوم التروية النزول في الثانية بعد الزوال إلى بهو الفندق حاملين أمتعة قليلة على حقيبة الظهر والتي سنحتاجها في عرفات ومنى. وبقينا في البهو ننتظر قدوم الحافلات ونحن نردد التلبية لمدة خمس ساعات، ذلك أن الحافلات لم تصل إلى الفندق إلا في السابعة مساء.

استغرقت الرحلة من الفندق إلى مخيم الحجاج المغاربة في عرفات زهاء ساعتين، بالرغم من أن عرفات لا تبعد سوى 22 كلم. وذلك بسبب الازدحام الكبير في الطرقات، وبسبب نقط التفتيش المتعددة للأمن السعودي. وفي الطريق كنا نشاهد حافلات الحجاج الأردنيين، مما يعني أنهم هم أيضا توجهوا مباشرة إلى عرفات. صلينا المغرب جلوسا في الحافلات.

وصلنا المخيم المغربي بعرفات في حدود التاسعة مساء. أخذنا مكاننا في الخيمة، التي كانت تضم المئات من الحجاج، وعانينا من شدة الحرارة داخل الخيمة بالرغم من وجود المكيفات التي كان يرفض عدد من الحجاج تشغيلها.

كنا بين الفينة والأخرى نردد التلبية، ونقرأ القرآن (منفردين طبعا) ونذكر الله ونتوجه بالدعاء، ومما كنت أدعو الله به هو أن يرزقني القوة والعافية لأداء مناسك الحج على الوجه الأحسن. صلينا العشاء قصرا جماعة في الخيمة، ووزع علينا أكل بارد في صناديق كرتونية، كما أن قنينات الماء البارد كانت متوفرة بكثرة. بالنسبة لي لم أنم جيدا بالرغم من الإرهاق بسبب الحرارة والازدحام وحديث الحجاج فيما بينهم بصوت عال، وبسبب المصابيح التي رغب أغلب الحجاج في بقائها مشتعلة، أسأل الله تعالى القبول

ـــــــــــ

* أحمد الطلحي: إطار مغربي وخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *