وجهة نظر

أضواء على كتاب ”الجمع الرفيع على قاطرة التسبيع”

الكتاب للأستاذ الفقيه لشياخ بن محمد المصطفى بن تكرور.

يعتبر كتاب ”الجمع الرفيع على قاطرة التسبيع ” سِفرا فريدا في بابه، ومتميزا في عمقه و لُبابه، محكم التبويب جيد الترتيب، ونحاول في هذاالمقال التعريف أولا بمؤلفه، ثمبيان قيمة الكتاب العلمية ووصف منهجيته ومادته المعرفية .

1. ترجمة المؤلف :

هو العلامة الفاضل الاشياخ بن الشيخ محمد المصطفى اليعقوبي الموسوي المالكي الأشعري المغربي ، ولد سنة 1937 بمنطقة تسمى(تكبة)، وتقع على بعد مائة متر تقريبا جنوب مدينة الداخلة .ينتسب لأسرة علمية عريقة بالمنطقة ، فوالده هو العلامة الجليل محمد المصطفى بن الشيخ محمد عبد الله بن تكرور، و أمه هي مريم بنت محمد عبد الرحمن الفاضلية (من آل الفاظل بن بارك الله فيه) ، وينتهي نسب جده العلامة الشيخ محمد عبد االله ابن المختار ابن اتفغ موسى اليعقوبي إلى سيدنا جعفر ابن أبي طالب .نشأ في وسط علمي أصيل وبيئة بدوية محافظة ، فقد كان بيت أبيه محج طلبة العلم ، لمكانته المعروفة وإشعاع محظرته الواسع ، وفيها تلقى تكوينه بدءا بتعلم الكتابة والقراءة ، ثم اللغة العربية بنحوها وقواعدها وأشعارها ، فضلا عن الآي القرآني والسيرة النبوية . كما كان لوالدته الكريمة اسهام في تعليمه وتكوين شخصيته حيث أكمل على يدها ثلث القرآن الكريم ، ثم أتمه على شيخه الفاضل المرحوم محمد عبد الله ابن ممين ابن ابوه . و بعد ذلك شرع في الدراسة العلمية فأخذ من مختلف الفنون المحظرية المعروفة من عقيدة وفقه وشعر عربي ، وتتلمذ في أثناء ذلك على علماء كبار على رأسهم والده العلامة الشيخ محمد المصطفى ، والعلامة محمد عبد الله ابن ابوه ، والعلامة المجلسي القاضي محمد حبيب الله ولد ابوه ، والشيخ آب ابن البخاري ، كما استفاد كثيرا من تلميذ والده ، و رفيق دربه المرحوم محمد بن محمد فاضل – الذي سياتي الحديث عنه لاحقا – هذا بالإضافة طبعا لتردده المستمر على مجالس العلم ، والبحوث الجمة والمطالعة الدائمة .

و في سنة 1964 التحق الأشياخ بسلك التعليم، وعين بمدينة الداخلة، بعد أن اجتاز امتحان الولوج لمهنة التدريس بقرية تشلا ، بعد ذلك بسنتين انتقل للتدريس بمدينة العركوب ، لكنه لم يتمم التدريس بها حيث تم استدعاؤه لمدينة الداخلة وبقي بها يمارس مهنة التعليم ، كما كانت السلطة المحلية الاسبانية تستدعيه للقيام بترجمة بعض الوثائق المتعلقة بأحكام القضاء وأحيانا أخرى بإحصاء السكان العام.
وخلال هذه السنوات شارك في مختلف الدورات التكوينية التي نظمت في اطار التكوين المستمر للمعليمن الذي كانت الإدارة الاسبانية تشرف عليه، و نجح في آخرها كأستاذ للتعليم الأساسي سنة 1975 . وبعد انسحاب اسبانيا بقي في نفس المهمة ، إلا أنه ومع تواجد الادارة الموريتانية انتقل من التدريس إلى الإدارة حيث عين مديرا للمدرسة الإبتدائية بالداخلة . وفي ظل الإدارة المغربية كلف الأشياخ بن تكرور بإدارة التعليم الاعدادي إلى سنة 1984 حيث عين مديرا لثانوية الحسن الثاني ، وبقي بها حتى بلغ سن التقاعد سنة 2002 .

هكذا كان المسار العلمي والمهني لهذا لأستاذ الجليل ثريا وإشعاعه التربوي غنيا وحافلا بالعطاءات والإنجازات و تَسنم الرتب العليات ، و التي استحقها بما تميز به من قيم التضحية والاجتهاد والصبر والمثابرة التي طبعت شخصيته المتفردة. وإلى اليوم لايزال عطاءه الفَياض بفضل الله متجددا ومتوقدا ، فمكتبته العامرة و بيته الكريم بمدينة الداخلة يعتبر قبلة للباحثين و الطلبة الدارسين ، ومختلف المهتمين بالعلم و الفكر والثقافة ، كما تعزز إشعاعه العلمي بصدور كتابه الموسوم بــ (الجمع الرفيع على قاطرة التسبيع ) سنة 2015 .

والكتاب هو موسوعة علمية وثقافية وتاريخية ، يضم أزيد من ألف فائدة ، و يتألف من سبعة أبواب تتبع فيها المؤلف مسألة التسبيع في القرآن والحديث والسيرة النبوية والفقه ، والثقافة والتربية والتاريخ العربي و الإسلامي ، وأتى في كل باب منه بنكت و فوائد علمية لطيفة و فرائد جمة طريفة .

إن المتأمل في صفحات حياة هذا الرجل العظيم يلحظ أنه جمع بين التحصيل العلمي المتين والعطاء المهني الأمين، وزاوج بين العصامية في تكوين وبناء شخصيته العلمية من جهة ، والعمل الميداني المعطاء في مجال التربية والتعليم ، وتحمل تكاليف هذه الرسالة النبيلة بكل إخلاص وتجرد ونكران للذات . إنه أنموذج حي ينبغي التنويه به و رفع ذكره في كل المحافل التربوية والعلمية الإحتفاءبه على مختلف الأصعدة والمستويات، وخاصة في الوسط التعليمي والثقافي بالجهة ، تعريفا لناشئتنا به وبأضرابه من العلماء والأعلام الفضلاء ، سبيلا إلى استلهام قيم الإجتهاد و التضحية وحب العلم من معين سِيَرهم ومساراتهم النابضة بالعطاء و الرقي الإنساني.

2. وصف كتاب :

يقع كتاب الجمع الرفيع في مايزيد على 300صفحة ،طبعسنة 2015 ، ضمن منشورات دار الأمان بالرباط، و يتألف من العناصر المنهجية التالية:

أولا : تقديم أعده الاستاذ محمد عبد الله بن محمود بن تكرور، بتكليف من المؤلف – كما ألمع لذلك في خاتمته -،وقد أبرز فيه أهمية وأصالة موضوع الكتاب، المندرج ضمن علم مدلولات الاعداد،مبينا عناية العلماء بالعدد، وتعريفاتهم واستعمالاتهم له في عدة حقول معرفية كالنحو والأصول والفقه ، إلا أنهم لم يفردوا عددا معينا بالتأليف، ومن هنا تأتي عناية هذا الكتاب بالعدد سبعة لتبرز بها فرادته وإبداعه.

وأما من الناحية المنهجية ، فقد قسم المؤلف كتابه إلى سبعة أبواب، تناول في كل باب مواطن التسبيع في الكتب والمصادر الشرعية والأدبية والتاريخية، وناهز مجموع ما أورده من مسائل التسبيع ألف مسألة، قسمها على أبواب سبعة :

– الأول : التسبيع في القرآن الكريم
– الثاني : التسبيع في الحديث النبوي الشريف
– الثالث : التسبيع في السيرة النبوية
– الرابع : التسبيع في الفقه
– الخامس: التسبيع عند العلماء والشعراء
– السادس: الثقافة الشعبية والحكايات
– السابع :في مواضيع مختلفة

وقد اعتنى الأستاذ محمد عبد الله بن تكرور -مقدم الكتاب- بالترجمة للمؤلف وأسرته العلمية العريقة ، فابتدأ بترجمة وافية لجده الشيخ محمد عبد الله بن تكرور، ثم نبذة من حياة والده العلامة محمد المصطفى، وبعدها نبذة تعريف بالمؤلف الاشياخ بن تكرور، كما ذيل الكتاب بفهارس فنية تضمنت فهرسا للآياتالقرآنية، وفهرسا للأحاديث النبوية، وفهرسين للكتب والأعلام، فضلا عن فهرسة المراجع التي اعتمد عليها المؤلف.

ثانيا : ترجمة جد المؤلف الشيخ محمد عبد الله بن تكرور، وترجمة حياة والد المؤلف العلامة محمد المصطفى بن تكرور، ثم نبذة عن المؤلف الاشياخ بن محمد المصطفى.

ثالثا : مقدمة المؤلف

ويتحدث فيها عن مقصده من تأليفه،حيث يقول :(نيتي هي جمع ما تيسر جمعه من السر الكامن في التسبيع راجيا من سر كل سبعة أن تكون لي حصنا في الدنيا وللأبناء السبعة من مكارهها والمسلمين وكل من قرأ هذا الجمع .. ذلك أنني فكرت في جمع ماتيسر جمعه من كل سبعة مهما كان مصدرها وموضوعها ومغزاها، باستثاءمالايليق جمعه مع عظمة الله من السر المأثور عن السبع أو في السبع من كل شيء دون أن أغفل ما أمكن حصره من لفظها في العد بها ومثاله سبعة عشر أو سبعة ..) ، راجيا للقارئ أن ينتفع به ويصدق فيه بذلك الحديث : (وعلم يبثه في قلوب الرجال)، مشيرا لاختياره عنوان الكتاب الموسوم بــ(الجمع الرفيع على قاطرة التسبيع).

– خلاصات عامة :

إن المتأمل في صفحات هذا الكتاب الفريد يلمح عدة ميزات منهجية وعلمية أهمها:

– تصنيف المؤلف مسائل التسبيع حسب مجالها المعرفي، وهوما يسهل على القارئ حسن تتبعها واستيعابها والرجوع إلى مصادرها التي يحيل عليها.

– الدقة المنهجية في الإحالات والعزو إلى المصادر، و الحرص على ايراد التنبيهات والملاحظات المتعلقة ببعض المضامين وتعامل الكاتب معها.

– فضلا عن الاعتماد على الكتب والمصادر المتخصصة في كل مجال معرفي، يبرز في الكتاب أيضا اعتماد المؤلف على ثقافته وتكوينه وتحصيله العلمي، من خلال ما أورده من فوائد أخذها عنبعض العلماء والفضلاء، أمثال الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله، والشيخ حمي بن محمد بارك الله بن الشيخ محمد المامي، أو عبر متابعات اعلامية أو مطالعات ثقافية مما له صلة بالمواضيع التي تناولها .

– التنوع والتعدد المعرفي لمادة الكتاب بين الشرعي، والثقافي والعلمي والتاريخي،والشعري، وهو ما يكسبه سمة الموسوعية والشمولية لعدة معارف في حقول مختلفة، و تجعل منه مصدرا مهما لكل الدارسين في مجالات متنوعة.

وختاما فإنه يمكن القول أن كتاب الجمع الرفيعقد شكل اضافة نوعية هامة للساحة الثقافية بالجهة ومكتبتناالمغربية والعربية بشكل عام، فهو انجاز جليل لأستاذنا الفاضل الاشياخ بن محمد المصطفى بن تكرور، تجلى فيه جهده العلمي و البحثي الثريالمتميز و ثقافته الواسعة واطلاعه المكين، ولم تمنعه ظروفه الصحية من إتمامه ومواصلة جمعه وترتيب مادته- بالرغم من صعوبة ذلك لتفرقها و تعدد مصادرها- حتى استوى على عوده ، وحوى من كل فن ما كان السبع من معدوده، و أحاط بالكل بيانا لمقصوره و ممدوده، وأفاد وأجاد في كل باب حين وروده .

جزى الله خيرا الفاضل سليل الأفاضل الكرام آل تكرور، ولا نملك ختاما إلا نقبس قول الشاعر دعاء له ، فنقول : يارب بالأسماء والصفات الاشياخ فاحفظه من الآفات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *