وجهة نظر

أربع ملاحظات حول مشروع قانون التربية والتكوين‎

رأي على هامش اليوم الدراسي حول موضوع “إصلاح منظومة التربية والتكوين: قراءة في المسار والقضايا والإشكالات”، الذي نظمه المكتب الوطني للشبيبة يوم الثلاثاء 15 يناير 2019 بالمقر المركزي للحزب، لقاء تشاوري عمومي شبابي حول موضوع اعتبره جوهر السياسات العمومية بحيث أن التربية والتكوين منظومة أساسية في صناعة المواطن الذي هو في أخر المطاف المساهم الرئيس والمستهدف الأساس من السياسات العمومية.

عقود من التردد والتقلبات في الخيارات التربوية الاستراتيجية انتجت اختلالات مركبة في المنظومة التربوية والتعليمية لينطلق بعدها مسلسل البحث عن الذات في عالم متغير وسريع التطور. بحث عن التربية في بعدها الهوياتي القيمي والتكوين في بعده التنموي.

فمنذ حصول المغرب على استقلاله عرف النظام التعليمي العديد من محاولات الإصلاح جوهرها المغربة والتعميم والمجانية والالزامية بالإضافة الى الانصاف وتكافؤ الفرص والجودة والارتقاء بالفرد والمجتمع، بدأت بالمذهب التعليمي سنة 1957 والمخطط الخماسي1964-1960 ، ثم محطة المذهب التعليمي الجديد 1966 ، ثم الإصلاح الذي انطلق 1985 في إطار سياسة التقويم الهيكلي ، ثم الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي تبلور سنة 1999 وانطلق العمل به سنة 2000-2013 و البرنامج الاستعجالي 2009 2013 كلها محطات لم يكتب لها ان تنزل بشكل كلي فكل وثيقة إصلاحية يكتب لها أن ستنسخ بأخرى وبترسانة قانونية فرعية مجزئة مصاحبة لكل إصلاح ، وأخيرا الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 2030.

في البداية لا بد أن أنوه أولا بمضامين وتوصيات الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015 2030 وبالتقارير المصاحبة لها واعتبرها ثروة علمية وفكرية من نتاج عقل مغربي خالص انتجت بمهنية عالية ومنهجي تشاركية، يتوجب تنزيلها بحكمة ووطنية لبلوغ مقاصدها وغاياتها المتمثلة في بناء مواطن متمسك بالثوابت الدينية والوطنية والمؤسساتية الوطنية متحل بالقيم ومنفتح على العصر وكذا بناء مدرسة مغربية لجعلها في قلب الدينامية المجتمعية وسياساتها العمومية.

ولضمان تسيير فعال وناجع لنظام التربية والتكوين والبحث العلمي وتوضيح مهام الهيئات والفاعلين وأدوارهم ووظائفهم بشكل أفضل، وكذا ضمان الالزامية والاستمرارية في التنزيل والتطبيق لتوصيات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2030 2015والتقارير المصاحبة لها، لابد من ملائمة المنتوج القانوني والتنظيمي المنجز منذ سنوات بإعداد النصوص القانونية من جديد وتوحيد مرجعها التشريعي. وفي هذا الإطار يأتي مشروع قانون- إطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي،

وكقراءة في مشروع القانون- الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، اود ان اتطرق لأربع ملاحظات هامة :

القيم

القانون غيب بشكل كبير مسألة التنشئة الإجتماعية والتربية على القيم في بعديها الوطني والكوني والتي تعتبر حسب الرؤية من الوظائف الأساسية للمدرسة، حيث سيطرح إشكال الاطار المرجعي يستند عليه الفاعلون لتنزيل منظومة القيم المستهدفة ومجالات التربية عليها.

النموذج البيداغوجي

تعتبر المقاربات البيداغوجية من أسس النموذج البيداغوجي، واعتماد أي مقاربة بيداغوجية يحتاج لزمن طويل من اجل تنزيلها وتقييم أثرها، فالمغرب عرفت منظومته البيداغوجية الانتقال من البيداغوجيا بواسطة لأهداف ثم تجربة المقاربة بالكفايات التي ضلت قائمة على مستوى التوجيهات العامة إلى حدود سنة 2009 . ثم اتخذ قطاع التربية والتكوين، في إطار البرنامج الاستعجالي، إجراءات هادفة إلى تنفيذ المقاربة بالكفايات حيث اعتمدت بيداغوجيا الإدماج إطارا منهجيا لأجرأتها. تحولات أربكت منظومة التربية والتكوين من حيث الاعداد للوسائل الديداكتيكية والموارد التعلمية والموارد البشرية اللازمة والمؤهلة لتنزيل المقاربة، فمشروع القانون نسخ توصيات الرؤية الاستراتيجية بخصوص النموذج البيداغوجي ولم يشر الى أي ألية قانونية (مرسوم، نص تنظيمي…) تحدد بها المقاربة البيداغوجية المعتمدة تضمن استمرار العمل بها لمدة معقولة.

اللغات

مشروع القانون شرع لمبدأ التناوب اللغوي بخصوص لغة التدريس وهنا يجب الاحتكام للدستور الذي ينص على اللغتين العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين للمغاربة، وبناء عليه يجب التنصيص في مشروع القانون صراحة وبدون اي لبس بأن لغات التدريس هي العربية بالأساس والأمازيغية حين يستكمل تأهيلها وإعداد الموارد البشرية للعمل بها، مع حذف مبدأ التناوب اللغوي من نص مشروع القانون.

وبخصوص تدريس اللغات من اجل تعلمها والتمكن منها، فبالإضافة للغتين العربية والامازيغية فتدريس اللغات يخضع لمبدأ التعدد والتنوع وفق هندسة لغوية تستجيب لحاجيات الفرد والمجتمع وتحقيق الاندماج في مجتمع المعرفة.

التمويل

مشروع القانون يربط بين المجانية وشرط التعليم الإلزامي (المستوى الابتدائي والإعدادي) مما يفتح باب الشك والضبابية في مجانية المستوى الثانوي التأهيلي والجامعي والتكوين المهني، فمشروع القانون يجب أن ينص صراحة على مجانية التعليم العمومي في كل مستوياته.

وبخصوص تمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ينص مشروع القانون على أن الاسر الميسورة من بين المساهمين في التمويل، فلشساعة مفهوم الاسر الميسورة يقترح تقييده بمعايير تساهم في استهدافها بشكل واضح دون المساس باسر الطبقة المتوسطة

مشروع قانون- الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي يعتبر ابداع تشريعي لتحصين توصيات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 ومرجع قانوني لمنظومة التربية والتكوين، ولبنة أساس في مسار الإصلاح، ولكونه سيلزم الفاعلين في المنظومة لعدة عقود، يستوجب الحرص على أن يجيب على حاجيات المغاربة وأن يبث الثقة والامل فيهم تجاه منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.

* مستشار بيداغوجي – مدير سابق لعدة مؤسسات للتكوين المهني الخاص 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *