منتدى العمق

إصلاح الشباب المغربي رهان استراتيجي لتحقيق التنمية..

شكلت فئة الشباب أساس التطور الحضاري مند القدم بجميع بلدان العالم؛ فهم السواعد القوية التي تنهض بها الأمم، وتبني بواسطتها الشعوب حضارتها، وتضع بصماتها الواضحة على صفحات التاريخ، فهي الطاقة المتوقدة القادرة على البذل والإنتاج والوصول إلى أعلى درجات الرقي المجتمعي، وإلى التنظيم المتكامل والمتنامي لتحقيق التنمية الشاملة. وعدمإستحضار هذه الفئة ضمن الاستراتيجيات والبرامج التنموية للبلد يصعب معه تحقيق ما سبق، الأمر الدي دفع بالعديد من الدول خاصة المتقدمة منها إلى الاهتمام بهذه الفئة من خلال ضمان مشاركتهم الفاعلة لهم والاستماع إلى آرائهم، وتعزيز روح القيادة لديهم كما وتوفير البيئة الملائمة لتحفيز وتنمية وصقل طاقاتهم وقدراتهم وتوجيهها التوجيه السليم للمساهمة الفاعلة في بناء الوطن وتقدمه، بينما تبقى وضعية هذه الفئة مخالفة تماما بالدول النامية كما هو الحال بالمغرب،حيث أصبحشبابه يعيش مشاكلكثيرة في السنوات الأخيرة بفعل التحولات الاقتصادية و السياسية التي يشهدها، مما أدىإلىتهميشهاوعدم استحضارها في السياسات التنموية للبلاد، مما دفع الشباب المغربي إلى اليأس و الاستسلام للأمر الواقع بعدما أغلقت كل الأبواب و المنافذ في وجهه والاكتفاء بقرارات يغلب عليها طابع المغامرة تتنوع بين الهجرة الغير الشرعية والاتجار في المخدرات واستعمالها.

هده القرارات لا يمكن تعميمها على الشباب المغربي ككل حيث أن نسبة منهم ورغم قلتها تمكنت من النجاة من بحر البطالة واليأس إما لحسن توجهيها في مسارها الدراسي أو استغلالها لفرص ذهبية لن تتكرر تمثلت في الولوج لتخصصات حيوية لها ارتباط مباشر بسوق الشغل، لكن النسبة الكبرى من الشباب المغربي لم تحظى بفرص شغل حسب مستواها الدراسي أو تخصصها إما لضعف مناصب الشغل المرتبطة بها مقارنة بما يتخرج أو غيابها تماما، وهناك من لم يتمكن من ولوج مؤسسات ومعاهد لصقل قدراته الرياضية أو الثقافية…هده الحصة الكبيرة من الشباب هي التي ستشكل مركز اهتمام مقالنا هذا والدي سنحاول مقاربته بنظرة موضوعية، ومدى انعكاس هده الحصة المهمة من الشباب على عجلة التنمية بالمغرب من خلال ما تطرحه من مشاكل متنوعة، وفي هدا الصدد ندكر بحجم فئة الشباب بالمغرب، حيث بلغ عدد سكان المغرب حسب الإحصاء الأخير حوالي34 مليون نسمة، 34% منهم يشكلون فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة أي ما يعادل 11.7 مليون نسمة، 4 ملايين نسمة منهالا يشتغلون ولا يدرسون خاصةالفئة المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 عاما فقط .

في ظل الارتفاع المهم لحجم الشباب العاطل عن العمل وجدت الجريمة و المخدرات طريقها للفتك به حيث تعرف انتشارا مخيفا في السنوات الأخيرة، و تشير بعض الإحصائيات إلى ارتفاع قضايا الجريمة في المغرب بنسبة مهمةبلغت 420.664 قضية سنة 2017 حسب الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية ، و يعرف الإجرام تنام متزايد بين الشباب و الأحداث و تتنوع هذه الجرائم بين مخالفة القانون و جرائم الاغتصاب، كما ارتفعت نسبة الجرائم المتعلقة بسرقة السيارات والنصب والاحتيال وتكوين عصاباتإجرام و عصابات تهريب خاصة في المدن المطلة على البحر الأبيض المتوسط دون أن ننسى الإشارة إلى الجرائم الخطيرة التي هزت كل المغاربة بخروجها عن المعقول و المألوف و المتمثلة في ظاهرة اختطاف الأطفال للاعتداء عليهم و قتلهم وهي جرائم تركت المغاربة في حيرة و ذهول أقدم عليها شباب غارق في عالم الانحراف و كانت البراءة هي الضحيةفي عدة مدن مغربية.

وبوتيرة أكثر ارتفاعا تأتي الأرقام المتعلقة بانتشار المخدرات في أوساط الشباب المغربي لتدق ناقوس الخطر حيث تشير بعض الإحصائيات الصادرة عن وزير الصحة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، الذي يصادف يوم 26 يونيو سنة 2018 إلى أن نسبة التعاطي للمخدرات بكل أنواعها تصل الى 4.1 % أي ما يقدر ب 800000 شخص وأن تعاطى المخدرات ببلادنا يتسم بهيمنة التعاطي للقنب الهندي بنسبة 3.93% وبتعاطي الكحول بنسبة 2%، أي ما يعادل 425.606 شخصا، واستهلاك المؤثرات العقلية بنسبة 0.18 والمذيبات solvants بنسبة0.04% .ورغم ما تبدله الدولة المغربية بمختلف أجهزتها من مجهودات كبيرة لمحاربة الظاهرة انطلاقا من مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود وسن القوانين الخاصة بمنع استهلاكها وترويجهاإلا أنه من الواضح أن المشكلة في حاجة إلى بدل جهد أكبر في العناية بالشباب من حيث التربية والتعليم والتوظيف لإبعاده عن هذه الآفة المدمرة.

إلى جانب ظاهرتي الجريمة والمخدرات إرتفعت فكرة قوراب الموت لدى الشباب المغربي، صحيح أن الهجرة السرية ليست بالظاهرة الجديدة في المغرب، لكن وتيرتها تنامت في الآونة الأخيرة بشكل مرعب، بعدما يئس الشباب وأصبح بلا أمل يرى في الهجرة خارج وطنه حلما ولو على سبيل المخاطرة بأرواحهم، يفكرون في شيء واحد فقط وهو الذهاب إلى “الفردوس”كما يسميه البعض هربا من أوضاعهم المزرية أملا في مستقبل أفضل.

لقد تنوعت عوامل ارتفاع حجم الشباب العاطلين عن العمل يمكن الفصل بينها بين عوامل داخلية وخارجية، فيما يخص العوامل الداخلية فمن أهمها إخفاق منظومة التربية والتكوين فرغم ما حققته من إيجابيات في تطوير العملية التعلمية-التعلمية نظريا داخل أسوار المدارس، إلا أنها لم تفلح في تشكيل مواطن مؤهل لسوق الشغل يفتقد إلى المهارات والكفايات التي يحتاجها سوق الشغل، وهو ما يكتشفه الطلبة غالبا بعد مرور سنة من التعليم الجامعي حينما يجدون صعوبة تكييف ما يتلقونه في الجامعات مع ما يتطلبه سوق الشغل، فيغادرون الجامعة ويكتفون بانتظار حظهم في مباريات كمية أكثر ما هي كيفية تنقد ما يمكن إنقاذه من بحر البطالة.

إضافة إلى تعقد منظومة التربية والتكوين وعلاقتها بسوق الشغل، شكلت التحولات الاقتصادية والسياسية السريعة بالمغرب أثارا كبيرا على الشباب والمتمثلة في الانفتاح المفاجئ للدولة عن القطاع الخاص وتراجع اهتمامها بالقطاع العام، مما أدى إلى تزايد إكراهات وتحديات الشباب، حيث أن توفر أعداد مهمة من الشباب في المغرب سمحبتوفير احتياط بشري مهم لمختلف مؤسسات القطاع الخاص تستغله أبشع استغلال بأجور ضعيفة وساعات عمل طويلة، خاصة في قطاعي التعليم والصناعة نادرا ما تكون تعاقدية وقلما تتمتع بنظام حماية اجتماعية، إضافة للعاملين السابقين نرى ان ما يزيد من تعقد وضعية الشباب وهي تلك النظرة الضيقة لاختزال الشباب في قطاع دون أخر كما هو الشأن بالنسبة لقطاع الشباب والرياضة أو وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية وغيرها من الجهات حيث تهتم بالشباب كل واحدة بمعزل عن الأخرى هدا من جهة، وتتضارب في سياستها واستراتيجيتها من جهة أخرى، في حين أن الشباب هو معني بالضرورة بكل القطاعات ومنطق العمل يقتضي أن يكون وفق مقاربة تشاركية بيقطاعية تترجم في إطار سياسة وطنية للشباب واحدة.

أما العوامل الخارجية فيمكن إجمالها في ظاهرة العولمة باعتبارها أهم المؤثرات الخارجية على الشباب الراهن بالمغرب باعتبارهم الفئة المستهدفة من قبل دول العالم العولمي، فنحن لا ننكر مالآلياتالعولمة من فوائد جمة، ومميزات، وإيجابيات، استطاع الشباب بواسطتها أن يستفيد من الانترنت في جميع المجالات في كل ما هو جديد ومفيد لهم، ولكن في المقابل أصبح واقع الشباب اليوم يندر بتفشي أمراض أخلاقية وقيمية وضرب الهوية المغربية، والخلل لا نعزيه للعولمة وحدها فالتحولات السوسيو-اقتصاديةوالسياسية التي شهدها المغرب هي الأخرى لها دور في تسريع أثار العولمة في صفوف الشباب ومن الأمراض الأخلاقية والاجتماعية التي نعيشها حاليا:

• التأثير على التماسك العائلي، والاجتماعي وتركت أفراد العائلة الواحدة (اليوم)، يعيشون في غربة وهم في بيت واحد.

• ادمان يؤدي إلى عزل الشباب عن المجتمعوهدر الطاقات خاصة لدى الشباب الذي ترك يواجه الفراغ والبطالة والعجز والإحباط وفقدان الأمل في المستقبل فيبحث عن تسلية وقته.

• تشويه أصول المرجعيات الثقافية القديمة،وخلط الثقافة بمعلومات غريبة وشاذة،وإدخال بعض الألفاظ والمعتقدات المستجدة عليها.

إن التحديات السابقة وغيرها التي يواجهها الشباب المغربي في السنوات الأخيرة أصبحت تعيقمسار التنمية والاستقرار السياسي والديمقراطي للبلاد، مما يفرض على مختلف الفاعلين التعبئة من أجل سن سياسات وبرامج تنموية تهم قضايا الشباب، وهو ما دفع بجلالة الملك محمد السادس بالخروج في خطابات عديدة له حول الشباب وقضاياه لما أصبح لهذه الفئة من تأثير واضح في عجلة التنمية من خلال مؤشرات عدة، ويعد خطاب 20 غشت 2018 أبرزها، وقد حدد هدا الخطاب التوجهات الكبرى لهذا المشروع المجتمعي لمختلف المؤسسات الدستورية، الهيئات السياسية والقوى الحية في البلاد، على أن تقوم بتجسيد هذه التوجهات على أرض الواقع، من خلال برامج مضبوطة في أهدافها، ووسائل تمويلها، وآماد إنجازها واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة جميع التحديات المتعلقة بالشباب سواء تلك التي تهم قطاع التكوين والتشغيل أو الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحيضمن رؤية استراتيجية على المدى البعيد وفق مقاربة تشاركية وتوفير كل السبل والإمكانات لنجاحها، من أجل بناء أجيال تكون فاعلة في تنمية الوطن وليست عبئ عليه.

* باحث بسلك الدكتوراه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *