منتدى العمق

يامينة بسلامة

إلى حدود مساء أمس، لم يكن لي علم بأغنية إسمها ” يا مينة بسلامة” ولا حتى بمغنيها ” رشيد برياح” إلى أن أناط الإعلامي رضوان الرمضاني اللثام عنهما في “قفص الإتهام”.

وإن كان إختيار ” قفص الإتهام” لرشيد اختيار ذكي وفي محله، كما يقول من دون أن ينطق،أن للأصالة عبقها في ظل الموج الشبابية الجديدة.

وكأنه استفاق من سبات طويل، ليطل علينا في الألفية الثالثة،ويستل ” يا مينة بسلامة” في أوجهنا نحن مواليد التسعينات والألفية الثالثة، ويقول ما زلت مينة و أنا معها حي أرزق.

فعلى الرغم من مرور على أغنيته قرابة 30 سنة، والتي تحققت نجاحا باهرا ، ومن خلالها عرفه جمهوره منذ ثمانينيات القرن الماضي، فلا زالت ” يا مينة بسلامة” تغري الجيل الجديد من الشباب.

وقد غدت ” يا مينة بسلامة” أكبر من رشيد نفسه،حتى تفوقت أغنيته على باقي ألبوماته وأغانيه التي لا تقل روعة من مثيلتها.

وهنا يحضرني قول العملاق محمد شكري إبان تعبيره لنجاح رواية ” الخبز الحافي” على كل الروائيين المغاربة والعرب ووصوله للعالمية،وعبر في جملة بسيطة مفادها ” لقد قتلني نصي هذا” وينقل لنا هذا التوصيف الأثر الكبير الذي خلفته روايته على نفسية شكري.

وبدورها، قتلت ” يا مينة بسلامة” رشيد برياح ، وإغتالت باقي ألبوماته، حتى أصبحت رائعته أكبر من أن يغنيها أحد غيره، ولا يعدو كون “يا مينة بسلامة” الإعلان الحقيقي لموت رشيد، كما تطارد لعنة “الخبز الحافي” محمد شكري في قبره.

وإذا كانت ” يا مينة بسلامة” من نوادر التراث المغربي، أراد بها رشيد ملاقاة الجمهور بها بعدما كان يسحر بها جدته، تكون أغنيته أشبه بإنقلاب السحر على الساحر، لتبصم بصمة ” يا مينة بسلامة” مسار رشيد برياح بإمتياز.

ولطالما كانت عقبة الفنان الأولى هي تجاوز نجاح عمل فني ما، في عمل آخر جديد، فإن أمر يكونمحفوف بالمخاطر ما لم نقل أنه أمر أشبه بالمستحيل.

فعلى غرار النجاحات المطلقة التي جعلت من أصحابها يعتزلون قبل الأونمن أول عمل، حتى ولو أصروا على إبداع مواد و أعمال أكثر قيمة من الناحية الفنيةوأدبية، لكن الجمهور يظل متمسك بالنجاح الأول، على منوال الحب للحبيب الأول.

ونضرب مثل رواية ” المالك الحزين لإبراهيم أصلان” و عائد إلى حيفا لغسان كنفاني” والرسام الإيطالي “ليوناردو دا فينشي مع رائعته موناليزا” أبرز دليل على تفوق أعمالهم على أنفسهم، وكذا تغطية هذه الإنتاجات على باقي إنتاجاتهم الفنية وأدبية الأخرى.

ولطالما نعتبر أن نجاح عمل معين، ينهى الحكاية تماما، ويقضى على كل الأحلام ليتحول معها الفنان إلى أسطورة مخلدة في التاريخ.

دوما ما يجيبنا الفن مشاعرنا،وبشكل أخص تجيبنا الأغاني والموسيقى عواطفنا بشكل أكثر عمقا بدون مقدمات،بدون مراوغات، وبدون تردد، في كل أفرحنا ومآسينا على حد السواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *