مجتمع

ظاهرة الانتحار بشفشاون .. هيئة حقوقية تستغرب “صمت السلطات” وتدعو للتدخل العاجل

دق مرصد الشمال لحقوق الإنسان، ناقوس الخطر إزاء ارتفاع معدلات الانتحار بإقليم شفشاون، مرجعا أسباب الظاهرة إلى نتائج ما أسماه “نمط الإنتاج القائم على زراعة القنب الهندي، وسياسات التهميش”، داعيا الجهات المختصة إلى التدخل العاجل لوقف نزيف الانتحار بالمنطقة.

وأقدمت تلميذة تدرس بالقسم الخامس ابتدائي، أمس الأحد، على الانتحار شنقا بدوار تيفوزال بجماعة باب تازة بإقليم شفشاون، كما وضعت امرأة متزوجة حدا لحياتها شنقًا، أول أمس السبت، بدوار الواديين بجماعة باب برد بالإقليم ذاته، وهو ما رفع حالات الانتحار بالإقليم إلى 8 خلال 2019، كما عرف نفس الإقليم في السنة الماضية 29 حالة انتحار، حسب مصادر متتبعة للملف.

مرصد الشمال لحقوق الإنسان، استغرب “صمت السلطات المركزية والمحلية والجماعات المنتخبة” بشأن ارتفاع عدد حالات الانتحار التي تعرفها شفشاون خلال السنوات الأخيرة، “رغم أنها ظاهرة تمس أهم حق في منظومة حقوق الإنسان الكونية وهو الحق في الحياة”.

وحمل المرصد مسؤولية الظاهرة إلى “سياسات الحكومات المتعاقبة على المنطقة من خلال المقاربة الأمنية فقط، مع تهميش كلي للمقاربة التنموية”، مسجلا “غياب أية مبادرة من الجماعات الترابية والمجلس الإقليمي وعمالة شفشاون، مقابل بعض المبادرات لعدد من الفعاليات الجمعوية بالمنطقة، من أجل دق ناقوس الخطر حول ظاهرة الانتحار”.

وأرجع المرصد في بلاغ له، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، تفاقم الظاهرة حاليا “إلى الحكومات المغربية المتعاقبة وسياساتها العمومية التي ربطت المنطقة بنمط إنتاج قائم على زراعة القنب الهندي وتجارة المخدرات، بهدف ضبط المجال لدواعي أمنية”.

واعتبرت الهيئة الحقوقية أن من نتائج تلك السياسية “تراجع تجارة القنب الهندي وعدم قدرة الدولة على نهج سياسة تنموية حقيقية للمنطقة بعد عقود من التهميش واللامبالاة، وتسجيل مجموعة من الظواهر كالهجرة نحو المدن، مع ارتفاع معدلات الطلاق والإدمان والانتحار”.

وأوضح البلاغ، أن ظاهرة الانتحار التي يعرفها إقليم شفشاون “تدخل ضمن ما يسمى في الحقل السوسيولوجي بالانتحار اللامعياري، وهي ظاهرة تحدث عندما تضطرب ضوابط المجتمع نتيجة الكساد الاقتصادي أو انتعاشته”، حسب تعبير المرصد.

ودعا مرصد الشمال لحقوق الإنسان إلى ضرورة تكافل جهود الفاعلين المدنيين من أجل الضغط على الجهات المختصة للتدخل قصد الحد من تفاقم الظاهرة، وضرورة إخضاعها للدراسة العلمية عبر بحث ميداني تكون توصياته خريطة طريقة لوضع استراتيجية في شتى المجالات في القريب العاجل.

وكانت قضية ارتفاع ظاهرة الانتحار بشفشاون قد وصلت إلى البرلمان، حيث وجهت نائبة برلمانية سؤالا كتابيا إلى وزير الصحة في الموضوع، مشيرة إلى أن هذا الإقليم يعرف أعلى نسبة في الانتحار على المستوى الوطني، وذلك بعد تقرير نشرته “العمق” تطرق لتفاصيل الظاهرة بالإقليم وأسبابها، وهو ما تفاعل معه عامل الإقليم.

وطالبت البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية مريمة بوجمعة في سؤال سابق، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، بفتح أبواب مستشفى الأمراض العقلية بشفشاون في وجه ساكنة الإقليم، والرفع من طاقته الاستعابية، مشددة على أن علاج هذه المعضلة يجب أن يكون طبيا ونفسيا قبل أن يكون اجتماعيا.

جريدة “العمق” كانت قد سلطت الضوء على هذه الظاهرة من خلال تقرير نُشر نهاية العام الماضي، أرجع خلاله الطبيب الرئيسي بمستشفى الأمراض العقلية بمدينة تطوان عبد الحميد بالهاشمي، أسباب الظاهرة إلى 3 عوامل رئيسية، من بينهما توقف استقبال المرضى النفسيين بمستشفى الأمراض العقلية بشفشاون، بسبب بلوغه الحد الأقصى من الحالات، وهو ما يدفع أسر المرضى إلى التنقل لتطوان أو البقاء في المنزل.

وأوضح الطبيب في تصريحه لجريدة “العمق”، أن جميع حالات الانتحار يكون سببها مشكل نفسي وليس اجتماعي، لافتا إلى أن الوضع النفسي للشخص هو الذي يدفعه لهذا السلوك، فيما الظروف الاجتماعية تزيد في تفاقم المشكل النفسي، لكنها ليست السبب الرئيس في عملية الانتحار.

وقال الطبيب النفسي المشرف على المرضى النفسيين بمستشفى تطوان الذي يستقبل الحالات من 4 أقاليم (شفشاون، وزان، المضيق الفنيدق، وتطوان)، إن ارتفاع ظاهرة الانتحار بشكل لافت بإقليم شفشاون خلال السنوات الأخيرة، يرجع لأمراض نفسية ناتجة عن الاكتئاب أو الذُهام (الفصام)، مشددا على أن العلاج يجب أن يكون طبيا ونفسيا وليس اجتماعيا، وذلك عبر الأدوية والمكوث في المستشفى إذا تطلب الأمر ذلك من أجل المراقبة الطبية.

وطالب المتحدث بضرورة إعادة فتح مستشفى الأمراض العقلية بشفشاون في وجه الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية، خاصة وأن كثيرا من شرائح المجتمع بدأت تستوعب ثقافة الطب النفسي، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن مستشفى الأمراض العقلية بتطوان يعاني من اكتظاظ كبير، حيث يصل عدد المرضى الذين يخضعون للعلاج بالمستشفى حاليا إلى 130 شخصا، فيما عدد الأسِّرة لا يتجاوز الـ70.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *