مجتمع

24 حالة انتحار بشفشاون في 2018.. خبير يرصد أسباب الظاهرة بالإقليم

أثار ارتفاع حالات الانتحار بإقليم شفشاون خلال السنوات الأخيرة قلقا بالمنطقة، خاصة بعد تسجيل 24 حالة انتحار خلال السنة الجارية 2018 لوحدها، رصدت جريدة “العمق” عددا منها، مع عدة محاولات أخرى تم إحباطها بتدخل أقارب الشخص المعني أو فشل وسيلة الانتحار المستعملة، كما شهدت السنة المنصرمة 2017 مجموعة من حالات الانتحار ومحاولات أخرى فشلت في آخر لحظة.

وأول أمس الثلاثاء، أقدم شاب على شنق نفسه بواسطة حبل قرب منزله بدوار بوزطاط التابع لجماعة باب تازة بإقليم شفشاون، وذلك بعد يوم واحد من مأساة أخرى شهدها دوار بومدور بجماعة ووزكان بالإقليم ذاته، حين أقدمت سيدة في الأربعينيات على وضع حدا لحياتها شنقا تاركة وراءها ستة أطفال.

ورغم أن العديد من حالات الانتحار بالإقليم، أقدم عليها أشخاص يعانون من مشاكل وظروف اجتماعية قاهرة حسب مصادر مختلفة، إلا أن جريدة “العمق” كانت قد رصدت مجموعة من الحالات كانت تعيش ظروفا اجتماعية عادية، وهو ما دفع الجريدة إلى استشارة خبير نفسي لمعرفة الأسباب الحقيقة لهذه الظاهرة بإقليم شفشاون.

3 أسباب 

الطبيب الرئيسي بمستشفى الأمراض العقلية بمدينة تطوان عبد الحميد بالهاشمي، أوضح أن جميع حالات الانتحار يكون سببها مشكل نفسي-طبي وليس اجتماعي، لافتا إلى أن الوضع النفسي للشخص هو الذي يدفعه لهذا السلوك، فيما الظروف الاجتماعية تزيد في تفاقم المشكل النفسي، لكنها ليست السبب الرئيس في عملية الانتحار.

وقال الطبيب النفسي المشرف على المرضى النفسيين بمستشفى تطوان الذي يستقبل الحالات من 4 أقاليم (شفشاون، وزان، المضيق الفنيدق، وتطوان)، إن ارتفاع ظاهرة الانتحار بشكل لافت بإقليم شفشاون خلال السنوات الأخيرة، يرجع لأمراض نفسية، يمكن تفسرها بـ3 أسباب رئيسية تشكل ضغطا على المقدمين على الانتحار.

اقرأ أيضا: أم لـ6 أطفال تُزهق روحها شنقا.. وترفع حالات الإنتحار بشفشاون إلى 23 

وأوضح في هذا السياق، أن من بين الأسباب انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بالإقليم، خاصة وأن المنطقة معروفة بزراعة الكيف، وهو ما جعل فئة واسعة من الشباب والمراهقين، يدخلون في دائرة الإدمان على هذا الداء الخطير، الأمر الذي يُراكم تداعيات نفسية على المدمين تصل في أحيان كثيرة إلى التفكير والإقدام على الانتحار.

وأضاف المتحدث أن السبب الثاني يعود إلى ارتفاع حالات التفكك العائلي والنزاعات الأسرية بالإقليم، الأمر الذي يرخي بظلاله على الوضعية النفسية لأفراد الأسر، فيما السبب الثالث يكمن في توقف استقبال المرضى النفسيين بمستشفى الأمراض العقلية بشفشاون، بسبب بلوغه الحد الأقصى من الحالات، وهو ما يدفع أسر المرضى إلى التنقل لتطوان أو البقاء في المنزل.

العلاج

الهاشمي وهو الطبيب النفسي الوحيد بمستشفى الأمراض العقلية بتطوان، أشار إلى أن المرض النفسي الذي يؤدي إلى التفكير في الانتحار، يرجع سببه إلى الاكتئاب أو الذُهام (الفصام)، مشددا على أن العلاج يجب أن يكون طبيا ونفسيا وليس اجتماعيا، وذلك عبر الأدوية والمكوث في المستشفى إذا تطلب الأمر ذلك من أجل المراقبة الطبية.

ويرى الطبيب ذاته أن الظروف الاجتماعية لا يمكنها بتاتا أن تدفع شخصا إلى الانتحار إذا لم يكن يعاني من مرض نفسي، موضحا أن الاكتئاب الشديد والذهام يسبب اضطرابا في عملية التفكير، وهو ما يتضاعف مع حالات الإدمان على المخدرات، لافتا إلى أن الدين يساعد على الوقاية من هذا المرض، لكن العلاج منه يتطلب التداوي الطبي والنفسي.

اقرأ أيضا: عشريني يُزهق روحه شنقا .. ويرفع حالات الانتحار بشفشاون إلى 22 

وفي هذا الصدد، طالب المتحدث بضرورة إعادة فتح مستشفى الأمراض العقلية بشفشاون في وجه الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية، خاصة وأن كثيرا من شرائح المجتمع بدأت تستوعب ثقافة الطب النفسي، وفق تعبيره.

وذكر المتحدث أن أوروبا تضع رقما هاتفيا للمرضى النفسيين مع مرافقتهم ومتابعة علاجهم إلى النهاية، مردفا بالقول: “في أوروبا أرقام الانتحار جد مرتفعة نظرا لوجود حالات الانتحار الفلسفي بسبب الفراغ الروحي، وهذا النوع من الانتحار غير موجود في المغرب لأن الدين يملأ الجانب الروحي للمغاربة، لكنه لا يعلاج بقدر ما يساعد على الوقاية”.

الخصاص

غير أن العلاج من الأمراض النفسية بإقليم شفشاون على المستوى الطبي، يواجه تحديات تعيق استفادة الجميع منه، على رأسها غياب الأدوية الضرورية للعلاج بمستشفى شفشاون، ووجود طبيبة واحدة تشرف على المرضى الموجودين حاليا بالمركز، يقول الهاشمي.

ودعا المصدر ذاته إلى ضرورة إحداث مراكز نفسية واجتماعية لإيواء المرضى النفسيين وإخاضعهم للعلاج، مع تكوين الأطباء في هذا الصنف من الأمراض، وتوفير الأدوية اللازمة للعلاج وتعميمها بكافة الأقاليم.

اقرأ أيضا: محاولة انتحار فاشلة لمريض بمشفى شفشاون تنتهي به في “الإنعاش” 

وبخصوص وضعية مستشفى الأمراض العقلية بتطوان، كشف الطبيب النفسي أن هذا المركز الصحي يعاني من اكتظاظ كبير، مشيرا إلى أن عدد المرضى الذين يخضعون للعلاج بالمستشفى حاليا هو 130 شخصا، فيما عدد الأسِّرة لا يتجاوز الـ70، لافتا إلى أن المركز يستقبل الحالات من تطوان وشفشاون ووزان والمضيق الفنيدق مرتيل.

وتابع قوله: “لدينا 70 سرير في قسم الرجال، و110 حالة، أي أن 40 حالة فوق الطاقة الاستعابية للمستشفى، ورغم ذلك استقبلناهم لأنه لا يمكننا رفض علاج مريض جاءنا في ظروف صعبة، لكن المرضى في الأوضاع غير الخطيرة نردهم بسبب الاكتظاظ، فيما عدد حالات النساء في المركز يبلغ 20 حالة، وهو نفس عدد الأسِّرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *