وجهة نظر

بين الدعوة والدولة الحركة الإسلامية تأكل أبناءها

يصعب على المنخرط في العمل الإسلامي المعاصر الحديث عن تجربة تبدو نتائجها غير مرضية نظرا لما آل إليه وضع العمل الإسلامي الذي انتقل من مرحلة الدعوة الى تدبير الدولة لتنكشف حقائق وأقنعة لم تكن لتخطر على بال إبن الصحوة الإسلامية لولا معايشته للوقائع تلو الأخرى وبشكل يومي.

عندما تحدث سيد قطب رحمه الله عن الجيل القرآني الفريد الذي امتحاه من التجربة الإسلامية الأولى أي قبل وفاة النبي ، و خلص الى أن من ارتبطت روحه بالدار الآخرة مؤثرا بها الدنيا هو الإبن البار للمشروع الإسلامي الذي يعتمد أساسا على فلسفة حياة منبثقة من كون “هذا الدين لا يعمل بطريقة سحرية، وإنما يعمل بجهد البشر ” كما قال رحمه الله ، ذلك أن القيم العقائدية والإجتماعية و الإقتصادية والسياسية لايمكن أن تتخد أبعادا إنسانية إلا اذا وجد ذلك الإنسان الرباني البعيدة نفسه عن مطمع الدنيا المتعلقة بفردوس الآخرة.

لقد نشأ الرعيل الأول على يد الرسول ” ص” بتوجيهات الوحي الرباني ، وبعد وفاته “ص” عرفت الدولة الإسلامية رجالا استطاعوا تنزيل الإسلام بشكل سليم من خلال مظاهر عدة أظهرت ذلك الترابط المتين بين الديني والدنيوي مجسدين بذلك مدنية الدولة الإسلامية التي فرضت نفسها في الساحة العالمية آنداك . وبالرغم من الإمتداد الجغرافي والنبوغ العلمي الذي عرفه عهدي الدولة الأموية والعباسية وما بعدهما ، فإنه لم يخلوا من قادة جبارين دمويين ابتعدوا كثيرا عن شعاع الإسلام الذي تضيء أنواره من أراد وتفاعل إيجابا مع قيمه واستحضر المنطق الشوري الديموقراطي البعيد عن الإستبداد والمستحضر على الدوام الرقابة الإلاهية.

لقد استعمل مناوئوا الأحزاب الإسلامية ورقة استغلال الدين في السياسة ، فرد عليهم ” منظروا ” العمل السياسي الإسلامي بما سموه ” نظرية فصل الدعوي عن السياسي ” التي كانت وبالا على الصف الإسلامي الذي جعل نفسه مستباحا ممن هب ودب من الذين اصطفوا كأعضاء وتموقعوا بتملقهم ونفاقهم بعد أن وجدوا القابلية لذلك لدى جيل التأسيس الذي لا زال يتناوب على القيادة دون حياء رغم شعار المسؤولية تكليف وليست تشريف ووو…… ، علما أن ما خلف ستار العملية الإنتخابية الداخلية افتضح و أصبح مكر الليل والنهار هو سيد ساس يسوس سياسة التي لعنها محمد عبده رحمه الله بعد أن أضحت خالية من قيم الصدق والأمانة والإخلاص ، علما أن ما أسميه ” مجلس تشخيص مصلحة الحزب ” بصلاحيات قوية هو سبيل مهم حاليا من عدة سبل يحتاجها العمل السياسي الذي يرفع شعار المرجعية الإسلامية اذا تكون من نخبة العلماء والفقهاء المهتمين بالشأن السياسي الحزبي من جهة والشأن العام الجماهيري من جهة أخرى دون حساسية زائدة من هذه الفئة التي ما قام للأمة قائمة الا بتوجيهاتها الرشيدة المؤصلة تأصيلا إسلاميا متنورا ومنسجما مع عصره. ذلك أن تجربة التسيير عالميا أثبتت نجاعة الفصل بين مؤسسات التنظيم كما مؤسسات الدولة في إطار قانون أساسي داخلي مقنن بشكل صارم يقطع الطريق على القيادة التنفيدية المستبدة أو التي تحولت الى كتلة من العياشة في انفصام صارخ بين مرحعية التنظيم وتفاعلاته من حيث المواقف مع الواقع بكل أقطابه .
إن أزمة القيادة الرشيدة المتجددة التي يعانيها أحد أقطاب العمل الإسلامي بالمغرب بشكل عميق تحتاج كما تحتاج باقي الأقطاب الأخرى و إن بمقدار معين الى حركات تصحيحية من داخلها لتعيد الإعتبار للمرجعية الإسلامية على الساحة الوطنية ، فأقنعة النفاق وجب إسقاطها و في أقرب فرصة ممكنة عن طريق عدة خطوات لا تبدو مستحيلة إذا استعد الرجال وعزموا عزمهم لإقتحام عقبة الإستسلام والإنتظارية التي ابتلوا بها . خاصة أن القوانين الداخلية التي تشرع أحيانا كثيرة على مقاس عباد المناصب يمكن تغييرها بجعل المكاتب التنفيدية ملزمة بأن يتغير أعضاؤها بنسبة 70% حتى نكون فعلا أوفياء لمقولة تجديد دماء هياكل التنظيم وبعث روح التجديد في أطروحاته ومواقفه وخططه وتفاعلاته مع ذاته ومحيطه من المنافسين له على قيادة الدولة.

لقد أكد الرسول ” ص ” أن دعوته نصرت بالشباب أساسا ، فهم أرق أفئدة و جواهر مكنونة تجري في عروقهم دماء حيوية تستطيع مجاهدة أهل الفساد والإستبداد ، ولا أدل على ذلك أنه بالرغم من انحياز الحزب القائد لحكومة الواجهة للمخزن بعد اندلاع احتجاجات حركة 20 فبراير فقد مالت شبيبتهم الى خيار الشارع مما أظهر أنه بالفعل لكل مرحلة رجالها الشباب الذين أدركوا ما لم يدركه جيل التأسيس الذي شاخ و هلك تدبيره فذل إذلالا مابعده هوان بتأويلاتهم المنبطحة التي رفضوا من خلالها قانون الإبتلاء كما وضحه المفكر الإسلامي المغربي ادريس الكتاني رحمه الله.

إن التاريخ الإسلامي الذي أشرقت معالم إنجازاته الحضارية حافل بالرجال الذين غيروا مجرى أحداثه الأليمة بعد يأس استوطن نفوس أبناء أمتنا آنداك ، ويحق لنا اليوم أن نفخر بالسيد المحترم رجب طيب أردوغان الذي قاد حركة تصحيحية من رحم حزب الرفاه الإسلامي ليؤسس لعمل إسلامي سياسي جديد جعل تركيا اليوم من الدول العشرين الأقوى اقتصادا في العالم في وقت وجيز و كلنا يعلم كيف ثم ذلك.

في ذكرى 20 فبراير لا يسعني سوى أن أنادي الضمائر الحية من أبناء الصف الإسلامي خاصة لتصحيح المسار بإعادة سن القوانين وغربلة البيت الداخلي من أهل الشقاق وإعادة النظر في تلك المقولة الخرقاء ” فصل الدعوي عن السياسي ” ، حتى ننتقل بالفعل من الدعوة الى الدولة ، مغلبين منطق العقيدة عن الغنيمة ، و منتصرين لشعب يستحق أن يكون له قادة مخلصين لله وللوطن وغير هذا فإن اللعب بمنطق الأطفال في تسيير الشأن الداخلي والعام هو سيد الموقف خاصة اذا علمنا أن خيرة أبناء الصحوة الإسلامية قد تواروا عن ميدان العمل السياسي بعد تلقيهم ضربات دسائس أهل المكر والخداع الذين اغتنوا فقط عندما وصلوا لتدبير الشأن العام ، مما أدى إلى أن نعايش واقعا شعاره الحركة الإسلامية تأكل أبناءها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *