وجهة نظر

رسالة المستعمر الجديد؟

إن الفكر الإستعماري في عصره القديم والحالي كان ولازال متعطشا للسيطرة والهيمنة والتباهي أمام شعوب العالم الثالث أو ما يصطلح عليه في العصر الحديث بالدول السائرة في طريق النمو (الخراب) ، والتي عاشت سنوات من السواد وهضم للحقوق والحريات..

إلا أن عقلية المستعمر لازالت في تطور مستمر، فبالرغم مما يزعم لدى البعض أنه طرد المستعمر والحق به شر هزيمة ، لكن في حقيقة الأمر إنه يلعب لعبته الثانية والثالثة ..الخ ، بل يحاول بكل قوة ومكر فرض هيمنته في مجالات متعددة ، لكن بأيدي الخونة وبعض أبناء الوطن الذين تشبعوا بالثقافة والحرية الغربية إلى درجة استيلاب كل ماله علاقة بمرجعيتهم الفكرية المرتبطة بالأرض والهوية وحب الوطن ..

إنه واقع مؤلم ويحز في النفس ، خصوصا حينما نشاهد أبناء هذا الوطن يرتمون في أحضان المحيط الأطلسي والمتوسط لعلهم يصلون إلى الفردوس الأوربي حيث الحرية المزعومة ، لقد نجحوا إلى حد كبير في زراعة الحقد وفقدان الأمل والحرية في بلدهم الأم ،ليتسنى الإنفراد بالوطن وخيراته التي تم حجبها عن أبناءه وبناته .

إنها مؤامرة دنيئة وخبيثة كان أبطالها الخونة والمغرر بهم من أبناء هذا الوطن، هل فكر أحد منكم عن أعداد الوفيات من الشباب الذي يرمي نفسه للمجهول في زرقة مياه الأطلسي والمتوسط ؟ هل فكر أحد منكم عن مال ومستقبل تلك الأعداد التي تصل إلى الفردوس الأوربي ؟ هل فكر أحد منكم عن تلك السنوات التي تهدر في سبيل البحت عن أوراق الإقامة والعمل ؟ هل فكر أحد منكم عن ضريبة الغربة لدى هؤلاء ؟ وهل فكرتم عن الإستيلاب الفكري والديني .. الذي يتعرض له أبناء المهاجرين ؟ .. الخ من التساؤلات التي لازالت مستمرة تنتظر إجابات حقيقية وصادقة.

إن شهية المستعمر كبيرة ومفتوحة لا تقتصر فقط على التبعية الإقتصادية بل بالعكس إنها تحاول بكل الطرق من أجل أن تتجدر وتضرب بجذورها بشكل أعمق في العديد من القطاعات الحساسة ، وهنا أشير إلى مسألة في غاية الأهمية وهو قطاع التعليم والتكوين ، هذا القطاع الحيوي والحساس كان دائما في مقدمة اهتمامات التوغل الإستعماري ، لأن مقاومة ودفاع أزلام المستعمر كانت في سبيل ترسيخ الثقافة والهوية الإستعمارية لدى الأجيال القادمة ، الذي يبقى من بين أكبر وأخطر المخططات الإستعمارية الحالية .

لنجد كذلك مسألة لا تقل خطورة عن الأولى ألا وهي مسألة هجرة الأدمغة نحو الغرب ، لأن أساس اللعبة كما قلنا سالفا هو زرع بذور اليأس والنفور.. في نفوس هؤلاء الشباب تجاه بلدهم الأم فيتهيأ لهم أنه لا يقدم فرص العمل والكرامة والعدالة الإجتماعية والعيش الكريم .. ، نعم بالفعل الواقع يقول ذلك ، ولكن بسبب خطط هؤلاء التي عملوا عليها لسنوات طوال ، حثى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم .

إن أكبر الألاعيب الذي يعتمدها خونة وأزلام المستعمر هي إغراق وتقييد أيادي الوطن بالديون وخوصصة المؤسسات والإتفاقيات الملغومة..، وهي وسيلة وواجهة أخرى للتدخل والتوغل بشكل أكبر داخل المسار التنموي والإقتصادي للدولة ، لإبطاء وكبح سرعة التنمية حثى يتسنى لهم التحكم والإنفراد بدفة القيادة بشكل كلي .

إن المستعمر الجديد متتبعي الأعزاء ليست إستراتيجيته إستعمار الأمم بقوة السلاح وعظمة الجيوش.. ، بل يعملون على هدم وفك الروابط التي تجمع بين بعضكم البعض ويودون أن تنشغلوا كثيرا بمشاكلكم ورغباتكم الدنيوية التي لا تنتهي ولا تحصى ..، بل يودون أن ينشروا الفتنة وتفترون في ما بينكم ،وهذا السلاح بالخصوص بتنا نشاهده في الآونة الأخيرة كثيرا حيث يستعمله أزلام الخونة دون سأم أو ملل أو خوف .

أما التكنولوجيا الحالية والقادمة فتبقى أكبر سلاح يستخدمه الغرب لغزو وهدم عقول الشباب فكم من تطبيق الكتروني تسبب في إنتحار شبابنا وأطفالنا (الادمان)، إنه سم قاتل يقتل صاحبه مع مرور الوقت ، فما بالكم بالإنتاجات السنمائية التي يطبع عليها العنف والإعجاب بالحرية الغربية المزيفة وكذا تمرير الأفكار الهدامة للعقيدة والتراث والثقافة .. الخ ، أما تلكم الأفلام الإباحية التي غزت كل البيوت فتبقى خطورتها أشد وأعمق فجراحها النفسية يصعب معالجتها في أيام وشهور ..

إنها وسائل وذرائع وحروب قذرة لفرض الأمر الواقع وشرعية التدخل في الحياة السياسية للعديد من الدول ، لتغيير والإنقلاب على أنظمتها الحاكمة إن اقتضى الأمر ذلك ، تاركة الشرعية والمجال لمن يساير ويقبل إملاءاتها وتوجيهاتها وشروطها ..

إن التركيز على هكذا أسلحة بهذا الكم وهذا التنوع وهذا الخبث ، بلا شك زعزع مجتمعات كثيرة بشكل لا يتصور ، آنذاك تصبح الدولة والمجتمع على شاكلة جثة هامدة تنعدم فيها الحياة ، وتصبح مادة دسمة للتجارب والأبحاث العلمية كما هو الحال مع فئران المختبرات، التي تبقى حياتها مقتصرة ومرهونة على نوعية التجارب والأبحاث التي ستجرى عليها .

فهل يا ترى ستستطيع الأنظمة العربية أن تفك عقدة الارتباط مع الغرب (التبعية) ؟ وهل مجتمعاتها ستكون ذكية كفاية حثى تجهض هذه المخططات ؟ أم ستبقى أسيرة لوهم الحرية والتقليد الأعمى ؟

فمتى إذن ستستيقظ هذه الدول والحكومات من سباتها وتأخذ بزمام المبادرة والإنتقال للهجوم بدل الدفاع والقبول بالهزيمة والرضا بالذل والهوان ؟ إلى ذلكم الحين لنا حديث آخر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *