منتدى العمق

ممرض في حيص بيص(5) بين الأمن الممنوع ومطرقةعيار 73

من حقّك أيّها (المحترم) أن تتقدّم بشكاية إن أحسست أنّك حُرمت من خدمة تستحقّها، كما يمكنك أن توزّع شكايتك عموديّا على كلّ درجات السلّم من المستوى الإقليمي ابتداء إلى المركزي انتهاء مرورا بالمستوى الجهوي كما يمكنك توزيعها أفقيّا على إدارات أخرى، وذلك لأنّ في قلبك ريب، ولأنّك لم تشأ أن تستوعب أنّ القانون والأخلاق والضّمير المهني و(تاسلميت) و(تمغربيت) و(الخوى) لا يسمحون بحقنك بدواء الله أعلم كيف ومن أين حصلت عليه بدون وصفة طبيب، وإن أردت أداء دور طبيب نفسكفلن أبارك ذلك ولن أيسّره لك، وإن أخذتك العزّة بالجهل فالعب ذلك الدّور بعيدا عنّي ولا تُنقضبوزرك ظهري و ظهر من سنّ تلك السنّة السّيّئة،ولن يشفع لك استرخاصك صحّتك وحياتك كما ادّعيت، ولن يفيدك في شيء القول إنّ فلانا أوعلّانا لم يسألك قطّ عن وصفة الطّبيب فكلّ واحد مسؤول عن أفعاله وكلّ شاة تُعلّق من كراعها، و لكن ليس من حقّك أن تعطّل المصلحة وتحرم المرتفقين الآخرين لساعات من خدمات المرفق؛ مشهد يتكرّر مرارا وتكرارا بشكل أكثر أو أقلّ حدّة، والعنوان المشترك لأغلب هذه المقاطع الدّراميّة هو الإصرار، إلى درجة استعمال العنف بشتّى بأنواعه، على نيل خدمة بشكل غير قانوني أو غير متوفّرة أصلا، ويسجّل الواقع مشاهد أخرى لا تخطر على بال بشروبعضها أغرب من بعض.

الظّاهر من إسراع الإدارة إلى الفصل 73 من النّظام الأساسي العام للوظيفة العموميّة (إذا ارتكب أحد الموظفين هفوة خطيرة سواء كان الأمر يتعلق بإخلال في التزاماته المهنية أم بجنحة ماسة بالحق العام فإنه يوقف حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب)،كلّما اشتُبه قولا أو فعلا في ارتكاب أحد المستخدمين بقطاع الصّحّة ما يسمّى هفوة خطيرة، أنّ الوزارة حريصة على تطبيق القانون حفاظا على حقوق المرتفقين وعلى السّير العادي لمصالحها وبالتّالي ضمانا لاستمرار الخدمة العموميّة، ولكن السّؤال الذي يجب الانتباه إليه هو؛ هل تسير وزارة الصّحّة بنفس السّرعة في اتّجاه الفصل 19من نفس النّظام (يتعين على الإدارة أن تحمي الموظفين من التهديدات والتهجمات والإهانات والتشنيع والسباب التي قد يستهدفون لها بمناسبة القيام بمهامهم، وتعوض إذا اقتضى الحال وطبقا للنظام الجاري به العمل، الضرر الناتج عن ذلك في كل الأحوال التي لا يضبطها التشريع الخاص برواتب التقاعد وبضمانة الوفاة، حيث أن الدولة هي التي تقوم مقام المصاب في الحقوق والدعاوى ضد المتسبب في الضرر)، متسلّحة بالفصل 263 من القانون الجنائي (يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم، من أهان أحدا من رجال القضاء أو من الموظفين العموميين أو من رؤساء أو رجال القوة العامة أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة أو رسوم غير علنية وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم)، حين يتعلّق الأمر بالاعتداء على الممرّض بمناسبة القيام بمهامه، وذلك من أجل حمايته والحفاظ على حياته وحفظ حقّه حين يصبحان في مهبّ ريح يحدثها كلّ من هبّ دبّ و ولج المرافق الصّحّيّة؟ وقبل ذلك، هل تقف الوزارة على نفس المسافة من الفصلين 19 و73 من النّظام الأساسي العام للوظيفة العموميّة؟

الوجه الأوّل لمحاولة الجواب يسائلنا عن ماذا فعلت الإدارة لأجرأة الفصل 19 وإخراجه من سجن النّصوص إلى حرّيّة الواقع؟ وماذا فعلت الوزارة كإجراءات عمليّة وتقنيّة لحماية الموظّف عموما والممرّض على خصوص من التّهديدات والتّهجّمات والإهانات والتّشنيع والسّباب التي ارتفعت وتيرتها على مرّ التّاريخ منذ ولادة النّظام الأساسي العام للوظيفة العموميّة إلى اليوم؟ وماذا فعلت للوقاية وللتّعامل مع هذه الاعتداءات التي أصبحت موضة العصر في المرافق الصّحّيّة، يعبّر من خلالها كلّ من في قلبه مرض عن رأيه في النّظام الصّحّي وفي النّظام عموما ونظرته للحياة وللآخرين؟

إنّه من المؤسف حقّا أن نشهد تغيّر المجتمع في اتّجاه توسّع مجال حرّيّة التّعبير التي تحوّلت عند البعض إلى حرّيّة الاعتداء اللّفظي على الممرّض بل وتحوّلت إلى قضاء الشّارع، وفي المقابل لازالت الوزارة تنتظر من الممرّض أن يقوم بمهام ضبط الأمن والنّظام داخل المرفق الصّحّي، والكلّ يعلم أنّ القانون لا يخوّل له فعل ذلك، وإن فعل لاشك سيقع تحت طائلة العقاب بتهمة العنف الجسدي أو اللّفظي، والواقع يؤكّد أن الممرّض، وفي غالب الأحيان لا يستطيع الاضطلاعبضبط الأمن، لا هو ولا مستخدمو شركات الحراسة، ولا حتّى رجل أمن أعزل من السّلاح أو غير مسموح له باستعماله.

ومن المجحف أن يُنتظر من مهنيّ في قطاع الصّحّة أن يركّز في أداء عمله المتعلّقة به حياة الآخرين وسلامتهم وصحّتهم وهو يقضّي يومه متوجّسا، منتظرا أن يستلّ أحد المرتفقين أو أحد مرافقيهم لسانا سليطا لينهش عرضه وعرض أهله ويشكّكفي مصداقيّة الوزارة التي تُشغّله، أو يُشهر سيفا صارما يهدّد به حياة المستخدمين والمرتفقين على حدّ سواء، سواء كان مختلّا عقليّا طليقا يتجوّل بحرّيّة بين النّاس، أو مجرما يحترف الاعتداء على الغير ويسترزق من السّطو المسلّح، أو جاهلا يعتقد أنّه يعيش في غابة أو بلد سائبة يفعل فيها ما يشاء ويقول ما يحلو له باسم الحرّيّة والديّمقراطيّة، أو باسم الدّفاع عن حقّ الفرد أو الجماعة أو تحت أي مبرّر آخر، ثمّ يعود في المساء إلى بيته قرير العين كأنّ شيئا لم يكن بعد أن حوّل المرفق إلى ساحة وغى اختلط فيها الحابل بالنّابل.

أمّا الوجه الآخر لتلك الإشكاليّة فيحيلنا على السّياق العام الذي يبدو أنّ الوزارةتتماهىمعه، كما وزارات أخرى ذات صلةبالموضوع في إطار الشّراكة والتّضامن الحكومي، وكذلك تفعل الحكومة عموما، هذا السّياق الذي يسير في اتّجاه تعليق كلّ فساد أو سيّئة أصابت الإدارة عموما والقطاع الصّحّي على الخصوص في رقبة الموظّف و الممرّض، ومن تَمّ تعليقه في مسلخ يسمّى إصلاحا إداريّا.

بالأمس أوحى وزير سابق للمواطنين أن الوزارة وفّرت أجود الخدمات في المؤسّسات الصّحّية،”وإن منعوها عنكم فعليكم بهم!” واليوم يجفّ الضّرع أو يكاد، من الأدويّة الخاصّة بالأمراض المزمنة ولا تكلّف الوزارة نفسها مباشرة أو عن طريق الإعلام توضيح الوضع وحيثياته للرّأي العام وللمرضى الذين يصبّون جام غضبهم على الممرّض والطّبيب الذين اعتادوا أن يتسلّموا منهما الدّواء،لأنّهم اختزلوا وزارة الصّحّة كلّها بقدّ وقديدها في هذا الممرّض وهذا الطّبيب، فلماذا لا تقول الوزارة للمواطن كما تشير تلك اللّوحات القديمة المعلّقة في الحافلات للرّكاب حفاظا على سلامتهم أن لا يتحدّثوا مع السّائق، وليوجّه كلّ متضرّر شكواه إلى مالك المرفق الذي هو الوزارة الوصيّة ولهذه الأخيرة أن تحاسب من يستحقّ المحاسبة بالقانون، بدل أن ينبري لأداء مهمّة المحاسبة كلّ من سوّلت له نفسه أنّه أهل لذلك بالغوغائيّة والبهرجة والتّجارة السيّاسويّة أو الانتخابويّة أو الجمعويّة؟ هكذا ستظلّ المؤسّسة الصّحيّة ميدان تدريب لممارسة العنتريّات على المستخدمين من طرف بعض السّفهاء كانوا أشخاصا يمثّلون أنفسهم فقط أو متدثّرين برداء الانتماء السّيّاسي الحزبي أو الجمعوي أو التّمثيل داخل المجالس التّرابيّة أو غيرها.

علينا أن نقرّ أنّه ومع مرور كلّ هذه السّنين لم تقل الوزارة للموظّف كيف ستحميه من الاعتداءات المنصوص عليها في القانون، بل تركته وحيدا في الواجهة لامتصاص موجات الغضب التي تثيرها الخدمات الصّحيّة غير المقنعة في اعتبار المواطن سواء بوجه حقّ أو بدونه، ويكفي أن تعترف الوزارة بفشلها في ترجمة الفصل 19 إلى إجراءات عمليّة وتقنيّة على أرض الواقع لتقتنع أنّ الإصلاح يجب أن يكون من نقطة البداية وليس من منتصف الطّريق، فلتستخدم التّقنيات والموارد البشريّة المحليّة أو الأجنبيّة، أو تستعمل الأجهزة السّمعيّة البصريّة أو الشّركات المختصّة من الدّاخل أو من الخارج، ذلك شأنها ومجال اجتهادها، أمّا ما يهمّ الموظف فهو تحقيق الفصل 19 على أرض الواقع وداخل المرفق الصّحّي ليحسّ أن الإدارة لا تكيل بمكيالين في التّعامل مع الفصلين 19و73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العموميّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *