حوارات، مجتمع

الناجح: مدارس السياقة لا تساير الإصلاحات.. ونظام التشوير ضعيف (حوار)

حوار مع إدريس الناجح، الخبير الدولي في مجال السلامة الطرقية

• لماذا تتقدم استراتيجيات السلامة الطرقية في الدول الأوربية، وتتراجع بالمغرب أو على الأقل لا تحقق النتائج المرجوة منها؟

لسبب بسيط هو أن الاستراتيجيات التي توضع في عدد من الدول الأوربية، تلعب فيها ثقافة السلامة الطرقية دورا حاسما.

في ألمانيا مثلا، قضية السلامة الطرقية ليست قضية الدولة أو الوزارة الوصية فقط الدولة فقط، وإنما هي جزء من الثقافة التي يتشربها الألماني في مختلف القنوات التي تشكل رأيه بدءا من المدرسة وانتهاء بوسائل الإعلام، ولا توجد سياسة من السياسات العمومية تتعارض مع هذا الهدف، فالكل يشتغل بشكل منسجم، وتظهر السلامة الطرقية باعتبارها منظومة ممتدة في سياسات عمومية مختلفة، تسير بشكل منسجم وتكامل.

• ولكن المغرب أيضا نهج هذه الاستراتيجية، وتبنى منطق المنظومة في تدبير السلامة الطرقية، ومع ذلك تظهر النتائج تعثراته المتتالية؟

لا ينبغي أن ننسى الدور الذي قامت به حكومة بنكيران، وبشكل خاص، سياسات عزيز رباح في تطوير منظومة السلامة الطرقية، ففي هذه المرحلة، بدأنا نشعر بأن المغرب قد اهتدى إلى الطريق السليم في مقاربة السلامة الطرقية، فتوجه إلى إصلاح مختلف السياسات المتدخلة والمؤثرة في السلامة الطرقية، بدءا من إصلاح المنظومة التشريعية (مدونة السير) وانتهاء بإصلاح أنظمة المصادقة، مرورا بإصلاح نظام تسليم الرخص وما يرتبط بمنظومة الخبرة والتأمين وتكوين السائقين.

• لكن مرت حوالي سبع سنوات على اعتماد هذه المقاربة دون أن تكون النتائج مرضية؟

الاهتداء إلى المقاربة لا يعني بالضرورة أن الحكومات قد وضعت التشريعات والإجراءات الملائمة لمنظومة سلامة طرقية بعائدات ونتائج مرضية. فثمة عدد من الاختلالات في هذه السياسات والتشريعات لم يتم الانتباه إليها لتعديلها، فضلا عن اللجوء لبعض التحايلات لتعطيل مضمون الإصلاحات التي تم القيام بها.

فعلى سبيل المثال، تم إصلاح نظام تسليم رخصة السير، وتم التغيير الكلي لنظام الامتحان، ورفعت النقط الموجبة لتسلم الرخصة لـ 32 نقطة، وثمة نقاش اليوم لرفعه مرة أخرى لـ 34 نقطة، لكن إلى اليوم لم تساير مدارس تعليم السياقة هذه الإصلاحات، ولا تزال أغلبها يشتغل في محلات تفتقد لأبسط شروط التكوين، كما لا توجد ضمانات كافية تؤكد وجود نزاهة كاملة في اشتغال مراكز التسجيل، فضلا عن الطابع التقليدي لبرامج نظام الامتحان، وعدم الاستجابة لطلبات تجديده من قبل المهتمين، رغم طلب العروض الذي قدمته الوزارة بهذا الشأن أكثر من مرة.

في ألمانيا على سبيل المثال، ثمة ما يسمى بالسيئات الكبرى في مدونة السير، مثل خرق إشارة الضوء الأحمر، أو المرور من الطريق الممنوعة، أو التجاوز المعيب، إذ يتم التشديد على هذه السيئات، ويظهر هذا التشديد حتى على مستوى معايير التنقيط في برامج الامتحان، ويتم في ألمانيا تحويل السائق إلى الطبيب النفسي في حالة تكرر حالة العود قبل سحب رخصة سياقته.

في نظام الامتحان المغربي، لا وجود لضابط علمي ومنهجي في معايير التنقيط، فالأسئلة تأخذ نفس الدرجة، وهناك تركيب غير مفهوم في بعض الأسئلة ينتهي بالسائق المتدرب إلى إضاعة نقط كان من المفروض أن يحصل عليها، كما أن عملية سحب النقط في المغرب غير جدية، ويتم التدخل لتوجيهها، إذ ما يهم هو دفع غرامة المخالفة، أما تثمين قيمة المخالفة، وسحب النقط فغير معمول به في المغرب، فضلا عن سحب رخصة السياقة لانتهاء رصيد النقط المخولة.

فأنت ترى من خلال هذه الأمثلة أن الإصلاحات موجودة، لكنها غير فعالة أو تطبيقها يحتاج لجدية أكبر، أو أن هناك تحايلا من المجتمعلإبطال مفعولها ولا يتم التدخل للمواكبة تشريعيا لإعادة الناجعة للقوانين والإجراءات المتخذة.

• في الأسبوع الجاري وقعت حادثة غريبة ومروعة في حي لابيركولا، التابع لجماعة الدشيرة الجهادية إقليم إنزكان أيتملول، انتهت بانقسام السيارة إلى قسمين وموت شخص في مشهد لا يرى كثيرا في الدول التي تتمتع بمنظومة سلامية طرقية قوية، أين المشكلة؟

سؤالك يثير نقطة حساسة، تتعلق بمنظومة الخبرة في المغرب، وبعض الأعطاب الخطيرة التي تجعل أداءها غير متناسب مع السياسات التي تتطلع لتقوية منظومة السلامة الطرقية. فثمة سيارات أصيبت في وقت سابق بأضرار خطيرة، والقانون في هذه النازلة، يمنح الخبير صلاحية إبداء الرأي في إمكانية جولان هذه السيارات من عدمه.

لكن، نظام الخبرة في المغرب يعرف فوضى عارمة، فنسبة الذين حصلوا على اعتماد من قبل وزارة العدل بعد دراسة ملفاتهم التكوينية ومسارهم المهني جد محدودة، والبقية الباقية يأخذون صفة الخبير، بحكم اعتمادهم من قبل شركات التأمين، بدون تكوين معتبر، ولا مسار مهني مؤهل، وهو ما يجعل الحكم في هذه الحالات يخرج عن حدود المهنية، فيسمح للعديد من السيارات بهذا الشكل بالجولان من قبل هذا النوع من الخبراء، وتقع مثل الكارثة التي تحدثت عنها، وذلك بسبب أن السيارة ربما سبق لها أن تعرضت لحادثة خطيرة، وبدل أن يصدر الخبير قرارا بمنعها بالمطلق من الجولان، يجيز إصلاحها، فيتم لحم هيكلها بشكل يفقدها توازنها، ويعرضها مرة أخرى لمخاطر مؤسفة.

فالمشكلة تتمثل في ضرورة إصلاح منظومة الخبرة، وإعلان القطيعة بشكل متدرج مع فوضى الخبرة، واعتماد آليات مهنية لاعتماد الخبراء، وتنصيب هيئة الخبراء لكي تنظم المهنة وتتحمل المسؤولية في الانتهاكات التي تضر بأخلاقيات المهنة وذلك على شاكلة العديد من المهن الحرة.

• المشكلة ربما أكبر من الخبير، فهناك سوق من المتلاشيات من قطع الغيار يتم إعادة تشغيلها، أليس لذلك أثر سلبي على منظومة السلامة الطرقية؟

بالتأكيد لها خطرها، لأن التشريعات لا تضع أي رقابة على قطع الغيار تلك، ومدى ملاءمتها وصلاحيتها. في التجارب الأوربية، ليست هناك قطيعة نهائية مع أسواق بيع قطع الغيار القديمة، لكن، دورها لا يتعدى بعض قطع الغيار غير المؤثرة على السلامة الطرقية، في حين يتكامل عمل المتدخلين في منظومة السلامة الطرقية في مكافحة استعمال قطع الغيار المؤثرة على السلامة الطرقية، فشركات التأمين تتحمل مسؤوليتها في تعويض قطع الغيار التي تعرضت للتلف بقطع غيار جديدة، وهذا يوفر قاعدة صلبة لنمو صناعة قطاع الغيار ورواج تجاري مهم في القطاع مع تنافسية في الأسعار.

في المغرب، ثمة مشكلتان مستعصيتان، تحتاجان لإنتاج سياسة جدرية في هذا الاتجاه: إعلان القطيعة مع بيع قطع الغيار القديمة المؤثرة على السلامة الطرقية، ثم اعتماد المعايير الدولية في مجال المصادقة على قطع الغيار المستوردة أو تشديد الرقابة على قطع الغيار المهربة.

ينبغي أن نعترف أنه وقع تحسن مهم في أداء رجال الجمارك بهذا الخصوص، لكن، منظومة المصادقة تحتاج لمجهود أكبر، ففي المغرب لا نتوفر على مختبر يمكن من معرفة مكونات قطع الغيار المستعملة، ولا وجود لخبراء يمتلكون تكوينا متخصصا في المجال، والخبرة الموجودة جد محدودة، مما يطرح سؤال معايير المصادقة التي يتم اعتمادها، وإلزام رجال الجمارك بتفعيلها في تنظيم عملية الترخيص بدخول قطع الغيار إلى المغرب.

ينبغي في هذا الإطار فتح المجال للخبرات المغربية في الخارج، والاستفادة من رصيد التكوين الذي حضوا إليه، ومن التجربة المهنية التي راكموها، فإنشاء مختبر للمصادقة يشرف عليه هؤلاء الخبراء، يمكن أن يجعل المصادقة تدخل بجدية في منظومة السلامة الطرقية وتؤدي دورها على الوجه الأكمل، سواء كتم ذلك بتبني الدولة للمختبر أو فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال بضوابط مشددة.

• لكن شركات التأمين ستكون أول مقاوم لسياسة القطيعة مع سوق المتلاشيات من قطع الغيار، لأن ذلك سيرفع تكاليف تعويضاتها للمتضررين؟

على العكس من ذلك، فاعتماد نظام التعويض بقطع الغيار الجديدة، سيقلل من نسبة حوادث السير، ويقلص من ظاهرة تكرار السيارة للحادثة بسبب عدم صلاحية قطع الغيار للاستعمال. وستكون الدولة هي الرابح الأكبر إذا تطورت صناعة قطع الغيار في المغرب، وارتفعت محاصيل الضرائب، فهذا يمكن له أن يخلق أرضية تفاوض مع شركات التأمين للنظر في حوافز في هذا الاتجاه. فلا يتصور في نظري إصلاح لمنظومة السلامة الطرقية، بدون إصلاح المنظومات الثلاث المؤثرة: التأمين، الخبرة، المصادقة.

ينبغي الإشارة هنا، أن عائدات مهمة تتكبد شركات التأمين خسارتها، بسبب تحايلات وتواطؤات غير مهنية، ويمكن لشركات التأمين أن تعتمد سياسات فعالة لإيقاف هذا النزيف المالي، فهناك ظاهرة إعادة الحوادث، وهناك ظاهرة أخطر منها هي الاستثمار في الحوادث، فهناك نسبة كبيرة من الغش في الحوادث التي تقع بفعل تواطؤات مشبوهة، فضلا عن وجود ظاهرة تعدد التأمينات، فهناك سيارات تعتمد أكثر من تأمين، ويستثمر أصحابها في الحوادث لضمان أكثر من تعويض في حادثة واحدة من شركات تأمين متعددة، في غياب برنامج منسق حوله بين شركات التأمين ينهي ظاهرة الغش هذه، ويسمح لها باسترجاع أموال كبيرة.

وأظن أنه آن الأوان في المغرب لاعتماد برنامج معلوماتي موحد ينهي ظاهرة تعدد التأمينات للعربة الواحدة. فلا ينبغي أن نفترض في الإصلاح مقاومات مفترضة في ظل وجود خيارات أخرى لتقوية منظومة التأمين لا النظر إلى شركاته باعتبارها معيقة أو غير متعاونة في تقوية منظومة السلامة الطرقية.

• إذا افترضنا اشتغال كل هذه المنظومات، فهل نضمن تحقيق تقدم في السلامة الطرقية في ظل الواقع الثقافي والتكويني للسائق؟

العامل البشري هو الذي يحتل النسبة الأكبر في حوادث السير، والرهان على إصلاح المنظومات الأخرى خارج الاهتمام بالإنسان/ السائق، والنهوض بتعليمه وتكوينه وثقافته ومنظومة قيمه اتجاه الطريق، سيكون بمثابة إصلاح بيت مع تركه من غير بوابة، فيكون معرضا للإتلاف من جديد. الاهتمام بالسائق تكوينا وتربية، ينبغي أن يبدأ من التعليم الأولي وليس الأساسي، وينبغي ألا يقتصر الأمر على سائق السيارة أو الشاحنة أو حتى الدراجة النارية، بل الأمر ينبغي أن يشمل حتى القروي الذي يسوق الجرار ويستعمل الآليات الفلاحية، فهناك عدد مهم من الحوادث التي تتسبب فيها الآليات الفلاحية، وذلك بسبب عدم وجود تكوين للفلاح في التعامل مع هذه الآليات.

في المانيا، هناك رخصة لسياقة الجرار، والفلاح يخضع لتكوين صارم في التعامل مع الآليات الفلاحية، لست أدري أي تكوين يخضع إليه هؤلاء في المغرب، وما البرامج التي تعتمدها وزارة الفلاحة في هذا الشأن، لكن ما يهمني بدرجة كبيرة، أن نعطي الاهتمام لهذا الجانب حتى نقلص أيضا من نسبة الحوادث التي يكون سببها جهل الفلاح بالتعامل مع لآليات الفلاحية.

وما دمتم تتحدثون عن دور المعامل البشري، أحب التأكيد هنا، أن منظومة التشوير هي جزء لا يتجزأ من التربية المواطنة التي ينبغي أن يتم اعتمادها في برامج التكوين، وذلك بشكل متواز مع اعتمادها بشكل قوي وكثيف على الطريق. فمنظومة التشوير في المغرب ضعيفة، ولا تساعد السائق على احترام قانون السير، بل لا تساعده على سياقة آمنة في الطريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • محمد بونوار
    منذ 5 سنوات

    موضوع رائع أكاديمي بكل المقاييس , هناك تباين كبير بين تطبيق قانون التنقيط في المانيا والمغرب .