كسرت احتكار الرجال لأحيدوس.. سناء جدوبي ترفع راية المرأة الأمازيغية من قلب الأطلس (حوار)

في عمق جبال الأطلس المتوسط، حيث تتشابك جذور الأرض مع ترانيم الزمن، تنبعث روح أصيلة من خلال فتاة شابة تتحدى قيود الواقع وتعيد للحكاية الأمازيغية بريقها.
شابة أمازيغية، ذات العشرين ربيعا، ليست مجرد طالبة جامعية في المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي بالرباط، بل هي صوت الأجداد الذي يرن في كل حركة من حركات فرقة أحيدوس التي تقودها، أول مايسترا نسائية في منطقة بوقشمير.
بدأت رحلتها الفنية منذ كانت في الحادية عشرة من عمرها، باحثة عن مكان في عالم يهيمن عليه الرجال، مجابهة بالصعاب والانتقادات الحادة، لكنها وجدت في فن أحيدوس ملاذا لهويتها وذاكرة شعبها. بين رقصات وتقاليد متجذرة، تصنع سناء بصمتها بشجاعة المرأة القروية التي تصر على أن صوتها له مكان في سماء الفن والثقافة.
في هذا الحوار مع جريدة “العمق” تفتح قائدة فرقة أحيدوس أبواب تجربتها لتسرد قصة الألم والفرح، المعاناة والنجاح، موجهة رسالة لكل فتاة شابة في القرى المغربية بأن” لا تخافي أن ترفعي صوتك، فالفن هو هوية، والهوية هي الحياة”.
ومن هذا المنطلق، تقدم جريدة “العمق” هذا اللقاء لتسليط الضوء على قصة ملهمة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الجذور والطموح، مؤكدة أن إرادة الإنسان قادرة على تغيير الواقع وبناء مستقبل مشرق.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
كيف تودين تقديم نفسك لجمهورك؟
أنا سناء جدوبي، شابة أمازيغية قروية، أصولي من منطقة بوقشمير قرب مدينة أولماس. أبلغ من العمر 20 سنة، وأنا طالبة جامعية في المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي بالرباط. بدأت مساري الفني كقائدة فرقة أحيدوس، وأعتبر أول عنصر نسوي يدخل هذا المجال بهذه الصيغة، وكان ذلك في سن الحادية عشرة. البداية كانت رفقة عمي الأكبر، الأستاذ أحمد جدوبي، رئيس جمعية “أزماون بوقشمير”، والذي أعتبره أستاذي الأول ومصدر إلهامي، فقد علمني الكثير من المعرفة والفن. هو الآخر بدأ مسيرته في سن صغيرة، لا تتجاوز الثانية عشرة، ونجح في الجمع بين الفن والعلم.
كيف توفقين بين الفن والدراسة؟
ج: حاولت دائمًا أن أجمع بينهما بجد ومثابرة، لأن الفن بالنسبة لي ليس مجرد هواية، بل أحيدوس تراث لا مادي نحس فيه بروح الأجداد، وأنا كشابة متشبثة بأصولي لا أريد لهذا الفن أن يندثر. رغم حبي للفن، كانت الدراسة دائمًا من أولوياتي. وأغتنم الفرصة لأشكر كل أساتذتي، من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية.
كيف كانت انطلاقتك الأولى مع فن أحيدوس؟
ج: كما قلت، بدأت في سن الحادية عشرة، خلال حفل خطوبة عائلي. وكما جرت العادة، كان هناك عرض لأحيدوس. رافقت عمي الأكبر داخل الدائرة وكنت أقلده في الحركات. أعجب بأدائي وراوده أن أكون مايسترو إلى جانبه، فطلب من أسرتي السماح لي بذلك، وكانت الانطلاقة سنة 2016. أول عرض رسمي كان سنة 2017 في مهرجان “ملكة جمال حب الملوك” بمدينة صفرو.
هل واجهتِ انتقادات أو صعوبات في هذه المسيرة؟
نعم، تلقيت العديد من الانتقادات القاسية، ومررت بأزمات نفسية. كان البعض يناديني بـ”الشيخة”، وهي كلمة قدحية في مجتمعنا، رغم أن معناها الأصلي نبيل. مع الوقت والتجارب، فهمت أن “الشيخة” كلمة عظيمة في الأصل، تشير إلى المرأة الحكيمة والضابطة لفنها. الحل كان أن أتصالح مع ذاتي، لأني أقدم فنا محترما بأصالته في الكلمة واللباس والحضور. عائلتي محافظة، خاصة والدتي التي عارضت الأمر في البداية لأنها نشأت في محيط ذكوري، لكنها اليوم تساندني. أما والدي، فكان دائم الدعم، وكانت وصيته الدائمة: “لا تتركي دراستك مهما كان”، ولهذا أواصل تعليمي من أجلي ومن أجله.
كيف كان تفاعل الجمهور مع قيادتك لفرقة أحيدوس؟
التفاعل كان متفاوتا، فبعضهم تقبل الفكرة، وآخرون رفضوها. لكن إذا رجع الناس إلى جذورهم، سيجدون أن المرأة الأمازيغية كانت دائما حاضرة بقوة، حتى في الحكم. نحن شعب نحترم المرأة ونقدر دورها في الحياة والفن.
هل فكرت في التراجع عن المسار الفني؟
نعم، في سنة 2021، راودتني فكرة التراجع لأسباب شخصية وأخرى فنية، خصوصًا بسبب قسوة نظرة المجتمع. لكنني بطبيعتي لا أبدأ شيئا وأتخلى عنه. كنت دائما أساند نفسي بنفسي. أعلم أن هذه أصولي، ولا يمكنني خيانتها. من يخون أصوله لا هوية له. دائمًا كنت أردد: “أكون أو لا أكون”.
ما رسالتك للفتيات القرويات؟
رسالتي لكل فتاة قروية أن تعبر عن موهبتها بكل فخر، لكن في حدود الاحترام. لا يجب أن تتخذ الموهبة وسيلة لأشياء أخرى، بل أداة لإثبات etالذات وصناعة بصمة خاصة في كل مجال. وأهم شيء أن تكون الدراسة أولى الأولويات، وأن تحاول الجمع بين الفن والعلم.
هل تلقيت أي دعم مؤسساتي خلال مسيرتك؟
منذ أن بدأت كقائدة فرقة أحيدوس، لم أتلقّ أي دعم شخصي من مؤسسة ثقافية. لكن فرقة “أزماون بوقشمير” التي يقودها المايسترو أحمد جدوبي فازت بجائزة الرقص الجماعي بمنطقة عين اللوح سنة 2019. كما تم تكريمي سنة 2023 من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط. غير ذلك، لا يوجد دعم يذكر.
ما طموحاتك الفنية والشخصية؟
أسّست فرقة شبابية باسم “أحيدوس ثيفسا” بهدف الحفاظ على التراث الأمازيغي اللامادي بصيغة شبابية، ونأمل أن يستمر هذا المشروع مع الأجيال القادمة. على المستوى الشخصي، أتابع تكويني الأكاديمي في المعهد العالي للمسرح، وأطمح أن أصبح مخرجة، لأن مجال الإخراج يحتاج لمبدعين أمازيغ حقيقيين.
تعليقات الزوار
في الواقع لم يبق اي شيء يحتكره الرجل , بالنسبة للغناء والرقص وما يتجاوزهما , فالمراة تمارس انواع الرقص ومن قديم الزمن , حتى تكاد انوثتها لها ارتباط به. ويكفي الاهتمام بما يسمى بالعيطة عند من يعشق هذه الثقافة , ومن هن (نون النسوة)المشهورات في الميدان ,ونفس الشيء عند مغنيات وراقصات امازيغيات ,حتى كان البعض يردد مقاطيع امازيغية وهو ليس امازيغيا بسبب تاثير مغتيات شعبيات مشهورات. اذن الموضوع ليس جديدا وليس حكرا على الرجل.