وجهة نظر

البعد الجهوي في منظومة التربية والتكوين

يعيش المغرب مرحلة انتقالية ذات بعد هيكلي سيعكس مستقبله الإقتصادي والسياسي فيما يتعلق بورش الجهوية التي نالت حيزا كبيرا من اهتمام كل الفاعلين سواء تعلق الامر بالمجتمع المدني أو الأحزاب السياسية، وكذا النقابات، وحتى أعلى سلطة في البلاد المتمثلة في الخطابات الملكية، خاصة الخطاب الملكي ليوم 30 يوليوز 2015 بمناسبة عيد العرش، الذي ركز على إحداث تغييرات جدرية على مستوى تنظيم هياكل الدولة، وحث الحكومة على الشروع في إصلاح الإدارة العمومية وفق مشروع اللامركزية واللاتمركز في إطار الحكامة الجيدة بوضع التنمية في صلب اهتماماتها ومحاولة إيجاد حلول لكل منطقة وفق خصوصياتها ومواردها.

هذا النقاش لم يكن وليد اللحظة بل لازم المغرب منذ عقود في سياق تدعيم مشروع الديمقراطية، فقدعرفت الديمقراطية المحلية بالمغرب تطورا ملحوظا، حيث اختار المغرب سياسة اللامركزية المتدرجة التي وصلت مرحلتها الناضجة سنة 1976 لتتدعم بعد ذلك مع الميثاق الجماعي لسنة 2002 وبصفة أكبر مع إصدار القانون الجديد رقم 08.17 بتاريخ 18 فبراير 2009 الذي جاء متضمنا لقواعد جديدة تستهدف تكريس الحكامة الجيدة المحلية1فهذا المشروع ركز بالدرجة الاولى على مقاربة التنمية وفق الخصوصيات الإقتصادية والموارد المالية لكل جهة.
هذا المشروع هو عبارة عن تنظيم هيكلي إداري ستقوم من خلاله الحكومة أو منطق المركزية بالتنازل عن بعض الصلاحيات للجهات التي بدورها تم تقليصها من 16 جهة إلى 12 جهة، لن أتحدث هنا عن المقاربات التي تم اعتمادها في هذا التقسيم الجديد الذي يعيشه اليوم المغرب، بل سأركز على الكيفية التي يتم بها تنزيل الجهوية أو مقاربة التنمية المجالية في منظومة التربية والتكوين، وما تشهده الشغيلة التعليمية من غليان قد يؤدي إلى احتقان اجتماعي ونتائج لا يحمد عقباها.

لقد عرف قطاع التعليم في السنوات الأخيرة عدة إصلاحات هيكلية طالت كل من نظام التقاعد، والإنتقال من التوظيف في أسلاك الوظيفة العمومية تحت غطاء النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، إلى ما سمي بنظام التعاقد الذي عمد إلى اعتماد مقاربة التوظيف الجهوي، وغيرها من الإصلاحات لكن الأساسي في هذا الإصلاح والذي اتخذ كخيار استراتيجي يكمن في النقطتين السالفتين

لقد حرصت حكومة 2011 التي قادها حزب العدالة والتنمية على بدأ إصلاح نظام التقاعد بمبرر إنقاذ الصندوق المغربي للتقاعد من الإفلاس، للإنتقال إلى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد وهو مؤسسة يتم تسييرها من طرف صندوق الإيداع والتدبير الذي تم إحداثه بظهير شريف رقم 1.59.074 2

إذا ما استحضرنا البعد الجهوي في التدبير الهيكلي لهذا الصندوق سنجد أن الفصل الأول من هذا الظهير يقر بمركزيته بالرباط، وله الصلاحية في الإستثمار ومنح القروض سواء للجماعات المحلية أو المؤسسات الغير الحكومية، والتنظيم العام كذلك يدبر بشكل مركزي، وهذا مفاده أن صنذوق الإيداع والتدبير لم يتعرض لأي إصلاح هيكلي يقوم على البعد الجهوي كما توهمنا وزارة التربية الوطنية بذلك في خرجاتها الإعلامية

لو كانت هذه الحكومة والوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين تريد فعلا الإنتقال إلى اللامركزية لبدأت بمباشرة الإصلاح عبر إحداث صندوق التقاعد خاص بكل جهة، ما يسمح ويخول لكل جهة صلاحيات تسييرها وصرفها، وهكذا يمكننا أن نتحدث عن التنمية المجالية والبعد الجهوي في التوظيف وليس بمنطق الموارد البشرية جهوية والتقاعد والتسيير المالي مركزي، مقاربة لن تعطي أي معنى للجهوية الموسعة.

الخطير في كل هذا الإصلاح الذي تعرض له صندوق التقاعد يكمن في البوادر التي بدأت تطفو إلى السطح كالبلاغ الصحفي لوزارة التربية الوطنية الصادر يوم 27 مارس 2019 بالرباط الذي ذكر على أن الحكومة ماضية في إصلاح أنظمة التقاعد وذلك عبر دمج الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد3

أما فيما يخص التوظيف بموجب عقود أو ما يسمى الأن بالتوظيف الجهوي بعد الإصلاحات التي باشرتها الوزارة انطلاقا من مقترحات الحكومة تحت ضغط إضرابات الأساتذة المعنيين بهذا الإصلاح لابد من استحضار في البداية أنه استوعب أكثر من 55000 ألف منصب، لكن هذا راجع بالدرجة الأولى إلى الخصاص المهول الذي تعيشه المدرسة العمومية الناتج عن التقاعد النسبي والمغادرة الطوعية… ما يستدعي بالضرورة إلى خلق مناصب شغل بهذا الكم، خاصة وأن الوزارة تبنت محاربة الإكتضاض، إلا أن هذا التوظيف بهذا الكم ليس مبررا لإرساء مقاربة الخيار الجهوي في التوظيف فحتى التوظيف في إطار النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية يمكنه أن يستوعب هذه الإصلاحات ولما شهد قطاع التعليم كل هذا الإحتقان الذي يعيشه اليوم الذي راح ضحيته المتعلم وزمنه المدرسي الذي توهمنا الوزارة الوصية على أنها حريصة عليه، كلها ادعاءات ومناورات من أجل إرساء نطام التقاعد الذي تعمل عليه ليس إلا.

هوامش:

1- الجهوية الموسعة ومستلزمات الحكامة الجيدة والوقاية من الرشوة، الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، مارس 2010، ص4

2- الجريدة الرسمية عدد 2421 بتاريخ 20/03/1959
3- بلاغ صحفي لوزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر ، الرباط 27 مارس 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *