سياسة، مجتمع، ملف

بعد الثورات المضادة.. هل يعيد حراك الجزائر والسودان موجة ربيع جديد؟

تدفقت الجماهير في كل من السودان والجزائر إلى الساحات العمومية متحدية كل العراقيل الجامحة لخروج انتفاضات الشعوب بعد ردة الثورات “المضادة” التي عملت على إقبار ما اصطلح على تسميتها بثورات “الربيع الديمقراطي”.

وكان في خروج الشعب السوداني إسقاط للرئيس عمر البشير، وفي خروج الشعب الجزائر إسقاط للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ويبقى القاسم المشترك بين الرئيسين هو الجثو فوق كرسي الحكم لولايات عديدة والطمع في أخرى.

يقع كل هذا في وقت مازالت الجيوش تحاول استنساخ الأنظمة المهترئة، والتمديد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لولاية جديدة ضد على إرادة المواطنين والدستور، وفي وقت يحاول فيها خليفة حفتر اجتياح العاصمة الليبية طرابلس.

ويحدث كل هذا في وقت سقط فيه مئات الآلاف في السورية، ومثله في الحرب الدائرة باليمن، علاوة على الخلاف داخل البيت الخليجي، وتدخل بعض دوله في دول المنطقة لصالح وأد إرادة الشعوب في الحرية والكرامة والديمقراطية.

“موجة ثانية”

اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط خالد يايموت ما يجري بالجزائر والسودان “موجة ثانية من الربيع العربي”، موضحا أن هذه الموجة استفاد فيها كل من الشعب والجيش من الموجة الأولى التي انطلقت 2010”.

وقال المحلل السياسي “في كل من الجزائر والسودان نلاحظ تراجعا حادا للتجادبات الإيديولوجية، ونلمس انخراطا مستمرا للشباب وكونهم العمود الفقري للحراك الشعبي، كما نلمس من جهة ثانية تخوف حاد من العسكر من الانخراط في مواجهة مكثفة للحراك”.

ورأى الباحث المغربي أن العسكر قد استوعبوا في كل من البلدين أن المواجهة وبداية العنف تعني بداية حرب أهلية سيكون الفاعل الرئيسي فيها هي القوى الكبرى العالمية”، في إشارة لما حدث في سوريا واليمن وليبيا.

وأضاف المحلل السياسي أن العنف المسلح سيعني تحولات جغرافية للدولة كما هو حاليا في سوريا واليمن ومصر حيث فقدت مصر السيطرة التي كانت لها على سناء ومنحت امتيازات جديدة بها لإسرائيل.

“عقلنة الحراك”

وشدد الأكاديمي على أنه يمكن القول إن الموجة الثانية للربيع الديمقراطي هي موجهة تعديلية لموازين القوى، وهي موجة توسع من دائرة الخوف لكنها عقلنة أكثر تحرك القوى الشعبية والجيش”.

وقال “إذن فهي موجة مزجت بين العقلنة والخوف من تفكيك الدولة، وهذا يفتح المجال لإجراء إصلاحات شاملة بأقل الخسائر، وفي نفس الوقت تجد الإصلاحات قبولا إقليميا ودوليا، ولو بشكل مرحلي”.

لقد أسقطت موجة الربيع الديمقراطي خلا سنة 2011 الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وأدت إلى مصرع العقيد معمر القذافي بليبيا، وعلي عبد الله صالح باليمن، ورغم ذلك تعيش العديد من الدول مآسي وحروب داخلية عقب ذلك.

وقد تم تحميل تلك الانتفاضات الشعبية مسؤولية تردي الأوضاع في منطقتي العالم العربية والإسلامي بسبب استغلالها من قوى داخلية أو خارجية لتدمير تلك البلدان، إلا أن آخرين يؤكدون أن تزامن الأحداث لا يعني بالضرورة صدورها وتخطيطها من عقل واحد.

“مقاومة الاستبداد”

وقال الباحث في الحركات الاجتماعية وقضايا الانتقال الديمقراطي عصام الرجواني إن “ما يحصل اليوم من حراك شعبي في كل من الجزائر والسودان هو امتداد لحالة الربيع الديمقراطي ووجه التميز اليوم لهذا الحراك الانتفاضي هو أنه صار أكثر تشددا من ذي قبل بحكم التجربة والخبرة التي اكتسبها المواطن العربي في مقاومة الاستبداد.

وأوضح الباحث في علم الاجتماع أن نموذج الجزائر والسودان وموقع المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية في كلا البلدين مع حفظ الفارق النوعي بين البلدين والمقاومة التي يبديها كل من الشعب الجزائري والسوداني على حد سواء تجاه المناورات التي تروم الالتفاف حول مطالب الشارع، هو خير دليل على التراكم النوعي والإيجابي الحاصل على مستوى الوعي العام العربي بتناقضات الوضع السياسي واشتباكاته.

لكن الباحث نبه إلى أن عدم وجود نخبة مستقلة تتمتع باستقلالية ومصداقية لدى هذه الشعوب سيجعل من عملية التغيير السياسي المطلوب مسألة مكلفة للغاية، قائلا “ولا غرابة في ذلك إذ أن الاستبداد السياسي العربي قد قام بتفكيك كل بنيات ومؤسسات الوساطة، وها هو اليوم يجني ما زرع حيث يواجه حركة انتفاضية عارمة يبدو لم تعد تقبل بأنصاف الحلول أو بالترقيعات الشكلية أو المناورات الالتفافية”.

“تحرير الدولة”

لاحظ المدير التنفيذي السابق للمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة أن الغريب في كل هذا هو أن الأنظمة العربية لم تستفد من التجارب السابقة، قائلا “يبدو أن قدر الاستبداد السياسي العربي أن يسلك نفس الطريق في معاكسة شاردة لكل المؤشرات التي تفيد بحتمية التغيير السياسي ودمقرطة الدولة وضبط بنية السلطة بمقتضى قيم الكرامة والعدل والحرية”.

وأضاف أن كل محاولات الانقلاب والإصرار العنيد على كبح امتدادات الربيع الديمقراطي من قبل هذه الأنظمة بقيادة المؤسسات العسكرية كما في الجزائر والسودان اليوم من شأنه فقط أن يرفع من كلفة التغيير السياسي فقط ولن يستطيع إيقافه على كل حال.

وأشار الرجواني إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل على تغذية الوجدان الثوري عبر التدفق العفوي لقيم الكرامة والحرية وتأطيرها لجماهير عارمة من الشباب العربي الذي صار يتملك وعيا جديدا لم يعد يقبل بالترتيب السياسي القديم القائم على احتكار السلطة والريع والتحكم.

وطالب الباحث النخبة بأن تواكب هذا التحول النوعي بتوبة سياسية مسنودة بعرض سياسي جديد يعيد تأسيس العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس أن الأمة هي مناط السلطة والسيادة والعمل على تحرير الدولة بما هي مادة العمران من سطوة الاستبداد والسلطوية وتعيد تعريفها عبر قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *