وجهة نظر

ظهور المواطن المكتئب

من الراجح ان يمر القراء مرور الكرام على هذا المقال لأنه لا يثير في نظرهم بديهية غير متفق بشانها بين المغاربة. فالاكتئاب بينهم قد سارت بذكره الركبان .ومن الوارد ايضا ان هذه الكتابة بدورها قد تكون فقط تجليا لجائحة السوداوية التي اصابت المغرب بسبب السنوات العجاف الاخيرة ،فالكاتب ابن بيئته كما يقولون.ولكن مما يشفع للموضوع أنه لأول مرة في التاريخ يعرف المغرب ظهور المواطن المكتئب بوصفه المواطن المتغلب على غيره من باقي المواطنين … المواطن السائد الآن .

ليس المعنى هنا أن الاكتئاب قد حل لأول مرة بيننا ،او أن أسبابه كانت غائبة عنا، وقد ظهرت الآن، فنحن كنا دائمآ كباقي الشعوب نفرح ونزهو ونتوجس ونحزن ونكتئب أيضا.ولكن الفارق أو الجديد أنه لاول مرة يترسم الاكتئاب كأحد أبرز سمات وخصائص الشخصية المغربية….كمرض جماعي مكتسب أدى إليه تفاقم المشاكل الوطنية سواء في المجال الاقتصادي اأو و الاجتماعي أو السياسي . بل نكاد نقول إنه أصبح هدفا وصناعة حكومية لدينا.

ولماذا لايجد هذا الاكتئاب سبيله إلى المغاربة،وكل ماحولهم ويعيشونه في يومياتهم أضحى يحض عليه ويؤدي إليه .:ضغوط للحياة أصبحت لا تطاق: شي ء من الحداثة المعطوبة واشياء كثيرة من سوء التدبير الحكومي ،و سياسيون بحروب صغيرة تافهة وخطاب مبتذل ينغص عليهم أيامهم ، و مستقبل يبدو غامضامجهولا لأغلبية الشباب و قطاعات منهارة متذمرة تعيش اسوا حالاتها وتعلن تباعا إفلاسها .واحتجاجات قد أصبحت طقسا يوميا ينفث طاقة سلبية في الناس عبر المشاهدة المباشرة والإعلام المضلل ونشر الغسيل على مواقع التواصل الاجتماعي .

يكتئب المغاربة بسلاسة هذه الايام لان لانه لم يعد بوسعهم ان يواكبوا التحولات المخيفة التي يفاجئهم بها العصر، فلا يتمكنون من التأقلم بسرعة معها: أسرة لم تعد توفر الدفئ الانساني قد اضحت محلا للصراع ولتجريب أخرق لشعارات حقوق المراة نتيجة الفهم المشوه لها،وتفكك عائلي يتلو ذلك يهدد تماسك المجتمع .وطلاق وعنوسة قد بلغا ارقاما قياسية فزادا من متاعب الناس والدولة على السواء .

ظهر المواطن المكتئب لأن المواطن السوي الذي كانه ،صار يرى أمامه حكومة مستسلمة لتعاليم صندوق النقد الدولي الذي يهمه التوزانات المالية للحكومات قبل التوازنات النفسية للشعوب ، وعاد يشعر ان الدولة تتخلى عن حمايته وتسحب يدها من جميع القطاعات الاجتماعية فيشعر بالخوف ثم بالشك واخيرا بالياس والاحباط ثم يفقد الامل فيغترب في وطنه ويقرر إما ان ينتقم من نفسه بالتهام التفاهة والضحالة أو بالمبادرة الى الهجرة بحثا عن الأمان وعن الشغل او لمجرد الفرار من المناخ العام السيء لينجو بنفسه فقط من غائلة الاكتئاب .

يزداد توتر المواطن لأن تدني شروط الحياة التي يكابدها كان ولابد ان ينعكس على سيكولوجيته خصوصا وانه يرى انقراض الطبقة الوسطى بشكل نهائي ومبرمج ، و يراقب دون قدرة كبيرة على الاعتراض اختزال المجتمع نتيجة للتوحش الاقتصادي الذي تنهجه الحكومة الى طبقتين لا ثالث لهما غنية تستفز بثرائها الفاحش وفقيرة جدا تستفز ايضا باملاقها مما يحول التوتر الى اكتئاب مستطير. ونكتئب ايضا لان نقاش اللغة لا يعكس صدق الطوية عند النخبة التي تريد تعليما له يودي بابنائه وآخر لأبنائها يؤدي به لمراتب السلطة والمال والنفوذ والقرار
يغرق المواطن المغربي في بحر الاكتئاب لانه يرى نفسه يفتقر في خضم هذه الصعوبات بينما يغتني السياسيون ويراكمون الريع تلو الريع .

الاسعار تزيد، والبطالة ترتفع، والاعلام غائب عن همومه لاينقل له الا اخبار الاغتصاب وزنا المحارم وفضائح الرقاة وحالات قتل الأزواج كانه يزيد عمدا غرس السكين في الجرح.وسياسيوه في حروب التصريحات والتصريحات المضادة المملوءة قذفا وتنابزا وتفاهة.

حين تجتهد الحكومة في التنكيل بالمواطن العاديي وتوفر له كل عامل البؤس الضياع والعصاب ،وحين تحاول ان تبقي على نفس الاوضاع المحبطة التي تمكنها من الاستمرار باستغلال فقره وجهله مرة اخرى .بكون رد فعله ان يكتئب .هذا الاكتئاب الذي هو أسوأ شعور يكابده الانسان يودي الى شله الى ابتعاده عن الحياة و انخفاض مردوديته وانتاجيته الى ان يصبح في النهاية مواطنا سلبيا لامباليا عاجزا عن تغيير واقعه الذي يشكو منه.وهذا مايخدم مشروع الحكومة التي ابانت انها لا تبدع وانها في مكانها لخدمة فصيلها فقط .فتحدث الدائرة المغلقة: اوضاع متردية فعجز عن الخلاص فاكتىاب فلامبالاة فسلبية فنخبة سياسية عاجزة وانتهازية فاوضاع متردية ،وهكذا دواليك ولذلك حق لنا ان نقول ان الاكتئاب اضحى صناعة حكومية مسجلة بامتياز. وربما قد صار قدرا الا إن قررنا ان “نصلح” القدر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *