سياسة

الـPPS: المغرب يمر من “بلوكاج” والإصلاح معطل .. ويجب إحداث “رجة”

رسم حزب التقدم والاشتراكية صورة سوداوية عن الوضع السياسي والاجتماعي بالبلد، موجها انتقادات لاذعة إلى مكونات الأغلبية الحكومية بسبب ما اعتبرها “حسابات سياسوية وخلافات مُفتعلة” تتجه بالبلد إلى “فقدانِ ما تبقى من مصداقية في مؤسساتنا التي نبنيها جميعا حجرًا حجرًا منذ فجر الاستقلال”، مشيرا إلى أن “الحكومةُ بأعضائها وقطاعاتها وبمكوناتها التي نحن جزء وَفِيٌّ لميثاقها وملتزمٌ ببرنامجها، يُنتظر منها العمل، وتُرْجَى منها الحصيلة، ومُبَرِّرُ وجودِهَا هو حُسْنُ الأداءِ والفعالية والإنجاز، وأَيُّ مَعارِكَ أخرى غيرُ هذه، نعتبرها في حُكْمِ الاستهتارِ غيرِ المقبولِ بمصالح وطننا وشعبنا”.

واعتبر الحزب في تقرير قدمه مكتبه السياسي أمام الدورة الرابعة للجنة المركزية للحزب، صباح اليوم السبت بالرباط، أن “الانطباعَ العام لدى مُعظمِ الرأي العام هو أن مِلَفَّاتِ الإصلاحِ الكبرى والأساسية تكاد تكونُ معطلة، من جَرَّاءِ عددٍ من القضايا الخِلَافِيَة التي برزتْ في الفترة الأخيرة، سواءٌ بشكل طبيعي أو مُفتعل، والتي تم استعمالُهَا سياسويًا من قِبَلِ عدد من الفرقاء الذين من المفترض أنْ يكونوا شركاء، وهو ما يزيدُ من تأزيم الوضعِ والتباسه، ويُخَفِّضُ إلى أدنى المستوياتِ مَنْسُوبَ الأملِ في إبداع الحلول للإشكالات والملفاتِ المجتمعية المطروحة، فما بَـالُـكَ في القدرة على تنفيذها وتفعيلها بتماسكٍ وتضامنٍ والتزام”.

ورغم أن التقرير الذي توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، نوه بعدد من الملفات التي تشتغل عليها الحكومة، على رأسها الاتفاق الاجتماعي المُوَقَّعِ أخيرا يوم 25 أبريل 2019، إلا أنه سجل أن “الحساباتِ السياسوية والمزايدات العقيمة كانتْ وراء عدم توقيعه منذ سنة 2016، مِمَّا فَوَّتَ على الشغيلة المغربية فرصةَ الاستفادة من مكاسبه لمدة ثلاث سنوات كاملة، ولا يسعنا هنا بالمناسبة سوى التأكيدُ مرةً أخرى على ضرورة مأسسةِ الحوار الاجتماعي ومُواصلتـه، والحرصِ على تحصينه بالمسؤولية السياسية والنَّـــأْيِ به عن كُلِّ الحساباتِ الضيقة والظرفية”.

وأضاف أنه “على الرغم من المجهود المُشار إليه في التقرير، ودون الحاجةِ إلى إعادة تفسيرِ منطلقاتِ حزبنا في تحليله للراهنية العامة ببلادنا، ذلك أَنَّ القراءةَ التي أَقَرَّتْهَا الدورةُ الثالثةُ للجنة المركزية لا تزال معطياتُ الواقعِ تؤكدُهَا، حيث السماتُ الغالبةُ على فضائنا الوطني العام هي الضبابيةُ والالتباسُ والارتباك، والحيرة والقلق والانتظارية، أَمَّا تلك المبادراتُ القليلةُ التي تبرز هنا وهناك أحيانا، فإنها لا تصمدُ أمام هَوْلِ الفراغ وجمودِ الأجواءِ العامة، فبالأحرى أن تكون قادرةً على تحريك الأوضاع وتبديدِ المخاوفِ والتساؤلاتِ لدى مختلف الأوساط والشرائح والطبقات”.

وتابع الحزب قوله: “إذا كان من الطبيعي أَنْ تكون هناك اختلافاتٌ حول قضايا بعـينها، وهو أمرٌ صِحِيٌّ في الغالب، فإنَّ حزبَنَا يتحفظُ، بل يرفضُ تماما، أَنْ يَــتـِـمَّ افتعالُ الخِــلافَــاتِ أو تضخيمُ الاختلافاتِ أو إخضاعُهَا لحساباتٍ أقلُّ ما يُقال عنها إنها صغيرةٌ وسياسوية ولامسؤولة، كما أن حزبَنَا يهمه جدا أن يَعْرِفَ الرأيُ العام بأننا مِنَ الذين يُصِرُّونَ على أنْ يضطلع الفاعلون بمهامهم الانتدابية داخل المؤسسات، وأن لا يجعلوا منها مُجرَّدَ بابٍ ضيق تَــــشْرَئِبُّ أَعْنَاقُهُمْ من خلالها نحو سنة 2021”.

واعتبر أنه “في ثنايا المزايداتِ العقيمة يَضِيعُ التواصلُ الحكومي مع الناس والمؤسسات، وتضيعُ الإصلاحاتُ الكبرى، ويضيع الزمنُ والجهــد، وتخبو آمال الشعب، ويزداد الشعورُ باللامعنى واللاجدوى من الفعل السياسي والمؤسساتي، ويتراجعُ الحماسُ والاهتمام، وتتعمق الهوةُ بين المواطنين والأحزاب والسياسة، وتضيعُ الجديةُ والمسؤولية، ولأن الطبيعةَ لا تقبل الفراغ، فإن مُؤَدَّى ذلك هو احتمالُ تفاقمِ أجواءِ اليأسِ واللامبالاة والعدمية والشعبوية والعفوية وثقافة التبخيس المتبادل، والرداءة، وفقدانِ ما تبقى من مصداقيةٍ في مؤسساتنا التي نبنيها جميعا حجرًا حجرًا منذ فجر الاستقلال”.

وأشار إلى أن “قول هذا الكلام بصوتٍ مرتفع وباقتناعٍ تام، وبمسؤوليةٍ كبيرة، لا يعني أبدا أننا نتملص مما يقتضيه انتماؤُنَا إلى الأغلبية الحالية، لكن يكفينا أننا نمارس حقَّنَا، بل واجبَنَا، في التنبيه الإيجابي، ولا نسمح لأنفسنا بالمقابل أن نشتغل، لا في الظاهر ولا في الخفاء، على ضرب أو نَخْرِ الحكومةِ من الداخل، ولا نسعى إلى إضعافها أو تبخيس جهودها أو تحجيمها أمام الرأي العام، خلافًا لما يقوم به البعض للأسف الشديد، لأن الأهمَّ بالنسبة إلينا هو مصداقيةُ المؤسسات، وهو نجاحُ هذه الحكومة، لأنَّ في نجاحِهَا بكل تأكيد نجاحٌ لوطننا وشعبنا”.

وأوضح حزب الكتاب أنه “وحتى لا يعتقد البعضُ أَنَّ تشخيصَنَا لما يتخــلــل مسارَ بلادنا من سلبياتٍ ونقائصَ تحتاج إلى المراجعة والمعالجة هو مجردُ مبالغةٍ أو تَحَامُلٍ مجاني، يكفي أن نَسُوقَ هنا، بما يسمح به الحيزُ الزمني، بعضا من نماذج التخبط والتنازع السياسوي وضعف الجدية: فحين برزتْ قضيةُ الأساتذةِ أُطُــرِ هيئة التدريس بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، واتخذتْ ذلك المنحى الاحتجاجي العارم، لم نلمسْ تضامنا ولا تماسكا حكوميا، ولا تقديرا صحيحا لدقة الوضع، ولا اعتبارا جادا لمصلحة التلميذ، ولا إرادةً جماعيةً في مواجهةِ الإشكالِ وتقديمِ جوابٍ سياسي وعملي بخصوصه”.

وتابع في نفس السياق: “ما شاهدناه فقط هو تسابقٌ محمومٌ بين مَنْ سـعـى نحو شد الحبل مع هؤلاء الأساتذة في قفزٍ غيرِ محسوبٍ على الواقع الذي لا يرتفع، وبين مَنِ اختار الانتهازيةَ السياسوية في أبشع صورها، بمحاولة التبني الوهمي للقضية، فقطْ من أجل إظهارِ الحكومة أنها ضعيفةٌ وباهتةٌ وعاجزة، متناسيا أنه كان ولا يزال من أشرس المدافعين عن آلية التعاقد التي عارضناها بوضوحٍ كحزب التقدم والاشتراكية منذُ أَنْ تَمَّ عرضُهَا لأول مرة، وقلنا إنها آليةٌ لا تستقيمُ مع ما تقتضيه استدامةُ المرفق العمومي، ومع ما يستلزمه الأمرُ من ضرورةِ الابتعاد الكُـــلِّــي عن الهشاشة واللاستقرار بالنسبة للموارد البشرية، لا سيما في قطاع حيوي مثل التعليم”.

وبخصوص مشروعِ القانونِ الإطار للتربيةِ والتكوين، اعتبر الحزب أن “الرؤيةُ الموحدةُ لأطرافِ الأغلبية غابت عن النقاش، وغابتْ معها روحُ تحمل المسؤوليةِ الجماعية وتَوَارَى مبدأُ التضامن، لِيَـحُـلَّ مَحَــلَّـهُ صراعٌ تبسيطي وتسطيحي، حتى لا نقول إنه ذاتي وسياسوي، صراعٌ اختزل كلَّ فلسفةِ إصلاح منظومتنا التعليمية في مسألةٍ وحيدة، لا نَدَّعِي أنها غيرُ مُهِمة، وهي لغاتُ التدريس، وصِرنا أمامَ وضعٍ سُوريالي يتجاذبه خطابٌ هُوِّيَاتِـــي غارقٌ في المحافَظَة، وخطابٌ مُقابلٌ كأنما يريد أن يضربَ بِعَـرْضِ الحائط اللغتين الوطنيتين الدستوريتين، وخاصة العربية”.

أيضا، لا يمكن أن ننسى تلك الاحتجاجاتِ التي جَـرَتْ مَطْلَعَ السنةِ الحالية، يضيف التقرير ذاته، “والتي قادها التجارُ على خلفيةِ اعتمادِ نظامِ الفوترة الإلكتورنية ومراقبةِ الجمارك للطرق السيارة، وهي تدابيرٌ اتخذتها الحكومة، ولا سيما القطاعاتُ المعنيةُ بالموضوع، وصَوَّتَ عليها البرلمان،،، علما أن التجارَ ومقدمي الخدماتِ الصغار لم يَثْبُتْ أنهم مَــعْــنِــيُــونَ بتلك الإجراءات ما داموا يخضعون لنظام التصريح الضريبي الجزافي،،، لكن المُـثِـيــرَ فعلا هو أنَّ أولئك التجارَ الصغار البسطاء هم بالضبط من تَمَّ السعيُ إلى استعمالهم وشحنهم لأجل إفشالِ عَـزْمِ الدولة على إخضاع التجار الكبار لمبدأ الشفافية في أداء واجباتهم الضريبية”.

واعتبر أنَّ “البلوكاج الذي نشهده في فضائنا العام، منذ ثلاث سنوات على الأقل، لا يمكن أن يُجَسِّدَ نمطًا لتدبيرِ وحكامةِ شأننا العام، حيث أن الفراغَ السياسي والحزبي والنقابي، وانكماشَ وظائفِ الوساطة المدنية بجميع أشكالها، لا يمكن إلا أن يُعَمِّقَ من أزمة الثقة في العمل المؤسساتي والمسؤول، وأن يُدخلنا في متاهاتِ نظامٍ يُؤْمِنُ كُلِّيًا بالشارع والشعبوية والعفوية، وهو ما حدث في كثير من التجارب وعواقبُهُ الوخيمة نشهدُها بأم أعيننا”.

وأردف في التقرير ذاته: “تأسيسا على كل هذه النماذج وغيرها، نطرح السؤال بقوة: من الرابح من كل هذا؟! فهل كَسْبُ أصواتٍ إضافية أو الحفاظ عليها في سنة 2021، بتعاطفٍ مغشوشٍ ومواقفَ مهزوزةٍ، أَهَــمُّ إلى هذه الدرجة من مصلحة الوطن والشعب، ومن التضامن والتماسك والوفاء والالتزام، وفي هكذا سياق، يَحِقُّ للشعب أن يَــزْدَرِيَ السياسوية، لكن حذارِ من التعميم والتنميط،، فمن واجبنا أن نشرحَ ونبرهنَ لشعبنا أنَّ هناك اختلافا بين ممارسة السياسة بقواعد النبل والمصلحة العامة والأخلاق، وبين ممارسة ما يَــصِحُّ نعتهُ بالعبث السياسي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *