سياسة

“الضرب والجرح” داخل الأحزاب.. ظاهرة مرضية أم صراع مصالح شخصية؟

لم تمض سوى أيام على واقعة نطح البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة إبراهيم الجماني للأمين العام للحزب حكيم بنشماس، حتى تحول اجتماع للمكتب التنفيذي لشبيبة حزب الاستقلال إلى حلبة عراك مفتوحة بين تيارين، واحد محسوب على القيادي النافذ في الحزب حمدي ولد الرشيد والآخر على عبد القادر الكيحل، ما يثر التساؤل حول العنف والعراك داخل الأحزاب.

العنف داخل الأحزب تبدأ شرارته الأولى في أغلب الأحيان من الخلاف حول مناصب في البرلمان أو الحكومة أو مسؤوليات داخل هياكل الحزب، وهو ما حدث بالضط في واقعة نطح بنشماس، وفي أحداث العنف التي شهدها مؤتمر شبيبة الاتحاد الاشتراكي قبل سنوات واستعملت فيها السيوف والكريموجين.

إذا كان الجماني عنف بنشماس تعبيرا عن غضبه من عدم تعيينه على رأس لجنة بمجلس النواب، فإن أشغال مؤتمر شبيبة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عام 2014 تحولت إلى حلبة مواجهات بالسيوف والكريموجين بسبب خلاف حول مسؤوليات تنظيمية.

نفس الأمر وقع تقريبا في اجتماع المكتب التنفيذي لشبيبة حزب الاستقلال، قبل أيام، إذ نشب صراع بين أنصار حمدي ولد الرشيد وعبد القادر الكيحل، نقل على إثره عدد من الأعضاء إلى قسم المستعجلات.

“حالة مرضية”

وفي تعليقه على هذه الظاهرة، قال أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية، محمد زين الدين، إن استفحال العنف بين قيادات الاحزاب “حالة مرضية يعيشها المشهد الحزبي نتيجة لغياب الديمقراطية الداخلية.

وأضاف زين الدين في تصريح لـ”العمق”، “حينما تغيب الديمقراطية يصبح الباب مفتوحا لكل أشكال العنف الجسدي واللفظي، وهو نتيجة لغياب التنشئة السياسية”، قائلا إن “الأحزاب تخلت عن أدوارها التأطيرية بشكل كبير وهو تحصيل حاصل لما يجري على مستوى المشهد المغربي، وهذا يشمل الأحزاب بمختلف توجهاتها”.

واستدرك بأن “التعبير عن المصالح والتوجهات مسألة طبيعية داخل الأحزاب، أي حزب فيه توجهات واختيارات، لأنه مجال للصراع السياسي”، وميز في صراعات الأحزاب بين “الاختلاف والخلاف”، قائلا إن الأول محمود والثاني تكون نتيجته العنف.

الفكرة ذاتها عبر عنها أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بمدينة سلا، رشيد لبكر، قائلا إن “الخلاف في عمومه وحتى المشادات التي تقع بين الأحزاب وفي البرلمان كما نرى في العديد من الدول الديمقراطية، دليل على حيوية البرلمان والأحزاب ووضع صحي”.

قبل أن يستدرك، في تصريح لـ”العمق”، بأن “ما حدث في المغرب خصوصا في قضية تعنيف الجماني لابن شماس فالأمر يتعلق بصراع وخلاف حول من يترأس لجنة وهنا يتعلق الأمر بالدفاع عن مصالح شخصية”.

وتابع “في المغرب تكون تشنجات لأنها في الغالب مرتبطة بوعود أو مصالح وعندما لا يتحقق الأمر يتحول الوضع إلى صراع، وهذا هو الأمر المشين”.

ظاهرة قديمة

من جهته اعتبر ظاهرة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، بأن العنف والصراع داخل الأحزاب المغربية السياسية ظاهرة قديمة.

وربط العلام بين العنف والصراع وبين ما عاشته الأحزاب السياسية في الماضي من انشقاقات، قائلا إن “ظاهرة العنف والصراع أدت إلى انشقاقات انشقاقات في أحزاب كبرى، مثل حزب الاستقلال الذي انشق عنه حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”.

واستدرك العلام بأن الجديد اليوم هو أن “الصراع لم يعد بأسباب مواقف سياسية فكرية إيديولوجية حول مشاريع، وإنما أصبح حول أسباب شخصية ومصالح ذاتية،” وتابع “الجديد فيه هو أنه يقع داخل الأحزاب التي تاريخيا لا يحدث فيها صراع؛ وهي الأحزاب الإدارية، وهذه الأحزاب عادة تكون مسيرة”.

وعبر عن استغرابه للصراع داخل حزب الأصالة والمعاصرة، قبل أن يستدرك “ربما هو متوقع لأن الأصالة والمعاصرة فيه شخصيات راكمت تجربة سياسية.. كان متوقعا أن يصل في مرحلة من المراحل إلى هذه النتيجة”.

وبخصوص الصراع الذي تحول إلى عنف داخل شبيبة حزب الاستقلال، قال المتحدث إن “حزب الاستقلال أيضا كان فيه صراع بين الحداثيين اليمينيين، وحدث على إثره حدث انقسام مبكر”، وأضاف بأن العامل الجيد في حزب الاستقلال، الذي ولد العنف والصراع، هو “دخول القبيلة”، في إشارة إلى تيار حمدي ولد الرشيد.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن حزب الاتحاد الاشتراكي أيضا يعيش صراعات خفية، تجلت في الانسحابات الصامتة لعدد من القيادات، “وحتى حزب العدالة والتنمية يعرف صراعا خفيا قد يتطور مع اقتراب موعد الانتخابات”.

ترهل الأحزاب

واتفق كل من رشيد لبكر وعبد الرحيم العلام على أن استفحال العنف داخل الأحزاب واجتماعاتها التنظيمية يزيد من تدهور المشهد السياسي بالبلاد.

وقال العلام إن “المشهد السياسي والحزبي في المغرب مترهل وهذا النوع من الصراعات سيزيده ترهلا وعزوفا أكثر”، من جانبه اعتبر لبكر أن الأمر “يزيد من تنفير المواطنين من العمل السياسي والعمل البرلماني””.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *