وجهة نظر

موقع الحكم الذاتي من توجيه “الحل الوسط” الأممي في نزاع الصحراء

تقديم:

تمر قضية الوحدة الترابية بمرحلة دقيقة وحاسمة، إذ تفيد كل المؤشرات والمظاهر، والوقائع والمعطيات أن ملف نزاع الصحراء المغربية وصل عتبة النهاية، أو يوشك ويكاد .ففي موازاة التنسيق والتكامل بين كافة أجهزة وآليات الأمم المتحدة وتطابقها على وفي دعم العملية السياسية وزيادة اهتمامها عبر كثافة حضور الملف في أجندة عملها.

أولا: الأمم المتحدة تجعل من بناء الثقة أولوية قبل اعلان الحل؛

فان مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة والأمين العام ومبعوثه اعتمدوا مبدأ الشراكة؛ في الضغط لاستئناف واستمرار العملية التفاوضية في اطار لقاءات المائدة المستديرة التي وصلت جولتين، في انتظار الثالثة بداية صيف هذه السنة، بمقتضى القرار 2468 وتاريخ 30 ابريل 2019 الذي حث على ذلك .

ويعول كثيرا على هذه الطريقة من المباحثاث للوصول الى أولوية الأمم المتحدة في بناء عنصر الثقة الجوهري، لما له من تأثير مباشر في نجاح العملية السياسية برمتهاالتعددية، وبالتبعية تسهيل هدف تحقيق وادراك حل سياسي توافقي وواقعي وعملي على النحو الذي حددته مذكرات وتوجيهات مجلس الأمن منذ 2006، وحدود الوسط الذي أشار اليه التقرير الأخير للأمين العام عدد 282/2019س وأكده القرار الأخير لمجلس الأمن 2468/2019

ثانيا: تقوية دور المينورسو وتوسيع حريتها يستهدف المغرب لتقديم تنازلات سياسية أكبر من المعروض.

وهو نفس المسعى الذي يروم ويؤسس له سابق تقرير مراجعة بعثة المينورسو بغية نيل وتسجيل أثر سياسي سريع في نزاع الصحراء، وذلك نزولا عند رغبة الصناع الحدد للقرار السياسي في أمريكا، وخاصة بعد وصول جون بولتون لمنصب مستشار الأمن القومي، والذي يضغط وينتقد بطء عمل البعثاث الأممية؛ بما فيها المينورسو.

ولهذا يوصي التقرير بمدها بمزيد من القوة، وتمكينها من استرجاع الاضطلاع باختصاصها السياسي، واعطائها حرية أكبر وأوسع للوصول الى محاوريها ومحدثيها دون عراقيل، وهي نفس الملاحظات والتوصيات عددي 79و 83 التي أوردها التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة عدد 282/2019s وتاريخ 1/4/2019.

ولا تختلف هذه التوصية، وهذا الطلب عن “النهج المبتكرة” للمبعوث الشخصي السابق كريستوفر في شيء، إلا في التسمية فحسب وفقط، وهو ما يفسر التصرف المغربي بالتحفظ، لأنه ينظر الى تلك الحرية بعين من الريبة وعدم الرضاء، مادام هو الطرف الأساسي المعني. ومادام الشق السياسي للمينورسو انتهى بتجاوز خطة التسوية، واستقرار عملها الحصري في مراقبة وقف اطلاق النار وازالة الألغام.

علاوة على ذلك فان الحرية المطلوبة للمينورسو هي في حد ذاتها مس بحقوق المغربية؛ في شرعية سيادته التي وثقتها وقائع التاريخ، واطلع عليها وعاينها قضاة محكمة العدل الدولية، وضمنوها في قرارهم، وأقرت بها الأمم المتحدة نفسها في استنتاجها؛ أن الحل يكمن في اتفاق سياسي واقعي وعملي على أساس مخرجات الحل منذ 2006( البند الرابع من القرار ) كما يشير الى دور ارادة الأطراف ، فالأمم المتحدة لا تنفي ولا تنكر حقوق المغرب، وأن تواجد المغرب ليس “اداري” فقط، بل بمرجعية الحق.

وقد يكون التشكيك في شرعية هذا الاسناد احدى خلفيات الحرية التي يرغب التقرير بمنحها للمينورسو لاستصدار مزيد من التنازلات من المغرب. فحيازة، وتواجد المغرب بأقاليم الصحراء تسندها شرعية تاريخية، وذات رجحان قانوني سيادي في كنهه وجوهره، وهذه السيادة ليست فقط اقليمية وحسب بل بشرعية تستند على التاريخ والحيارة و رضاء أغلبية الساكنة، الذين يحاورون الآن في لقاءات المائدة المستديرة ثلة وأقلية ممن اختاروا اللجوء، ويرافعون من أجل الانفصال.

ثالثا: الاقرار بمسؤولية الجوار من أجل: تهدئة شروط التفاوض، أو من أجل الضغط لاعلان الحل.

غير أن احراز التقدم لطي النزاع يتجاوز آليات الأمم المتحدة المشتغلة حصرا او في اطار عام مباشر وغير مباشر بنزاع الصحراء، بل رهين عوامل وأطراف أخرى (بصيغة الجمع) بما يشمل المغرب والبوليساريو والجزائر و موريتانيا ، فهذه القوى هي التي تعرقل الوصول والتفاهم حول الحل، وقد سبق للأمين العام السابق كوفي عنان أن خلص اليها في تقريره 249/2006.

وعلى إثر تلك النتائج استبدل مجلس الأمن خطة التسوية بالعملية السياسية للوصول الى حل سياسي عادل ودائم، بمقتضى القرار 1175/2006، واعتمد العملية التفاوضية وسيلة للوصول اليه منذ 2007 ، ومع ذلك استمرت نفس العراقيل، فاستمر الأمناء العامون ومجلس الأمن بدعوة الجزائر وموريتانيا للانخراط والاسهام، وأخيرا اقحمها مجلس الأمن ومبعوثه السخصي في مسلسل اللقاءات تبعا لدورهما في بناء الثقة .

ومن أجل ذلك اتجهت عناية الأمين العام ومبعوثه الشخصي ومجلس الأمن كمدبرين ومشرفين الى تهيئة ظروف النجاح، على مستوى إقليمي من خلال الاقرار بداية بطريقة ضمنية، يؤكدها واقع التصرف والعمل باقليمية نزاع الصحراء. وبمسؤولية دول الجوار، وخاصة مسؤولية الجزائر التاريخية والقانونية في النشأة وفي امتلاك مفتاح وحل عقد النزاع.

وهي المسؤولية الجماعية المؤكدة بمقتضى الفقرات 12 وما بعدها من القرار 2468 الذي وجه دعوة لمشاركة الجميع على قدم المساواة ودون تخفظات وازالة النعوت من قبيل وصف مراقبين” أو “دول الجوار” ، وهو ما ظل المغرب يطالب به منذ مدة طويلة، لللكشف عن هذه المسؤولية واعلانها واقرارها، رغم تحفظاتي في ذلك إذ أميل شخصيا الى وضعها في اطار محدد ومقيد وبضوابط وليس بشكل عام حتى لا تتحول الى نقطة ضعف له.

وفي نظر الأمم المتحدة فان حدود هذه المسؤولية لا تقف عند علاقة السببية في قيام ونشأة البوليساريو واستمراره وقدرة الجزائر على تحريك خيوط الحل، بل تمتد إلى علاقتها بنتائج النزاع التي تطال الجميع ، من خلال هدر استمراره لعوامل وفرص التنمية والاندماج الاقليمي، و في ما يشكل استمراره من تهديد حقيقي على أمن واستقرار المنطقة، وفيما يحمله من مخاطر أمنية داهمة في محيط اقليمي هش أصلا وملتهب حاليا.

وهذه العلاقة القائمة بين النزاع و الأمن والاستقرار والسلم والتنمية، جعلت الجميع يهتدي الى ضرورة التدخل لنزع أسباب التشويش الذي تمارسه بعض القوى القارية والاقليمية والجهوية، سواء في الاتحاد الأفريقي والأوروبي ومؤسساتها، في مجلس السلم والأمن الأفريقي، وفي القضاء الأوروبي، لصالح دعم العملية السياسية، التي تستأثر بها وتحتكرها الأمم المتحدة وحيدة.

رابعا: موقع المبادرة المغربية بالحكم الذاتي وسط الحل الوسط في جوهره سياسي وشكله قانوني.

ولأن مجلس الأمن يدرك أن الحل لن يأتي إلا عبر بوابة السياسة في اطار اتفاق توافقي واحد يجمع بين السياسة في جوهره والقانون في شكله. فان المغرب انفتح مبكرا على هذا التوجيه وهذا التذكير وتقدم بمبادرة للحكم الذاتي لها تأصيل في القانون الدولي، ومطابقة لمبائ النظرية والممارسة الديمقراطية.

فالحكم الذاتي كطريقة وكمشروع سياسي تأخذ بها دول عريقة ولها باع طويل في الممارسة الديمقراطية؛ في كل من ألمانيا، وفي اسبانيا وغيرها، فهو نظام يعطي ويمنح للساكنة حق تدبير شؤونها بنفسها، في اطار مبدأ تعدد السيادات الجهوية من داخل سيادة وطنية مغربية واحدة.

ولأنها كذلك، فان مبادرة ومقترح المغرب بالحكم الذاتي احتل مكانة داخل لوائح وقرارات مجلس الأمن، وتم اصباغها منذ أول قرار 1774 اعتمد المقاربة التفاوضية لسنة 2007 ، وغذاة تاريخ تقديمها للأمين العام السابق في الحادي عشر من أبريل من سنة 2007 بطابع المصداقية والجدية والواقعية، كما نالت تقدير مجموعة من القوى الكبرى في فرنسا واسبانيا وأمريكا، بالاضافة الى دول ومجموعات وتجمعات أخرى.

ورغم كل ذلك، فان هذا المقترح وهذه المبادرة قد تبقى مجرد كذلك، فهي حاجة دائمة ومستمرة الى مرافعات ديبلوماسية وقانونية وحقوقية، وتنموية، وأمنية على جميع المستويات وعلى جميع الأصعدة، وفي كل الأبعاد، وبذل مجهودات في اطار استراتيجية شاملة تسير جميع المؤسسات الوطنية بنفس السرعة لتحقيق أولوياتها واهدافها في جعلها تسطع وتنال الحل النهائي، عمل مؤسساتي وطني جماعي بحقق النجاعة والفعالية في تناغم وتناسق بين عمل ومجهودات المؤسسة الملكية والحكومة في اطار رسمي حكومي ، أو برلماني او مدني، و كذا الاستمرار في مشروع التنمية في جميع اوجهها.

على سبيل الختم:

ان المطلوب اليوم الآن مرافعة قوية وذكية ومستمرة تبحث في تكييف المبادرة المغربية بالحكم الذاتي مع توجيهات مجلس الأمن؛ بان الحل في نزاع الصحراء سياسي توافقي وواقعي وعملي في جوهره وقانوني في شكله، ويتسم بالوسط، وفق مخرجات القرار الأخير 2468 والفقرة الأولى من ملاحظات الأمين العام للأمم المتحدة عدد282/2019،-وهي بالمناسبة نفس الاستنتاج الذي خلص اليه الأمين العام السابق بان كي مون في التقرير الموجز الذي بعث به الى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعون- والخروج باستنتاج قطعي وأكيد أن المبارة المغربية بالحكم الذاتي تتطابق وتتلائم وتنسجم معها، فالحل الوسط بحتمل عدة قراءات وسيناريوها، فقد يكون مرحلي وزمني وقد يكون التقريب والدمج بين المبادرات في اطار الانفتاح من جانبين الذي يدعو اليه مجلس الأمن ويوصي به الأمين العام ومبعوثه الشخصي، وقد يكون الارتباط الحر، وقد يكون التقسيم وقد يكون الفيدرالية وغيرها.

وهذه المرافعات وطنيا ودوليا وأمميا من شأنها أن توفر الحصانة للمبادرة، وتثبيتها وترسيمها قاعدة ونهاية للحل، يدعم هذا ماورد في المبادرة غير المغلقة بالنظر الى التعبير و الاستعداد والانفتاح المغربي لتطويرها شريطة وضع حد نهائي للنزاع، وهو ما يسير في نفس تصور الحل السياسي الوسط الدائم الذي يشير اليه القرار الأخير 2468 .

* محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي_قضايا الهجرة ونزاع الصحراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *