مجتمع

روبورتاج “العمق”.. حين يلجأ مغاربة إلى “طيور الظلام” لحل مشاكلهم

لعل القاسم المشترك بين الفيلم المشهور للممثل المصري عادل إمام والذي تدور أحداثه حول أعمال لا تنتعش إلا في الظلام، وبين طيور الظلام التي تستخدم في السحر وفك العكوسات و”البحث عن الزهر”، هو لونها الأسود كحلكة الظلام.

فـ”طيور الظلام” في المغرب وإن كانت تروج تحت ضوء الشمس، فهي تتعلق بنشاط تُدار خيوطه في الظلام، وتختلط فيه التجارة الحلال بالتجارة المهربة من كل أنواع الرقابة الدينية والقانونية والعقلية والإنسانية.

طيور “الظلام”..

في الأسواق زبائن “طيور الظلام” من جميع الفئات الاجتماعية، ينتقلون من بائع إلى آخر بحثا عن بضاعة بمواصفات خاصة، تدور أغلبها حول اللون الأسود و”نوارة الفولة” و”حجر الواد”، يدفعون بسخاء، ويهرولون إلى الظلام حيث ينتظرهم “المخرج”، فقد حكى “محمد.ب” لجريدة “العمق”، وهو أحد بائعي الدجاج بسوق تابريكت بسلا، أن طلب بعض النساء من مستويات غنية وفقيرة يكون أساسا على “الفروج” ذو اللون الأسود وغالبا من يطلب يوم الإثنين أكثر من غيره من أيام الأسبوع.

وتختلف طيور الظلام في ألوانها، “فكل فروج يحمل اسم السادات الذي سيذبح عليها، أو الجن المسخر لذلك الشيء، كما أن هناك شروط للذبح، إذ يجب احترام وقت ومكان ذلك، وكل لون يذبح في يوم معين، فالأسود مثلا يذبح في الغالب يوم الإثنين، حسب ما صرح به أحد بائعي “الدجاج” للجريدة، رفض ذكر اسمه.

الأسواق.. عش “الظلام”

تعد أسواق الدجاج، من الأماكن الأساسية التي تلجأ إليه زبونات “الشوافات” أو “الفقها”، فهو من الفضاءات الأولى التي يختارها هؤلاء قصد استكمال طقوس السحر والشعوذة.

في مدينة سلا، أو عاصمة “القراصنة” كما يحبذ البعض وصفها، تتواجد 3 أماكن يباع فيها الدجاج “البلدي الحي”، وهي سوق تابريكت، وسلا المدينة بباب سبتة، والدوار أو سوق الكلب، وهي أسواق تمثل بالنسبة للعديد من النساء اللواتي يستخدمن السحر، مجالا خصبا لاقتناء أهم عنصر يدخل في تشكيلة الوصفات السحرية، فبدونه “لا تكتمل الخلطة أولا تتحقق”.

تتوافد على “سوق الدجاج”، من اثنين إلى أربع نساء يوميا لشراء الدجاج الأسود، وهناك زبونات رسميات وكذا موسميات، كما أن هناك أيام الذروة، التي تشهد فيها مثل هذه الأسواق نشاطا كبيرا، وهي عاشوراء، وليلة القدر، هكذا أوضح عدد من الباعة لجريدة “العمق”.

توقفنا عند محمد، رجل في الأربعينيات من عمره، أحد بائعي الدجاج بسوق “تابريكت”، الذي أكد في تصريح لـ”العمق”، أنه يتلقى طلبات الحصول على “الدجاج الأسود”، إما عبر الهاتف، أو بشكل مباشر، من قبل بعض النساء.

وأشار محمد أن بائعي الدجاج، يغتنمون الفرصة لبيعه بأسعار مرتفعة عن سعره الأصلي المحدد في الغالب في 30 درهم للكيلوغرام، إذ يصل ما بين 60 إلى 70 درهما، “حيت فاش كيعرفها مول الدجاج باغا دجاجة أو فروج كحل ومزيراها الوقت، كيطلع الثمن حيث هو ماعندو غراض”، يقول البائع.

والمتأمل من بعيد لطلبات النساء على هذه الأصناف من الدجاج، يستغرب إصرارهن على اقتناء هذا النوع دون الآخر، لكن المنغمس في أغوار ذلك، يستشف لا محالة أن الطلب لا يأتي من عدم، بل الهدف منه هو استخدامه في أغراض “السحر والشعوذة”، بطلب من الفقيه الذي يصر على أن “الجن” لا يقبل نوعا آخر غيره لتلبية الطلبات المرغوبة.

محمد، البائع ذاته، شدد على أن الأكثرية من النساء، يتوافدن على الأسواق يوم الإثنين بطلب من الفقيه، بعد إحضار المطلوب خاصة في سيدي موسى بسلا، وهي منطقة يقول عنها محمد، تعد ملجأ للباحثات عن فك “العكوس” والبحث عن “الزهر”، حيث يتم ذبح “الفروج الأسود”، الذي طلبه الفقيه أو “الشوافة” من الزبون والرمي به في حفر، كقربان للأهلة، حتى يتحقق لهم المراد.

“كَيْ أمنوا به بزاف”..

على جانب الرصيف تقف سيارة فارهة من نوع “رونجروفر”، نزلت منها سيدة في عقدها الثالث وتوجهت إلى بائع الدجاج لتسأله عن فروج يحمل لون “نوار الفول”، وبعد مدة قصيرة غادرت السيدة ومنحت البائع أكثر من الثمن الفعلي للفروج، حينها سألنا البائع عن الحوار الذي دار ليؤكد أن الأمر يتعلق بالسحر لأن “الفقيه أو “الشوافة” يطلبون أنواع خاصة.

تتوافد النساء، كما رصدت جريدة “العمق” وأكد لها ذلك عدد من البائعين، على “سويقة تابريكت”، يوم الإثنين والثلاثاء، فمنهن الغنيات اللواتي يلجن السوق بسيارات فارهة، ومنهن الفقيرات اللواتي يتكبدن دفع المصاريف الكثيرة التي تتطلبها وصفات “السحر” لتحقيق مرادهن، “النساء لي كيجيوا يقلبوا على الدجاج، ماشي كلهم لاباس عليهم، أغلبيتهم فقراء كيتسلفوا باش يمشيوا يسحروا حيت ديكشي ولى عند أغلبيتهم كيمشي في الدم، وكيأمنوا به بزاف”، يقول محمد في تصريح للجريدة.

من النساء من لازلن صغيرات في السن، وأخريات شارفن على الستينات، “وهن نساء في الغالب عاهرات يحاولن فك الحسد أو العكوسات” يضيف محمد، الذي لم يخف كما باقي الباعة، أن من بين الوافدين على السوق لطلب هذه الأنواع من الدجاج، العنصر الذكري، “كيكون يا إما مسخر للشوافة، أو هو السيد لي باغي يفك العكوسات بيديه جاي”.

“ماحدهوم كيجيوا لهنا.. حنا ماغنتوبوش”

على مقربة من شاطئ سيدي موسى بسلا، تقف بعض النسوة من أعمار مختلفة بشكل متفرق، لكي لا يلفتن الانتباه، وكل واحدة منهن تحمل كيسا بلاستيكيا أو “قفة” في يد و”ديك” أو “دجاجة” في اليد الأخرى، وكل آمالهن هو أن يتحقق ما في خاطرهن، سواء أكان “زواجا أو عملا أو تفرقة حبيبين”.

رصدت جريدة “العمق مجموعة من الأماكن المتواجدة بشاطئ سيدي موسى، والتي هي عبارة عن حفر أو “مزارات”، يتم فيها “قضيان الغراض” على حد تعبير أحد “خدام المكان أو المزار”، والذين يتكلفون بذبح الدجاج وإشعال الشموع ورش الحناء، وتعليق المناديل للزبونات لاستكمال وصفة “الفقيه”.

مثل “الروبوت” يعمل “خدام المكان أو المزار”، بشكل سريع على مساعدة النساء الوافدات على الشاطئ في “إتمام العمل”، مع حرصهم على عدم لفت انتباه مرتاديه، “فالخوف لا بد منه لأنه في أي لحظة يقد يجيوا صحاب الحال يوقفوا علينا، وشحال من مرة وقعات”، يقول “م.أ” وهو شاب في الثلاثينيات من عمره.

المتحدث ذاته، أكد لجريدة “العمق” أنه “كيسترزق الله بهادشي لي كيدير” رغم أنه لا يؤمن به، مضيفا: “حنا كنجمعوا شي بركة قليلة من هادشي، باش نعيشوا وصاف، حيت مكاين خدمة، والعيالات الله يهديهوم ماحدهوم كيجيوا لهنا حنا ماغنتوبوش من هاد الخدمة”.

“دير النية”.. بين يدي المخرج

“ديري النية والحاجة غتكون مقضية”، عبارة يرددها “خدام المزار” كلما شرعوا في عد ما جلبته النسوة من أغراض، فهي تدخل ضمن طقوس العملية، فكلمة “النية” هي الحبل الذي يساق به النسوة بغير وعي، وإكسير نجاح استقبالهم وقبول قربانهم من قبل “الجن”.

يشرع “الخدام” بأخذ “الدجاج” وتمرير السكين على عنقه، فترى الدم يتدفق على الأرض، ليقوم بعد ذلك بحمل الدجاج ورش المكان بالدم، مع ذكر كلمة “التسليم”، ثم يقوم بعد ذلك برمي بعض الأعشاب على الأرض ووضع طبق يحمل الورود والحناء والشمع في جانب الحفرة التي شهدت العملية، ليختم “المشهد” بترديد عبارة “الحاجة مقضية إن شاء الله”.

أما النساء اللواتي ينتظرن قضاء الحاجة، فوجوه غالبيتهن “مخطوفة”، حيث يترقبن انتهاء طقوس الذبح والرش بلهفة ممزوجة بالخوف والندم، لكن المراد يظل يغذي انتظارهن.

الحصول على عريس..

بوجه تبدو عليه تقاسيم الزمن والندم، استقبلتنا سارة “اسم مستعار”، شابة في الثلاثينات من عمرها، عازبة “أو “بايرة” على حد تعبيرها، لم تمل من زيارة “الشوافات”، و”الفقهاء”، على أمل فك “التابعة”، والحصول على عريس، “لقد تجاوزت سن الزواج المطلوب، أعتبر أنني أصبحت “بايرة”، شوفوا وجهي يرد عليكوم الخبار”، تقول سارة مبتسمة في تصريح لجريدة “العمق”.

“مشيت عند لولى والثانية والثالثة ووالوا، والسبب دائما العائلة، إذ يشعروني بأن قطار الزمن داز وشرفت، والحل بالنسبة لهم هو “الشوافة” تشوف شنو عندي، والتي ترددت كثيرا قبل التفكير في الذهاب إليها”.

تحكي سارة، لـ”العمق” كيف كانت تؤمن إلى حد كبير، بما تقوله جل “الشوافات” اللواتي قامت بزيارتهن، “لي كانوا كيطلبولي كنجيبو، وكيفما كان ثمنه”، مضيفة “إحدى الشوافات، طلبت مني بعض العشوب التي يصل ثمنها لـ5000 درهم، للتبخر بها، وقالت لي غتمشي للبحر وتلبسي كسوة قديمة عندك ويضربوك 7 موجات، ومن بعد حيدي الكسوة ورميها في البحر مترديهاش عليك ودوري موراك ومتهضري مع حد الطريق كاملة تاتوصلي للدار، ومن بعدها غيتفكلك العكوس لي عندك”.

وتابعت الشابة الثلاثينية، أن وضعها ظل على ما هو عليه، لتقرر اللجوء إلى “شوافة” أخرى، والتي طلبت منها، إحضار 5 لترات من “الزيت البلدية”، و”بيجامة جديدة”، وشموع بيضاء، ودجاجة سوداء، و”حناء طرية”، “قالت لي إن ذلك يمكن أن يكلف إلى حدود 3000 درهم، كما طلبت مني الحضور في ليلة السبت، في حدود الساعة السابعة صباحا، إذ ستعمد إلى إدخالي للحمام في طقوس خاصة”.

وأردفت سارة، التي تصرفت بشكل غريب لحظة تذكرها للطقس السحري الذي مارسته “الشوافة” عليها، حتى تزيل ما أسمته “العكوسات” التي تمنعها من الزواج، “بالفعل أحضرت المطلوب، وقبل أن أدخل للحمام، “تجمدلي الما في الركابي”، لأن الوقت كان مبكرا، ألبستني “البيجاما البيضاء”، وبدأت تسكب الماء الممزوج بالأعشاب علي، وأحضرت الدجاجة وذبحتها فوق رأسي، وهي تتمتم بقراءات غير مفهومة، لحظتها بدأت أرتجف من الخوف، لا أخفيكم أنني سمعت أصوات غريبة، وما هي لحظات حتى أغمي علي”.

سكتت سارة لبرهة، كأنها تعيش الطقس السحري من جديد، لتستطرد بالقول، “عندما استفقت، وجدت نفسي ملفوفة في فوطة بيضاء، فبدأت أصرخ، لكن الشوافة أكدت لي أن الأمور مرت على خير وأن “العكوس اللي عندي تفك”، وأن عريس غزال غايجيني” تحكي سارة بتحسر.

رحلة البحث عن “الشوافات”

تركنا سارة، وحاولنا تقصي آثار عدد من “الفقها” و”الشوافات”، فوقع الاختيار، على مدينة مكناس، التي يتواجد بها ضريح “الهادي بنعيسى” المعروف بتوافد العديد من الزوار خاصة النساء اللواتي اخترن المقبرة المحاذية له، لتكون مرتعا لهن لممارسة عدد من طقوس السحر والشعوذة، ولعل المنظر البارز الذي يشد انتباه الوافدين على الضريح، خاصة في موسم الوالي الصالح الهادي بنعيسى، هو تعليق النساء لقطع من المناديل على الأشجار المتواجدة بالمقبرة، قصد التقرب من ملوك الجن لمساعدتهم على الزواج أو فك “العكوسات”.

قادتنا رحلة البحث، إلى إحدى أحياء المدينة القديمة يدعى “وجه عروس” حيث تقطن إحدى “الشوافات”، إذ بمجرد وقوفنا أمام الباب، رصدنا سيارتين فارهتين، الأولى رباعية الدفع، والثانية من نوع “مرسيدس”.

طلبت منا المشرفة على استقبال الوافدين الإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية، حتى تتأكد من هويتنا، وهو إجراء احترازي على حد تعبيرها، “راه مكاين تيقة، راه الوقت قباحت، وصحاب الحال حاطين علينا ناخدوا شوية ديال الاحتياط”، تقول خدوج، التي رافقتنا إلى إحدى الغرف، بعد التأكد من الهوية.

في الغرفة، والتي كانت عبارة عن “صالون”، جلست نساء من كل الأعمار أغلبهن شابات في عقد العشرينات، كما أن أغلبيتهن ترتدين نظارات سوداء، لإخفاء أعينهن عن الحاضرين، حتى لا ينكشف أمر تعاطيهن للسحر، الكل منشغل بهاتفه، ويتحاشى الحديث مع الآخرين، في تعبير واضح عن تخوفهن من الموضوع، وبعد مرور أزيد من نصف ساعة، نادت علينا “خدوج” المشرفة على الزبناء، للدخول، قائلة “ماتنساوش طلبوا التسليم”.

بعد دخولنا، للغرفة التي تتواجد بها “الشوافة”، والتي تحتوي على أريكتين، ومائدة بها “مجمر”، وبعض الأعشاب، بالإضافة إلى لعبة الورق، استقبلتنا “الشوافة”، التي كانت في الأربعينيات من عمرها، فبادرتنا بـ”السؤال”، “واش جايين على زواج ولا ضربوا الخط ولا شنوا، إيوا نضربوا الخط ونعرفوا كلشي إن شاء الله”، لتشرع مباشرة في قراءة الطالع.

“راجلك كيخونك (مع العلم أن صحافية العمق عازبة)، وكيمشي مع وحدة طويلة وعامرة، عندكوم التابعة، حاسدنكوم”، وسكتت لبرهة، لتتابع قولها، “فين الباروك بعدا، الجواد مايكملوا حتى ترشوهوم بجودكوم”، وبعد مدها بورقة نقدية من فئة 100 درهم، تابعت عملها، مشيرة إلى أنها ستقدم لنا وصفات، من خلالها سيعود الزوج لأحضان الزوجة “وهو كيجري”.

وصفات عودة “الحبيب”

تتألف الوصفة الأولى التي قدمتها لنا “الشوافة”، من جرعة من البول، ونصف كأس من الماء، يمزجان معا، ويقدمان للزوج، وسيعملان، على حد قول “الشوافة”، في ترطيب قلب الرجل “وغيولي حنين، وغيرجع لك بين يديك”، تقول المتحدثة ذاتها.

أما الوصفة الثانية، فتتألف، من “قطعة ثوب الزوج، مع قطعة من ثوب السيدة التي في علاقة معها، ويتم وضعهما معا في بصلة، عن طريق وضع ثقب كبير بها، مع القليل من البول، ويتركان لمدة “وما حدوا ديكشي كيتعفن تما وهو كيكره ديك السيدة لي كيتمشى معها، وماعمروا يدور لجهتها”، تقول الشوافة في تصريح لـ”العمق”.

فيما الوصفة الثالثة، فطلبت منا الشوافة، العودة في اليوم الموالي، مع إحضار بعض الأعشاب، ودجاج أسود اللون، مع شموع وحنة، قصد زيارة إحدى الأضرحة بالمدينة لتقديمها كقربان “للجواد”.

اعترافات “فقيه”

جريدة “العمق” ربطت اتصال مع أحد الفقهاء من مدينة أكادير الذي رفض اللقاء مكتفيا بالرد على أسئلتنا عبر الهاتف، وذلك لمعرفة أهم الطلبات التي يطلبها “الفقيه” أو الشوافة” من الزبناء.

“كيجيو عندي باش نديرلهوم القبول”، حسب تعبير الفقيه، الذي أكد أن غالبية الزبناء، يزورونه من أجل خلطات القبول التي يقوم بها، “باش يبقاو الناس يبغيوهوم، وفيما دخلوا أو حطوا رجليهوم يتقضى غراضهوم، أو يربحوا الفلوس، والمشاريع ديالهوم تكبر”، يقول الفقيه بنبرة شبه مؤكدة، تشعرك بـ”يقين” ما تجود به قريحته.

وأضاف الفقيه، أنه ولتحقيق ذلك يطلب من الزبناء بعد مشاورة الجن أو “صحاب الحال” كما حبذ وصفهم، “نختار الوصفة الملائمة حسب الزبون وقدرته المادية، إذ تتراوح وصفة القبول الذي تتطلب بخورا خاصا، ما بين 2000 درهم إلى 20 ألف درهم”.

وتابع في الاتصال ذاته، أن هناك وصفات تستخدم لجمع القلوب أو تفريق الأزواج والأحباء، تتمثل في إحضار دم “الديك الأسود”، والعمل على تجفيفه ووضع مع منديل وشمع أبيض، وكتابات مصحوبة بجداول تملأ بحروف خاصة وأسماء شياطين، وتقرأ عليها قراءات خاصة، ويتم جمع الكل، وتعليقه في شجرة، “وكلما هبت الريح وتحرك ذلك المنديل، يا غينوض الصداع بين دوك 2 دالناس لي بغاهوم الزبون يدابزوا، أو العكس تزاد المحبة بيناتهوم، حسب الوصفة المطلوبة وحسب القراءات التي أقرؤها على الوصفة”، وفق تعبيره.

الفقيه، أوضح أن هناك وصفات تتطلب أشياء نادرا ما يتم الحصول عليها نظرا لكونها قليلة في السوق، وصعبة المنال، وتتمثل أساسا في طائر الهدهد الذي يصعب صيده، والغزال، ثم حيوان “الضربان”، الذي يباع في السوق بـ 20 ألف درهم، و”شوكة منو كافية”، “باش يبقاو الناس يبغيوك وتحقق طلباتك ومشروعك يكبر”، ثم “مخ الضبع”، الذي إذا أكله الزوج “يصبح كالضبع”، على حد تعبيره.

وأشار الفقيه ذاته، إلى أن جلود الحيوانات أيضا مطلوبة، فهناك جلد الغزال الذي يستخدم للتضييق على الشخص المسحور وتقييده، وجلد الأفعى للتفرقة، وجلد السحليات “إلى بغيتي شي حد يبقى ديما مريض”، كما يتم استخدام القنفذ عبر تفريغه وملئه بالأعشاب ووضع صورة الشخص المراد بعد خطها بكتابات معينة، ومن ثم دفنه بعيدا”.

ممارسات تسيء للمجتمع..

أستاذ علم الاجتماع علي الشعباني، قال إن “الإنسان الذي يلجأ لمثل هذه الممارسات، يدخل ضمن الفئات التي لا تتوفر على الوعي الكافي والثقافة العقلانية”، مشيرا إلى أن “تعاطي الشعوذة لا يرتبط بإنسان متمدرس أو رجل أو امرأة أو إنسان له وضعية اجتماعية ما، بل هي مسألة عقلية وسلوك معين”.

وشدد الشعباني في اتصال مع جريدة “العمق”، أن “الإنسان إذا حكّم الإرادة الإلاهية والعقل الإنساني سيبتعد تماما عن مثل هذه الأشياء، ولن نجد هذه الفئة التي تلجأ لهذه الأوهام التي لا تحقق أي شيء بل تسيء للشخص والمجتمع والعصر الذي ننتمي إليه، والذي نعتبره عصر العلم والفكر المتنور والانفتاح على الثقافات المختلفة”، حسب قوله.

وأكد الشعباني، أن “هذه العادة قلت بكثير ولا نجدها إلا في بعض الأوساط الضيقة جدا وبعض الأحياء الشعبية، حيث أصبحنا نحس أن هناك وعي اجتماعي وابتعاد عن مثل هذه الأساطير التي كانت سابقا، فلم يعد الإنسان المغربي متشبث بإحياء تلك الأساطير والخرافات بل لاحظنا العودة إلى الوعي الصحيح والسليم”، وفق تعبيره.

وعن استخدام مصطلح النية في قضاء الأغراض السحرية، قال أستاذ علم الاجتماع، إن “الإنسان الذي يتشبت بالنية في هذه الأعمال الخرافية، إنسان غير واثق من إمكانياته، والإنسان الذي لا يثق بها وبقدراته العقلية وذكائه وتجاوز الصعوبات والمشاكل هو الذي يعتبر ذلك”.

وأشار المتحدث ذاته، أن “هذه النية تتحول إلى غفلة والقانون لا يحمي المغفلين، وهذه النية تحيلنا على الإنسان المتخلف العاجز الكسول الذي لا يقدر على استخدام عقله ولا يثق فيه”.

إلى متى .. !

كثيرة هي الحالات التي يتعاطى فيها المغاربة للسحر، قصد تحقيق أحلامهم وبلوغ أهدافهم بطرق غير جائزة شرعا ولا قانونا، وتختلف طرق “الشوافات” والفقهاء”، في استمالة الزبناء، واستدراجهم قصد استغلالهم، ليصبحوا منفذا للربح المادي، عبر توهيمهم بتحقيق رغباتهم وطلباتهم، من جلب “النصيب”، وتفرقة الحبيب، وتوفير الرزق الكثير.

هي ظاهرة تستفحل يوما بعد يوم، دون مقاومة حقيقية من قبل المجتمع أو الدولة، بالرغم من تأكيد البعض على تراجع الإقبال عليها، لكن كما يقال “ما خفي كان أعظم”، ليظل السؤال مطروحا: إلى متى سيظل بعض المغاربة يؤمنون بمثل هذه الخرفات والأساطير، وهل ستضع الدولة والمجتمع حدا لهذه الظاهرة التي تسيء للبلد؟ أم أنها تبقى ظاهرة عابرة للدول ؟ ..