وجهة نظر

إحراق السفن.. من ابن زياد إلى ابن زايد

تعرضت أربعة سفن لهجوم غامض، قرب ميناء الفجيرة الإماراتي، وبعد حوالي شهر، استفاق العالم على استهداف ناقلتي نفط، في نفس المياه، لكن هذه المرة أقرب لميناء بندر جاسك الإيراني.

استهداف ست سفن، في غضون شهر واحد، في منطقة من أأمن المناطق، وأكثرها حركة، دون معرفة الفاعل، أمر يثير الشكوك والحيرة.
يبدو الأمر جنونيا حقا، فهو أشبه بعمليات التخريب التي تقوم بها جماعات مسلحة وتنظيمات سرية وخلايا إرهابية، لأنها لاتقدر عواقب الحروب، ولا تعتني بتقدير المصالح، فهل يكون الحوثيون وراء أعمال كهذه؟

من الواضح أن الحوثيين اكتسبوا قدرات وتجربة وثقة كبيرة، لدرجة أنهم بدأوا يضربون في العمق السعودي، مطارات وقواعد عسكرية ومضخات نفط، لكن من المستبعد أن يكونوا وصلوا لهذا المستوى من التهديد، الذي يؤهلهم لضرب ناقلات النفط في البحار، كما أنهم في غنى عن فتح جبهات مع دول أخرى، استهدفت سفنها، هم الباحثون عن المشروعية والدعم.

من الممكن أن تكون إيران وراء هذه الحرائق، فهي دولة قوية، يمكن أن تضرب أينما وكيفما شاءت، لتوصل رسائلها لخصومها وأعدائها الذين يحاصرونها، وهي بذلك تقول لهم إما أن نعيش جميعا بأمن وأمان، أو أن نكتوي جميعا بنار الرعب والخوف، وعند إيران القدرة على فعل ذلك بنفسها أو عن طريق أدواتها في المنطقة.

لكن هل يمكن لإيران أن تغامر مغامرة كهذه؟ هي التي صرحت أنها لاتريد حربا، وأي عاقل يريد الحرب ويسعى إليها؟ إلا المجانين.
أحد المجانين الذين قد تكون لهم يد في إشعال فتيل الحرب، هو دونالد ترامب، لإنهاء وجع الدماغ الذي تسببه إيران، وليستكمل بسط سيطرته على المنطقة، ويحولها إلى قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة، تراقب انضباط حكام المنطقة، وتسهر على حماية إسرائيل، وتنهب الثروات وتؤمن وصولها لبلاد العم سام.

لكن ترامب قال أيضا أنه لايريد حربا، ربما لايريد حربا، لكنه حتما يريد إثارة وتشويقا، وحتى إذا لم يقم بذلك بقصد ضرب إيران، فمن المحتمل انه قام به بقصد تخويف حلفائه الخليجيين، ألم يقل لهم إذا تخليت عنكم فلن تستمروا أسبوعا على كراسيكم، أفليس من الوارد أنه يختبر خوفهم ويستثمر فيه، يخرج لهم فلما مرعبا، ثم يحلبهم حلبا، يوهمهم أن نيران إيران تقترب من خيامهم، ويوهمهم أنه هو الإطفائي المنقذ، ويطالبهم بالأجر مضاعفا؟

ربما كان ترامب بريئا من ذلك كله، وكان حكام الإمارات والسعودية، يستحثونه لضرب إيران، بهكذا أفعال صبيانية، يحرقون سفنا ليقطعوا طريق العودة إلى أي حل سلمي، أليسوا مسلمين وقد قرأوا عن بطولات طارق بن زياد، الذي أحرق سفن جنده ليدفعهم للقتال دفعا، فعلها من قبل ابن زياد، وقد يفعلها الآن ابن زايد أو ابن سلمان، أليس أتباعهم يقولون أن ترامب خادم عندهم، وأنه يؤدون له أجرا مقابل القتال في صفهم، هو جندي إذن عندهم، إذا لم يقتنع بالقتال، يدفعونه إليه بالاحتيال.

ربما هناك طرف آخر، بعيد عن هذه الصراعات، يريد لفتيل الحرب أن يشتعل، لهذا السبب أو ذاك، فقد تزامن الحدث، مع وساطة يابانية، بين الإيرانيين والأمريكيين، فقد زار رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” طهران، للقاء المرشد الأعلى، يوما قبل الهجوم.

يمكن أن تكون روسيا وراء هجوم كهذا، خاصة أنها عبرت عن طموحات كبيرة، منذ دخلت الحرب إلى جانب النظام السوري، بحثا عن نصيبها وسط الفوضى الخلاقة التي اجتاحت المنطقة.

يمكن أيضا أن تكون إسرائيل وراء إشعال فتيل الحرب هذه، وقدح زنادها، والنفخ في جمرها ورمادها، وهي من أقوى المرشحين، لعمليات كهذه، من الجوانب الاستخباراتية والعسكرية والأمنية والسياسية والاستراتيجية.

إسرائيل متمرسة في الاصطياد في المياه العكرة، وفي العمليات الجراحية، وفي التصفيات والاغتيالات خارج حدودها، وفي استغلال الفوضى للإجهاز على خصومها أو توريطهم، فهي تقوم بعمليات عسكرية دقيقة ضد النظام السوري، رغم انهياره وغرقه في حرب مدمرة، وهي تطارد المقاومين في دول عديدة وتغتالهم في الطرقات والفنادق وداخل بيوتهم، وهي مافتئت تحذر من إيران، وتصورها بصورة البعبع والنظام الإرهابي، وتحرض عليها ذات اليمين وذات الشمال، ولا ترى في أي هدنة أو مفاوضات أو اتفاق أمريكي إيراني، إلا إطالة للأزمة، وإعطاء فرص أخرى للتهديد الذي يتربص بها، لذلك فإن التعجيل بتوريط إيران في حرب، هو المخرج لها من مخاوفها.

أعتقد أن هذه كلها سيناريوهات واحتمالات ورادة، ولو بقيت “داعش” على قيد الحياة، لقلنا أنها وراء هذا العمل، هذا إن لم تسارع هي لتبنيه، قبل أن ننبس ببنت شفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *