وجهة نظر

الإغتصاب الزوجي بين فضاعة المشهد وشرعية الفعل

إن ظاهرة الإغتصاب قديمة قدم الإنسان، منذ أن وجد الرجل مع المرأة جنبا إلى جنب، فهو وجه آخر من أوجه العنف و ممارسات السلطة و الهيمنة الذكورية على المرأة، بحيث يصبح الجنس الأداة المفضلة لتدمير المرأة، إنه أحد مظاهر التطرف في عصر البربرية، بحيث يستعمل في خدمة العنف و لصالح السيطرة بغية الإخضاع و القتل و ليس الموت، الإذلال لا اللذة ، تسببت هذه الغريزة الفظة للرجل التي لاصلة لها بالإثارة لدى المرأة، بصدمة نرجسية تتعدى حدود الفعل حدود الألم الموضعي للإهانة و المس بالكرامة وخلق جسد مشوه معتل، وأمام هذا الحدث تلجا ” أنا” المرأة إلى التحررمن زنزانة الجسد، بحيث لا تنسجم مع الذات منسلخة عن الواقع بغية إستعادة جنسية الجنس و إعادة تكوين الأغشية النفسية و الخروج من دائرة الشلل النفسي، إلى مرحلة التصالح الفعلي مع الذات.

إن الكثير منا مازال إلى يومنا هذا يخلط بين معاني كثيرة كالإعتداء الجنسي و الإغتصاب و على سبيل التوضيح لا التفسير:

يقصد بالإعتداء الجنسي هو كل فعل يهدف إلى الإثارة الجنسية أو المس بكرامة المعتدى عليه، سواء كان ذكرا أم أنثى والذي يتم التطاول عليه دون رضاه، و الذي لايصل بالضرورة إلى الإغتصاب، و يشمل الإعتداء الجنسي أفعال مختلفة مثل الإمساك بالثدي و مناطق جنسية أخرى، وعادة يواكب الإعتداء الجنسي عنف جسدي يختلف من حيث درجة الخطورة.

بينما الإغتصاب فهو فعل ينشأ عنه إيلاج أو إجبار على الإيلاج، سواء كان بالأعضاء الجنسية أو عبر أداة أخرى، من خلال المهبل أو الشرج، كما يعتبر أيضا إغتصابا إستغلال عدم قدرة الضحية على إعطاء موافقة حقيقية، مثال كون الضحية في حالة إعاقة او شلل وكذا حالات السكر و التخذير.

من القانون الجنائي المغربي، 486 وتعد جريمة الإغتصاب في القانون المغربي من الجرائم الماسة بالأخلاق العامة، وينص الفصل
على كون الإغتصاب جريمة يعاقب عليها بالسجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات، وإذا كان سن الضحية يقل عن ثمانية عشرة سنة أو كانت عاجزة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى عشرون سنة.

من ذات القانون، يشدد العقوبة على مرتكب الجريمة إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو من 487 وكذلك فإن الفصل الذين لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عنده أو موظفا دينيا.

ومن بين أنواع الإغتصاب و الذي من الصعب تحديده و التي تتداخل فيه مجموعة من العوامل الإجتماعية و الثقافية و الدينية:

وهو الإغتصاب الزوجي و الذي يعرف بممارسة الزوج الجنس مع زوجته بالقوة و بدون ان تكون لها رغبة في ذلك، و إنتشاره في عدد من المجتمعات يفسر بهيمنة العقلية الذكورية عليها، التي تعتقد بأن على المرأة تلبية جميع رغبات الرجل بدون شرط أو قيد، إلا أن كون العلاقة في إطار شرعي لايمنع عنها طابع الإغتصاب و العنف، مادامت تتم بغير رضى أحد الطرفين، فالعلاقة الجنسية لايمكن أن تكون سليمة ومقبولة إلا بتراضي الفاعلين.

إن جوهر العلاقة الحميمية بين الرجل و المرأة تتأسس على الإنسجام و على تبادل المشاعر و الشعور بالراحة و السكينة، في حضور روح وجسد متناغم، يجعل من الإنسان ينصهر في الذات الأخرى و التي هي مصدر أولي للإشباع النفسي ثم الجنسي.

ولذلك فتأثير الإغتصاب الزوجي على المرأة لايختلف عن تاثير جريمة الإغتصاب في العموم، بل قد يكون أسوأ لأن مرتكبه شخص يفترض كونه محل ثقة، فالمرأة تضطر في كثير من الأحيان لأسباب إجتماعية أو إقتصادية للبقاء مع الزوج على الرغم من الأذى الذي تعرضت له، كما تبدأ بالنفور و الخوف و كره الرجل و عدم الشعور بالأمان في وجوده، وتكمن الخطورة هنا في أن عدم مقدرتها على أن تقول لا في مثل هذا الموقف، يعني أنها لن تكون قادرة على قول لا في أي موقف آخرفي حياتهما المشتركة، وقد يتطور الأمر ليترك آثارا نفسية سيئة، وقد تعاني المرأة من إضطرابات نفسية مثل القلق و الإكتئاب – صعوبة التركيز-النوم المتقطع..

وحسب الأخصائية في علم النفس الإكلنيكي، زوي بيترسون “رئيسة معهد كيزي لأبحاث الإعتداء الجنسي التابع لجامعة “إنديان”، من الشائع حين تتعرض المرأة للإغتصاب أو عنف جنسي أن تلجأ لمهرب نفسي أي بمعنى الإنفصال عن الذات.

وكما تقول بيترسون إن العقل قد ينأى بنفسه عن الحدث لمساعدة صاحبه على تجاوز اللحظة، وإن عطل هذا قدرته على المقاومة، ومن المؤسف أن تلك الإستجابة تجعل الشخص غير قادر على إدراك وقوع الإغتصاب فعلا.

لماذا يلجأ الرجل لإغتصاب المرأة؟

يلجأ الرجل لإغتصاب المرأة، لأننا نعيش في مجتمع ذكوري حيث يعطي أهمية فقط لرغبات الرجل و له حرية مطلقة في ممارسة السيطرة على المرأة من أجل إرضاء إحتياجاته الجنسية بغض النظر عن الحالة النفسية و الجسدية للمرأة وعن مدى رضاها في تقبل هذه العلاقة.
فالمجتمع العربي يضيق دور المرأة في تلبية الإحتياجات الجنسية للرجل، وليس لها حق التعبير عن رغباتها و لا حتى حق الرفض،بالإضافة إلى عدم وجود وعي بأهمية الحوار و المصارحة عن إحتياجاتهم النفسية و الجنسية.

وكذلك من بين أسباب الإغتصاب بين الأزواج الإضطرابات النفسية للزوج الناشئة عن تعاطي الكحول و المخدرات، و إحساس الزوج على أنه غير مرغوب فيه من طرف الزوجة، يزيد من غضبه ومن رغبته في إقامة علاقة جنسية ولو رغما عنها.

الإغتصاب الزوجي في ظل هشاشة القانون.

إن القانون المغربي و إلى حدود أواخر سنة 2018، لم يكن يعترف بالإغتصاب الزوجي كجريمة إلا في حالة إذا أجبر الزوج الزوجة على ممارسة الجنس الشرجي، و عندها تعتبر جريمة هتك عرض، بل على العكس كانت تعتبر العلاقة الجنسية بين الزوجين سواء رضائية أو غير رضائية حق أصيل من حقوق الزوج، وعلى الزوجة واجب تلبية إحتياجاته، وتقتصر قوانين العنف الزوجي أو الأسري على الإيذاء الجسدي فقط.

بعد تداول حوادث الإغتصاب الزوجي على المحاكم، بدأ المشرع المغربي بإتخاذ موقف صريح وواضح من العنف الزوجي ضد المرأة بما فيه الإغتصاب، و التجريم القطعي الإكراه على الجماع بين الزوجين، بمشروع قانون لمنع العنف ضد النساء ينصب بشكل صريح على تجريم الإغتصاب الزوجي.

أثر الإغتصاب الزوجي على مستقبل العلاقة الحميمية.

إن مستقبل العلاقة الجنسية بين الزوجين رهين بالماضي والحاضر، بحيث أن بداية العلاقة تحكم على نوع العلاقة ككل، فالعلاقة السليمة و الصحية هي التي تتم برضى الطرفين، و التي تهف بالأساس إلى الحفاظ على التوازن النفسي للشخص، بإعتبار أن الحاجة للممارسة الجنسية هي من الإحتياجات الأساسية للإنسان ، لحظة من لحظات السكينة و التخلص من الطاقة السلبية، وتمثل في أغلب الأحيان السبب الرئيسي لنجاح الزواج أو فشله، لكونها تصوغ الشفرة السرية التي تضمن إستمرار التقارب بين طرفيها وعدم نفور أحدهما من الآخر.

عندما تنحرف هذه العلاقة التي تكتسي مساحة من القداسة للتحول إلى إغتصاب أو إكراه ، ووسيلة لتصريف النزوات وغرائز خالية من مشاعر المحبة التي تبنى عليها أية علاقة في إطار طبيعي، فإن المرأة تفقد الرغبة في ممارسة العلاقة الجنسية، و ينتابها شعور بالخوف و الرهاب بمجرد رؤية الزوج أو ملامسته لها، نوع من البرود الجنسي و إنطفاء العاطفة بالإظافة إلى مجموعة من التشنجات على مستوى عضلة المهبل، والتي غالبا ماتكون نتيجة تأثيرات نفسية أكثر من جسدية، مصحوبة بمجموعة من الأمراض النفسية كالإكتئاب و القلق و التوتر الحاد…

وخلاصة القول، فإن التقدم الحاصل على المستوى العالمي و العربي خاصة، يستوجب عدم الوقوف صامتين على بعض الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، و خاصة تلك الماسة بكرامة المرأة و التي تسعى لإذلالها، بإعتبار أن السلامة النفسية و الجسدية للمرأة تعني مجتمع سليم لأن المرأة هي الزوجة و الإبنة و الأخت و إهانتها هي إهانة مجتمع برمته.

* أخصائية في العلوم السجنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *